الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ لهم مراد، ولله مراد، ومراد الله هو النافذ، وفي الآية تهييج للمؤمنين على قتالهم وبشارة للمؤمنين بالنتيجة، ومن عرف التاريخ والمحاولات الكثيرة المتجددة من قبل أهل الكتاب سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإنهاء الإسلام، ومن عرف مقدار ما تنفقه المؤسسات التبشيرية للكيد للإسلام،
ثم رأى بقاء الإسلام وانتصاره في النهاية في كل معركة أدرك معنى الآية عمليا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ أي محمدا عليه الصلاة والسلام بِالْهُدى أي بالقرآن والسنة وَدِينِ الْحَقِّ أي بالإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي ليعليه على أهل الأديان كلها، أو ليظهر دين الحق على كل دين وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ هذا الظهور وهذه الغلبة ولكن الله أقوى.
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ .. ننقل هذه النقول: روى الإمام أحمد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك، إلا أهل العهد وخدمهم» . وروى الإمام أبو عمرو الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع نهيه قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ وقال عطاء: الحرم كله مسجد لقوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما ورد في الصحيح: «المؤمن لا ينجس» وهل نجاسة المشرك حسية أو معنوية؟ الجمهور أنها نجاسة معنوية، وليست نجاسة حسية فهو ليس بنجس البدن والذات بدليل أن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب.
2 -
وبمناسبة قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قال ابن كثير: (وهذه الآية الكريمة أول أمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما استقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين: اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا (أي جاءوا أجمعين) معه،
واجتمع المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك في عام جدب، ووقت قيظ وحر، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم،
فبلغ تبوك، فنزل بها، وأقام بها قريبا من عشرين يوما، ثم استخار الله في الرجوع فرجع عامه ذلك؛ لضيق الحال وضعف الناس كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله تعالى.
وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، أو من أشبههم كالمجوس، كما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه، وقال أبو حنيفة رحمه الله: بل تؤخذ من جميع الأعاجم، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين، ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب. وقال الإمام مالك: بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك).
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ قال ابن كثير: فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: «كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا؛ إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة، ولا قلاية ولا صومعة راهب. ولا نجدد ما خرب منها، ولا نحيي منها ما كان خططا للمسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا، ولا نكتم غشا للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا، ولا ندعو إليه أحدا، ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم، في قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكنى بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئا من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا
بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقاديم رءوسنا، وأن نلزم زينا حيث كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شئ من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شئ من حضرة المسلمين، ولا نخرج شعانين ولا بعوثا، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم. قال:
فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه: ولا نضرب أحدا من المسلمين، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شئ مما شرطناه لكم، ووظفنا (أي ألزمنا) على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق».
أقول: إن كل العهود التي كانت بيننا وبين أهل الذمة في الماضي أصبحت لاغية الآن ولا بد من حركة لوضع الأمور في مواضعها، والذي نؤثره في هذا الباب أن نكتفي من أهل الذمة بأقل ما تم بين بعضهم وبين المسلمين من عهود كضرورة من ضرورات العصر. هذا الحد الأدنى من قبله منهم كان بالإمكان أن نعطيه أمنا وأمانا، ومن لم يقبله فلا عهد بيننا وبينه، وقبل أن أذكر رأيي في الحد الأدنى أحب أن أقول شيئا:
إن أعداء الله ركزوا كثيرا على موضوع الجزية وقد تحدثنا في كتابنا الإسلام عن هذا الموضوع، وذكرنا هناك أن الجزية من أعظم مظاهر العدل الإسلامى، فهي في مقابل عدم تكليف غير المسلمين بالقتال، لأن القتال عندنا فريضة دينية، فمن العدل ألا نكلف بتكاليف ديننا غيرنا، وقد حدث خلال العصور أن من رضي أن يقاتل مع المسلمين أسقطت الجزية عنه، فإذا استقر هذا تكون الجزية رمزا على شيئين. أولها:
هي بدل خدمة عسكرية. وثانيها: هي رمز على قبول الخضوع لسلطان المسلمين فإذا استقر هذا نقول: إن الحد الأدنى الذي عليه تكون المفاصلة بيننا وبين غير المسلمين على أرضنا هو:
1 -
القبول بأن يكون دين الدولة الإسلام.
2 -
أن يقبلوا أن تكون السلطة بيد المسلمين.
3 -
أن يدفعوا بدل الخدمة العسكرية، وأن يكون للمسلمين الحق في قبول أو رفض