المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَتَوَكَّلُونَ أي يعتمدون عليه ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم - الأساس في التفسير - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة في آفاق الوحدة القرآنية بين يدي المجلد الرابع

- ‌سورة الأعراف

- ‌كلمة في سورة الأعراف ومحلها في السياق القرآني ومحورها:

- ‌ نقول

- ‌كلمة في أقسام سورة الأعراف ومقاطعها

- ‌[القسم الاول]

- ‌مقدمة السورة

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الأول:

- ‌«الفقرة الأولى»

- ‌المعنى العام للمقطع:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الأولى:

- ‌نقول وفصول:

- ‌فصل: في مظاهر من الكبر:

- ‌فصل: في التواضع:

- ‌فصل: في مناقشة التطوريين:

- ‌فصل: في حكمة إنظار إبليس:

- ‌فصل: في تعقيبات على قصة آدم:

- ‌فوائد:

- ‌[الفقرة الثانية]

- ‌المجموعة الأولى

- ‌يقول صاحب الظلال:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تعليقات:

- ‌كلمة فى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سياق المجموعة:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الثالثة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌[القسم الثاني]

- ‌ المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌نقول:

- ‌فائدة:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌بين يدي الكلام عن المقاطع الثلاثة الآتية بالسورة

- ‌ المقطع الثاني من القسم الثاني:

- ‌تلخيص لمعاني المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ملاحظات على هذه النقول:

- ‌المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المعنى العام:

- ‌ المعنى الحرفي

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد حول الآية:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد حول المقطع:

- ‌نظرة في كتاب العهد القديم فيما يخص المقطع:

- ‌في الإصحاح الرابع والعشرين في سفر الخروج:

- ‌فصل: في البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الرابع في القسم الثاني

- ‌كلمة في سياق المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثالث من سورة الأعراف

- ‌استعراض لمعاني القسم:

- ‌المعنى العام للقسم:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سياق هذا القسم:

- ‌كلمة في سورة الأعراف:

- ‌سورتا الأنفال وبراءة

- ‌كلمة في محل السورتين ضمن السياق القرآني العام

- ‌سورة الأنفال

- ‌[القسم الاول]

- ‌مقدمة السورة

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الأول من القسم الأول

- ‌ المعني العام

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثاني من القسم الأول:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌قال الجصاص عند قوله تعالى:

- ‌فوائد

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ القسم الثاني

- ‌ المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي للمجموعة الأولى:

- ‌فوائد:

- ‌المعنى الحرفى للمجموعة الثانية:

- ‌فائدة:

- ‌المعنى الحرفي للمجموعة الثالثة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌قضيتان مهمتان:

- ‌ المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌كلمة في هذا المقطع

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الأولى:

- ‌كلمة في آيات القتال:

- ‌فوائد

- ‌كلمة في السياق:

- ‌التفسير الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثاني من القسم الثاني:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ خاتمة سورة الأنفال

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سورة الأنفال:

- ‌سورة التوبة

- ‌كلمة في سورة التوبة:

- ‌القسم الأول

- ‌بين يدي هذا القسم:

- ‌المعنى العام:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌المعنى الحرفي للمقطع الأول:

- ‌فوائد:

- ‌ولننتقل الآن إلى التفسير الحرفي للمقطع الثاني:

- ‌فوائد:

- ‌المعنى الحرفي للمقطع الثالث:

- ‌[الفقرة الأولى]

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌قال الألوسي:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثالث:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثاني من سورة براءة

- ‌المقطع الأول

- ‌المعنى العام:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ التفسير الحرفي

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد

- ‌فائدة:

- ‌ الفوائد

- ‌فوائد:

- ‌المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فصل: في الكينونة مع الصادقين:

- ‌المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة بين يدي هذا المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثالث والأخير

- ‌كلمة في هذه الآيات:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في أواخر سورة براءة

- ‌كلمة في سورتي الأنفال وبراءة

- ‌كلمة حول القسم الأول من أقسام القرآن:

- ‌ملاحظات حول هذا القسم:- ملاحظات للمربين

الفصل: يَتَوَكَّلُونَ أي يعتمدون عليه ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم

يَتَوَكَّلُونَ أي يعتمدون عليه ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي يجمعون بين أعمال القلوب من الوجل والإخلاص والتوكل وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة

أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا. أو أولئك هم المؤمنون إيمانا لا شك فيه ولا تردد لَهُمْ دَرَجاتٌ أي مراتب بعضها فوق بعض على قدر الأعمال عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ أي وتجاوز لسيئاتهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ في الجنة صاف عن كد الاكتساب وخوف الحساب

‌فوائد:

1 -

عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما سورة الأنفال. قال:

نزلت في بدر، رواه البخاري. وقد حدث كثير من الصحابة عن واقعة حدثت له أو لغيره في موضوع الغنائم يوم بدر وكل ذلك له علاقة في سبب نزول الآية الأولى من سورة الأنفال. وهذه مجموعة من الآثار في هذا الموضوع

ا- قال مجاهد في سبب نزولها إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

ب- روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«اذهب فاطرحه في القبض» قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اذهب فخذ سلبك» وروى الإمام أحمد

عن سعيد بن مالك قال: قلت يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف. فقال: «إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه» قال: فوضعته فقلت عسى أن يعطى هذا السيف من لا يبلى بلائي قال: فإذا رجل يدعوني من ورائي قال: قلت قد أنزل الله في شيئا؟ قال كنت سألتني السيف وليس هو لي وإنه قد وهب لي فهو لك، قال: وأنزل الله هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح. وروى الإمام أحمد

عن أبي أمامة قال: سألت عبادة عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه

ص: 2115

أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء (يقول عن سواء). وروى الإمام أحمد أيضا عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض. قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب. وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا؛ نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به. فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعا نفل الثلث. وكان يكره الأنفال.

ورواه الترمذي وقال: حديث صحيح، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم. وروى أبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه واللفظ له. وابن حبان والحاكم

عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا» فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا، فتنازعوا. فأنزل الله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إلى قوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وروى الثوري

عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن أتى بأسير فله كذا وكذا» فجاء أبو اليسر بأسيرين فقال يا رسول الله صلى الله عليك أنت وعدتنا، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إنك لو أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شئ، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك مخافة أن يأتوك من ورائك، فتشاجروا ونزل القرآن يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ قال: ونزل

القرآن وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ إلى آخر الآية.

قال صاحب الظلال تعليقا على ما حدث من خلاف بسبب الغنائم يوم بدر:

«ولقد يدهش الإنسان حين يرى أهل بدر يتكلمون في الغنائم؛ وهم إما من

ص: 2116

المهاجرين السابقين الذين تركوا وراءهم كل شئ، وهاجروا إلى الله بعقيدتهم، لا يلوون على شئ من أعراض هذه الحياة الدنيا؛ وإما من الأنصار الذين آووا المهاجرين، وشاركوهم ديارهم وأموالهم، لا يبخلون بشيء من أعراض هذه الحياة الدنيا أو كما قال فيهم ربهم يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. ولكننا نجد بعض التفسير لهذه الظاهرة في الروايات نفسها لقد كانت الأنفال مرتبطة في الوقت ذاته بحسن لبلاء في المعركة وكانت بذلك شهادة على حسن البلاء؛ وكان الناس- يومئذ- حريصين على هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الله سبحانه وتعالى في أول وقعة يشفي الله فيها صدورهم من المشركين! .. ولقد غطى هذا الحرص وغلب على أمر آخر نسيه من تكلموا في الأنفال حتى ذكرهم الله سبحانه به، وردهم إليه .. ذلك هو ضرورة السماحة فيما بينهم في التعامل، والصلاح بين قلوبهم في المشاعر؛ حتى أحسوا ذلك في مثل ما قاله عبادة بن الصامت- رضي الله عنه .. «فينا أصحاب بدر- نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. »

ولقد أخذهم الله سبحانه بالتربية الربانية قولا وعملا .. نزع أمر الأنفال كله منهم ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل حكمه في قسمة الغنائم بجملتها، فلم يعد الأمر حقا لهم يتنازعون عليه؛ إنما أصبح فضلا من الله عليهم، يقسمه رسول الله بينهم كما علمه ربه

».

أقول: وصف الله النفس البشرية بقوله: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وهو وصف معجز فالنفس البشرية شحها حاضر عند كل تصرف من تصرفاتها، والمسلم الذي أخذ حظه من التزكية يتغلب على شحه بمجاهدته نفسه وبحملها على الحق، ولم يكن الحق في شأن الغنائم واضحا، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أكثر خلق الله فيئة فبمجرد أن وضح الله لهم من هو صاحب الحق في الغنائم فاءوا.

2 -

رأينا أن الأنفال في الآية فسرت بالغنائم، إلا أن كلمة نفل تستعمل في هذا الباب أكثر من استعمال وقد نقل ابن كثير عن أبي عبيد في كتاب الأموال (

والأنفال أصلها جماع الغنائم، إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة، ومعنى الأنفال في كلام العرب كل إحسان فعله فاعل تفضلا، من غير أن يجب

ص: 2117

ذلك عليه، فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شئ خصهم الله به تفضلا منه عليهم بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها الله تعالى هذه الأمة، فهذا أصل النفل. قلت: شاهد هذا ما في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي- فذكر الحديث إلى أن قال- وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» . وذكر تمام الحديث، ثم قال أبو عبيد: ولهذا سمي ما جعل الإمام للمقاتلة نفلا، وهو تفضيله بعض الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الفناء عن الإسلام والنكاية في العدو، وفي النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع، لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى (فإحداهن) في النفل لا خمس فيه وذلك السلب (والثانية) النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس (الثالثة) في النفل من الخمس نفسه وهو أن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى (والرابعة) في النفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شئ، وهو أن يعطى الأدلاء ورعاة الماشية والسواق منها، وفي كل ذلك اختلاف. قال الربيع: قال الشافعي: الأنفال أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شئ غير السلب. قال أبو عبيد: والوجه الثاني من النفل: هو شئ زيدوه غير الذي كان لهم، وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم، فإن له خمس الخمس من كل غنيمة، فينبغي للإمام أن يجتهد، فإذا كثر العدو واشتدت شوكتهم وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل والوجه الثالث من النفل: إذا بعث الإمام سرية أو جيشا فقال لهم قبل اللقاء: من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فهو لهم على ما شرط الإمام لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا. وقال ابن مسعود ومسروق: لا نفل يوم الزحف إنما النفل قبل التقاء الصفوف. «وهذا يفيد أن مذهبهما أن للإمام أن يشجع بإعطاء النفل قبل المعركة كالتشجيع على المبارزة والاستطلاع» .. ويرى الشعبي للإمام أن ينفل بعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش) أقول: إن للقيادة الإسلامية أن تأخذ بقول أي إمام مجتهد إذا رأت المصلحة في ذلك

3 -

بمناسبة قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ يذكر ابن كثير قصة يرويها عبد الرزاق وفيها آداب فليفطن لها القارئ: روى عبد الرزاق عن القاسم بن محمد قال:

قال ابن عباس: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا سئل عن شئ قال لا آمرك ولا

ص: 2118

أنهاك. ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا زاجرا آمرا محللا محرما، قال القاسم: فسلط على ابن عباس رجل فسأله عن الأنفال فقال ابن عباس كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه، فأعاد عليه الرجل فقال له مثل ذلك، ثم عاد عليه حتى أغضبه فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه، فقال الرجل. أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس» أقول: يفهم من هذه القصة أن ابن عباس يرى أن السلب الذي يعطى للمقاتل المجاهد هو فرس القتيل وسلاحه فقط، وهي قضية خلافية كما رأينا: والشافعية يرون أن السلب للقاتل ولو لم يشترطه الإمام، والحنفية لا يرون ذلك إلا إذا قاله القائد للجندي أو أعلن عنه.

4 -

وبمناسبة قوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ يذكر ابن كثير حديثا رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟

فقال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى: اعط أخاك مظلمته. قال: يا رب لم يبق من حسناتي شئ، قال: رب فليحمل عني من أوزاري» قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: «إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ. لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه، قال رب ومن يملك ثمنه؟ قال:

أنت تملكه، قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله تعالى: خذ بيد أخيك، فأدخله الجنة» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة.

5 -

هناك خلاف لفظي حول زيادة الإيمان ونقصه، وإنما قلنا لفظي لأنه ما من أحد يشك أن عدم الجزم بالإيمان كفر، ولا أحد يشك أن المشاعر الإيمانية تزيد وتنقص، وهناك خلاف كذلك حول جواز أن يقول الإنسان أنا مؤمن إن شاء الله، ولا شك كذلك أن الخلاف حولها لفظي إذ الجميع متفقون على أن التردد في الإيمان كفر، ولا أحد يستطيع الجزم بأنه من أهل الجنة أو أهل النار إلا بإخبار قطعي عن الله ورسوله،

ص: 2119

وبمناسبة قوله تعالى وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً قال ابن كثير- وهو شافعي-: (وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد).

وقال النسفي وهو حنفي: (وعن الحسن رحمه الله أن رجلا سأله أمؤمن أنت؟ قال إن كنت تسألني عن الإيمان بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، والجنة، والنار، والبعث، والحساب، فأنا مؤمن. وإن كنت تسألني عن قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الآية فلا أدري أنا منهم أم لا. وعن الثوري: من زعم أنه مؤمن بالله حقا ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية. أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا فلا يقطع بأنه مؤمن حقا، وبهذا يتشبث من يقول أنا مؤمن إن شاء الله، وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يقول ذلك. وقال لقتادة لم تستثني في إيمانك؟ قال اتباعا لإبراهيم في قوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. فقال هلا اقتديت به في قوله أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وعن إبراهيم التيمي: قل أنا مؤمن حقا فإن صدقت أثبت عليه، وإن كذبت فكفرك أشد من كذبك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا. وقد احتج عبد الله على أحمد فقال: أيش اسمك؟ فقال: أحمد، فقال: أتقول أنا أحمد حقا؟ أو أنا أحمد إن شاء الله؟ فقال: أنا أحمد حقا. فقال: حيث سماك والداك لا تستثني وقد سماك الله في القرآن مؤمنا تستثني!).

ومن خلال هذين النقلين نعرف وجهة نظر المتجادلين في القضيتين اللتين ذكرناهما.

6 -

وبمناسبة قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا يذكر ابن كثير حديثا رواه الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أصبحت يا حارث؟» قال أصبحت مؤمنا حقا. قال: «انظر ما تقول فإن لكل شئ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني انظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني انظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال:«يا حارث عرفت فالزم» ثلاثا.

7 -

وبمناسبة قوله تعالى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال ابن كثير: وقال الضحاك في قوله لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد،

ص: 2120