الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هو خير منهم الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فنالوا شرف الدنيا والآخرة وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ في الدنيا والآخرة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بكل مطلوب
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ نسأل الله ألا يحرمنا إياها وأن يجعلنا منها في الفردوس الأعلى. وهكذا وصفت هذه المجموعة من الآيات حال هؤلاء المنافقين في تخلفهم عن الجهاد، وما ينبغي أن يقابلوا به، وما هو حال الإيمان في مباشرة الجهاد.
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا نذكر بالحديث الذي رواه الإمام مالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي توقدونها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» فقالوا: يا رسول الله: إن كانت لكافية؟ فقال: «فضلت عليها بتسعة وستين جزءا» أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك به. ونذكر بالحديث الذي أخرجاه في الصحيحين عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن لا نعلان
وشراكان من نار جهنم يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل، لا يرى أن أحدا من أهل النار أشد عذابا منه، وإنه أهونهم عذابا» أخرجاه في الصحيحين.
2 -
في سبب نزول قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً روى البخاري عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصا يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيرني الله فقال اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وسأزيده على السبعين» . قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل آية وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ وكذا رواه مسلم.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي، دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه، تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله
بن أبي، القائل يوم كذا، كذا وكذا- يعدد أيامه- قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال «أخر عني يا عمر» إني خيرت فاخترت، قد قيل لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ الآية، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت» قال: ثم صلى عليه، ومشى معه، وقام على قبره، حتى فرغ منه، قال: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم،- والله ورسوله أعلم- قال فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً الآية. فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله عز وجل. وهكذا رواه الترمذي في التفسير وقال: حسن صحيح.
3 -
بعد نزول قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على أحد من المنافقين، ولا يقوم على قبره، كما روى الإمام أحمد عن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثني عليها خيرا قام فصلى عليها، وإن كان غير ذلك قال لأهلها:«شأنكم بها» ولم يصل عليها، وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله، حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان، لأنه كان يعلم أعيان المنافقين، قد أخبره بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان يقال له صاحب السر الذي لا يعلمه غيره- أي من الصحابة-.
4 -
دل نهيه جل جلاله عن الصلاة على المنافقين، والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، أن هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين، كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان» قيل: وما القيراطان؟ قال:
«أصغرهما مثل أحد» . وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات، فروى أبو داود
…
عن عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» انفرد بإخراجه أبو داود رحمه الله.
5 -
علينا أن ننتبه جيدا في عصرنا إلى موضوع الصلاة، والاستغفار للمنافقين- إذ في عصرنا كثر النفاق وليس لنا دليل عليه- إلا أن نتفهم النصوص في شأنهم، فنعرفهم من خلال صفاتهم، وأقوالهم، ومن النفاق الصريح ادعاء الإسلام مع الانخراط في كل تكتل غير مسلم، وإعطاء الولاء لأهله على أساس غير الإسلام، إلا بتكليف من أهل الإسلام والعاملين له.
ثم تأتي الآن مجموعة ثالثة تحدد مسألة العذر عن النفير، متى تصح ومتى لا تصح وخلال ذلك نتعرف على طبيعة النفاق وصفات المنافقين:
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ المعذر هو المقصر في الأمر المتواني عنه، الذي يوهم أن له عذرا فيما فعل، ولا عذر له، أو المعتذر، والمراد هنا الاعتذار بالباطل لِيُؤْذَنَ لَهُمْ أي في ترك الجهاد والقعود وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ هم منافقو الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا، فظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان، فالمتخلفون ثلاثة: متخلف بعذر، ومتخلف بغير عذر ولكن يستأذن، ومتخلف بغير عذر ولا يستأذن أصلا، فهذا شرهم سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من هؤلاء المتخلفين غير المعتذرين والمستأذنين غير المعذورين عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم في الدنيا وفي الآخرة،
ثم بين الله تعالى من هم المتخلفون بحق وهم معذورون عند الله بل مأجورون على نياتهم فقال لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ أي الهرمى والزمنى وَلا عَلَى الْمَرْضى فهذا النوع الثاني المقبول العذر وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ أي هم الفقراء الذين لا يستطيعون الجهاز حَرَجٌ أي إثم وضيق إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بأن آمنوا في السر والعلن وأطاعوا، كما يفعل الناصح بصاحبه ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي لا جناح عليهم ولا طريق للعتاب عليهم وَاللَّهُ غَفُورٌ يغفر لمن تخلف بعذر رَحِيمٌ بمن يستحق رحمته
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ أي لتعطيهم حمولة ليشاركوا في الجهاد قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فهؤلاء كذلك معذورون إن كانوا صادقين كما وصفهم الله تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ تسيل حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ فهم يتخلفون وقلوبهم تفيض أسى على التخلف، على خلاف المنافقين، يتخلفون وقلوبهم فرحة لتخلفهم، فهذه الأصناف الأربعة لا حرج عليها، ولا إثم في تخلفها واستئذانها، وهؤلاء هم أصحاب الأعذار الحقيقية، وقد بدأ الله بالأعذار الملازمة للشخص التي لا تنفك عنه، وهي الضعف في التركيب الذي لا يستطيع صاحبه معه الجهاد، ومنه العمى، والعرج، ونحوهما، ثم ثنى بما هو عارض كالمرض الطارئ، ثم ثلث بالعجز الحكمي بسبب الفقر الذاتي، أو ضيق ذات يد الإمام، فلا يقدر على تجهيز من يريد الجهاز.
ثم بين الله من لا يعذر بحال ممن ليس من هؤلاء إِنَّمَا السَّبِيلُ أي الإثم واستحقاق آثاره من عقوبات دنيوية وأخروية عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أي في
التخلف وَهُمْ أَغْنِياءُ فليسوا ضعفاء ولا مرضى رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ أي رضوا بالانتظام في جملة الخوالف أي: النساء جمع خالفة وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ العلم النافع المؤدي إلى جنات النعيم
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزوكم وحربكم، محاولين أن يقيموا لأنفسهم عذرا باطلا قُلْ لا تَعْتَذِرُوا بالباطل لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ أي لن نصدقكم، فلا فائدة لكم في اعتذاركم إذ غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، ثم بين سبب عدم تصديقهم قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ هذه هي علة انتفاء تصديقهم أنه تعالى أوحى إلى رسوله بأخبارهم وما في ضمائرهم، فكيف يعقل بعد ذلك تصديقهم في معاذيرهم وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ أتتوبون أم تثبتون على كفركم وعملكم الكافر ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي تردون إليه وهو عالم كل سر وعلانية فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم على حسب ذلك
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ أي رجعتم لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ أي لتتركوهم ولا توبخوهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ أي فاتركوهم وأهملوهم، ثم علل سبب الأمر بذلك بقوله إِنَّهُمْ رِجْسٌ فلا تنفعهم موعظة ولا يصلحهم شئ، لأنهم أنجاس لا سبيل إلى تطهيرهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي ومصيرهم النار أي وكفتهم النار عقوبة جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي يجزون بالنار جزاء كسبهم
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ أي هذا هو هدفهم الحقيقي بالحلف، طلب رضاكم لئلا تتضرر بغضبكم دنياهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أي إن رضاكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها، وإنما قيل ذلك لئلا يتوهم أن رضى المؤمنين يقتضي رضا الله عنهم، ولما كان المتخلفون من الأعراب بغير عذر قسمين، قسما اعتذر وقسما لم يكلف نفسه حتى عناء الاعتذار، فإن الله تعالى في هذا السياق أعطانا التصور الصحيح عن الأعراب خاصة وأن كثيرين من الناس قد يتوهمون أن أهل البادية أكثر صفاء ونقاء، وأجود استعدادا، فجاءت الآيات تبين أن هذا يصدق على القليل منهم
الْأَعْرابُ أي أهل البدو أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً أي من أهل الحضر، لجفائهم وقسوتهم وبعدهم عن مجالس العلم وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا أي وأحق بألا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ يعني حدود الدين، وما أنزل الله من الشرائع والأحكام وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالهم حَكِيمٌ في إمهالهم
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ أي ما يتصدق به مَغْرَماً أي غرامة وخسرانا، لأنه لا يدفع زكاته ولا