الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستطاع للبشر عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي شديد عليه عنتكم أي لقاؤكم المكروه أي صعب على نفسه كل ما يرهقكم حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم، فما لكم لا تقومون بحق الله معه، وتجاهدون معه؟! بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ عظيم الرأفة والشفقة، كثير الرحمة بالمؤمنين.
تعلمنا الآية أن على قادة المسلمين- أي على خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن يتصفوا بهذه الصفات: من الشفقة، والحرص على المؤمنين، وكمال الرأفة بهم، ولا يكون ذلك إلا بتطبيق أمر الله كاملا، ومن ذلك الجهاد. فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق في هذه الصفات- خاض بالمؤمنين غمرات الجهاد السنين الطوال.
فمن دعته رحمته وشفقته وحرصه على المؤمنين، ورغبته عن إعناتهم إلى ترك الجهاد فهو غير وارث. ومن ثم ندرك سر ختم هذه السورة بمثل هذه الآية والتي بعدها.
فَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عما تدعوهم إليه من أمر الجهاد وغيره فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ أي الله يكفيني أي فاستعن بالله وفوض إليه أمورك، فهو كافيك لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي فوضت أمري إليه وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ومن كان رب العرش- الذي هو أعظم المخلوقات- فإن التوكل عليه يغني عن جميع المخلوقات. وبهذا انتهت السورة.
الفوائد:
1 -
في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. قال ابن كثير: (أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام.
ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم، وفتح الله عليه مكة والمدينة، والطائف، واليمن، واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام، لكونهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك، ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة تسع من هجرته، عليه السلام، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية- صلوات الله وسلامه عليه- بعد حجته بأحد وثمانين يوما، فاختاره الله لما عنده، وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد مال الدين ميلة كاد أن
ينجفل، فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد، وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة، ممن منعها من الطغام، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنفس كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد، وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله، وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقا وغربا، وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدا وقربا، ففرقها على الوجه الشرعي، والسبيل المرضي، ثم لما مات شهيدا وقد عاش حميدا، أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار، على خلاقة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيد الدار، فكسا الإسلام برئاسته حلة سابغة، وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله، وظهر دينه، وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها. وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالا لقول تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وقوله تعالى وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً أي وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم. فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رقيقا لأخيه المؤمن، غليظا على عدوه الكافر، كقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ
(المائدة: 54) وقوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: 29) وقال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ. (التحريم: 9) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا الضحوك القتال يعني أنه ضحوك في وجه وليه قتال لهامة عدوه، وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أي قاتلوا الكفار وتوكلوا على الله، واعلموا أن الله معكم إذا اتقيتموه وأطعتموه. وهكذا الأمر لما كانت القرون الثلاثة الذين هم خيرة هذه الأمة في غاية الاستقامة، والقيام بطاعة الله تعالى، لم يزالوا ظاهرين على عدوهم، ولم تزل الفتوحات كثيرة، ولم تزل الأعداء في سفال وخسار، ثم لما وقعت الفتن والأهواء، والاختلافات بين الملوك، طمع الأعداء في أطراف البلاد، وتقدموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض، ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن
بعد، فكلما قام ملك من ملوك الإسلام، وأطاع أوامر الله، وتوكل على الله، فتح الله عليه من البلاد، واسترجع من الأعداء بحسبه، وبقدر ما فيه من ولاية الله، والله المسئول المأمول أن يمكن المسلمين نواصي أعدائه الكافرين، وأن يعلى كلمتهم في سائر الأقاليم إنه جواد كريم».
2 -
وبمناسبة قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً قال ابن كثير: (وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل قد حكى غير واحد الإجماع على ذلك)
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ
…
روى ابن جرير عن حذيفة في الآية قال: (ويظهر أن المراد بذلك قبول قلوب هؤلاء للشائعات ضد الإسلام والمسلمين وتجاوبهم معها).
4 -
وبمناسبة قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ .. إلى آخر السورة ننقل ما يلى:
أ- روى الإمام أحمد
…
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان فيما يرى النائم: فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر، انتهوا إلى رأس مفازة (1)، ولم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك، إذ أتاهم رجل في حلة حبرة (2)، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة، وحياضا رواء تتبعوني؟ فقالوا نعم، قال: فانطلق بهم، فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم، ألم ألقكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة، وحياضا رواء، أن تتبعوني؟ فقالوا: بلى.
قال: فإن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه، وحياضا هي أروى من هذه فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه»
(1) أي صحراء لا ماء فيها.
(2)
نوع من برود اليمن.