الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه البشائر طريق تحقيقها الجهاد، والبشارة القرآنية جاءت في معرض الأمر في القتال.
ولنعد إلى التفسير الحرفي:
لقد مر معنا في المقطع الثالث، أمر بقتال أهل الكتاب، كما مر معنا في المقطع الأول أمر بقتال المشركين، وذكر فيما بين المقطعين مقطع حدد معاني لا بد منها ليقوم القتال الإسلامي. ونحن لا زلنا في المقطع الثالث:
لقد مرت الفقرة الأولى منه، وفيها مظاهر من انحراف أهل الكتاب التي استوجبت قتالهم، وتأتي بعد ذلك فقرة وفيها نموذج على ضلال أهل الكتاب، ونموذج على ضلال مشركي العرب، وفي ذكر هذين النموذجين بيان لموجبات أخرى تستوجب قتال هؤلاء وهؤلاء، وفي ذلك بعث لهمم المسلمين أن يقاتلوا المشركين وأهل الكتاب.
المعنى الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثالث:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ أي ليأخذونها عن غير طريق ما أحل الله وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ويمنعون الناس عن سلوك طريق الله أي عن دينه الحق وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يحتمل هذا النص أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين ذميمتين فيهم: أخذ الرشا، وكنز الأموال، والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير، ومن أشركهم في صفتهم الذميمة هذه من المسلمين، يدخل في حكمهم، ويحتمل أن يراد بالنص المسلمون الكانزون غير المنفقين، وقد قرن بينهم وبين المرتشين من أهل الكتاب تغليظا، والمراد بالكنز هنا على القول الراجح هو ما لم يؤد زكاته كما سنرى وَلا يُنْفِقُونَها أي هذه الكنوز والأموال فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيما شرع وكما أمر فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وأي عذاب أشد من النار
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ أي يوم تحمى النار على الكنوز أي توقد فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وخصت هذه الأعضاء لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهروهم، أو معناه يكوون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أي يقال لهم: أهذا ما كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم؟ وهو توبيخ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي فذوقوا وبال المال
الذي كنتم تكنزونه أو وبال
كونكم كانزين
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً من غير زيادة والمراد بيان أن أحكام الشرع تبتنى على الشهور القمرية المحسوبة بالأهلة دون الشمسية فِي كِتابِ اللَّهِ أي فيما أثبته وأوجبه من حكمه أو في اللوح يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثلاثة سرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي الدين المستقيم لا ما يفعله أهل الجاهلية، يعنى أن تحريم الأربعة الأشهر هو الدين المستقيم، ودين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب تمسكت به، فكانوا يعظمونها ويحرمون القتال فيها حتى أحدثت النسئ فغيروا فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أي فلا تظلموا في الأشهر الحرم أو في مجموع الأشهر أنفسكم بارتكاب المعاصي وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أي جميعا كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً أي جميعا وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ينصرهم ويعينهم، حثهم على التقوى، وضمن لهم النصرة إن كانوا من أهل التقوى. وقد جاء الأمر بالقتال في معرض ذكر تحريم الأشهر الحرم؛ للدلالة على أن الله الذي حرم الأشهر الحرم هو الذي فرض على المسلمين قتال المشركين فيهن وفي غيرهن، فلا تقوم للمشركين حجة بالاحتجاج على المسلمين في القتال بالأشهر الحرم، كما فعلوا فيما قصه الله علينا من ذلك في سورة البقرة بعد آية فرضية القتال، وليقيم عليهم الله جل جلاله الحجة في كذبهم في تعظيم الأشهر الحرم، قص علينا قصة النسئ عندهم مما يدل على تلاعبهم في الأشهر الحرم، فأي تعظيم لهذه الأشهر مع هذا التلاعب
إِنَّمَا النَّسِيءُ النسئ عندهم هو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر، حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من بين شهور العام أربعة أشهر زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ أي هذا الفعل منهم زيادة في كفرهم يُضَلُّ بِهِ أي بالنسئ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً أي يحلون النسئ عاما، ويحرمونه عاما، أي إذا أحلوا شهرا من الأشهر عاما رجعوا فحرموه في العام المقبل لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ أي فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص- كما أمر الله- ما حرم الله من ترك الاختصاص زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ أي زين لهم الشيطان ذلك فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ حال اختيارهم الثبات على الباطل. وهكذا ذكر في هذه