الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» .
وبعد أن بين الله تعالى عاقبة ترك النفر واستغناء الله ورسوله عن نصرة من لم يشارك بالنفر أصدر الله عز وجل أمره الجازم بالنفر فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أي كلكم إلا من كان ذا عذر، وقد دارت عبارات المفسرين بما يفيد ذلك ومما قالوه: أي خفافا في النفور لنشاطكم وثقالا عنه لمشقته عليكم، أو خفافا لقلة عيالكم وثقالا لكثرتها، أو خفافا من السلاح وثقالا منه، أو ركبانا ومشاة، أو شبابا وشيوخا، أو مهازيل وسمانا، أو صحاحا ومراضا، والمهم أن النفرة إذا جاء الاستنفار واجبة على الجميع إلا ما استثنى الله في سورة الفتح أو ما ذكره الله في هذه السورة من قوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ
…
كما سنرى وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا إيجاب للجهاد بالمال والنفس إن أمكن، أو بأحدهما على حسب الحالة والحاجة والاستطاعة ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي الجهاد خير لكم من تركه إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فمن لم يعلم أن الجهاد خير، ومن لم يجاهد، فإنه جاهل.
فوائد:
بمناسبة قوله تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا نذكر هاتين الحادثتين:
أ- قرأ أبو طلحة سورة براءة فأتى على هذه الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا، جهزوني يا بني، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير فدفنوه فيها.
ب- أخرج ابن جرير قال حدثني حبان بن زيد قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو- وكان واليا على حمص قبل الأفسوس- إلى الجراجمة فرأيت شيخا كبيرا هرما قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار فأقبلت إليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك، قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ألا إنه
من يحبه الله يبتليه ثم يعيده الله فيبقيه، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله عز وجل»
وبمناسبة هذه الآية نذكر هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام قال: «تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرده إلى منزله بما نال من أجر أو غنيمة» . ولنفرض أن أحدا وجد كراهة في نفسه للجهاد وتثاقلا عنه، فعليه في هذه الحالة أن يجاهد نفسه ويحملها على الجهاد، كما ينبغي أن يفعل ذلك في كل شئ فرضه الله عليه، روى الإمام أحمد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أسلم قال:
أجدني كارها. قال أسلم وإن كنت كارها».
وبعد أن بين الله عاقبة ترك النفر وعقوبته، وأمر بالنفير العام. بدأ يعالج ظاهرة التخلف وما يحيط بها من خلال ما حدث في غزوة تبوك التي كانت النفير الأقسى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدث يومها من تخلف، وما حدث خلالها من وقائع إنما هي النماذج الخالدة لما يحدث عند إعلان النفير، وما يكون خلاله، ولذلك يستمر بعرض هذه النماذج إلى نهاية السورة تقريبا.
إن الناس يواجهون عادة النفير بأحد موقفين. إما بالاندفاع له، وإما بالاستئذان عن المشاركة فيه، وهذا ما حدث يوم تبوك إذ استأذن الكثير عن الخروج، واندفع المؤمنون الصادقون للخروج، وقد حكم الله على الذين استأذنوا دون عذر بالنفاق وفتح لهم باب التوبة، ولم يستثن من الحكم بالنفاق إلا ثلاثة كانوا صادقي الإيمان، فعوملوا معاملة العصاة كما سنرى، والمقطع يعرض ظاهرة- فيما يعرض- الاستئذان وكيف قابلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتاب الله له عليه الصلاة والسلام على إذنه لمن استأذن وحكم هؤلاء المستأذنين فقال:
لَوْ كانَ عَرَضاً العرض هو ما يعرض للإنسان من منافع الدنيا قَرِيباً أي سهل المأخذ وَسَفَراً قاصِداً أي وسطا مقاربا، والسفر القاصد هو المعتدل والمعنى:
لو كان إلى مغنم سهل وسفر معتدل لَاتَّبَعُوكَ أي لوافقوك في الخروج وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي المسافة الشاطة الشاقة وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أي سيحلف المتخلفون عند رجوعك من الغزوة معتذرين لَوِ اسْتَطَعْنا استطاعة عدة أو
استطاعة أبدان لَخَرَجْنا مَعَكُمْ وفي الآية دليل من دلائل النبوة لأنه أخبر بما سيكون بعد القفول فقالوا كما أخبر يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ أي بالحلف الكاذب وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما يقولون
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ هذا من لطف العتاب إذ صدر بالعفو الخطاب لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ هذا بيان لما استحق به أن يخاطب بالعفو الذي يفيد سبق ما يحتاج إلى عفو، ومعناه: ما لك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ أي حتى يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا في الجهاد أو في القعود عنه، فالمؤمن يندفع نحو الجهاد اندفاعا تلقائيا، فكيف إذا صدر الأمر بالنفير؟ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ قدم الجهاد بالأموال على الأنفس لأن الجهاد بالنفس لا يقوم إذا لم يسبقه جهاد بالمال وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ فليجاهدوا إذن وما دام الله يعلم جهادهم فأجرهم عنده حاصل
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى المنافقين فهم الذين لا يرجون ثواب الله وهم الذين يستأذنون بالقعود عن الجهاد وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي شكوا
في دينهم واضطربوا في عقيدتهم فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ أي في شكهم وحيرتهم يَتَرَدَّدُونَ أي يتحيرون لأن التردد ديدن المتحير، كما أن الثبات ديدن المتبصر
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ أي الجهاد أو للخروج عُدَّةً أي أهبة، فدل ذلك على أنهم من الأصل قد نووا القعود، أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يأذن وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أي نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ أي فكسلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث؛ عقوبة لهم ونظرا للمسلمين لأن ذلك في صالحهم والتثبيط التوقيف عن الأمر بالتزهيد فيه وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ أي قال بعضهم لبعض، أو قاله الشيطان بالوسوسة لهم وفي النص ذم لهم، وإلحاق لهم بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود في البيوت،
ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين، وأن في ذلك مصلحة المؤمنين لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي إلا فسادا وشرا لأنهم جبناء مخذولون وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي ولسعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين يطلبون بذلك أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ تحتمل وجهين: الأول: أي سماعون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم، والثاني: أي وفيكم مطيعون لهم ومستحسنون