المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمة في محل السورتين ضمن السياق القرآني العام - الأساس في التفسير - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة في آفاق الوحدة القرآنية بين يدي المجلد الرابع

- ‌سورة الأعراف

- ‌كلمة في سورة الأعراف ومحلها في السياق القرآني ومحورها:

- ‌ نقول

- ‌كلمة في أقسام سورة الأعراف ومقاطعها

- ‌[القسم الاول]

- ‌مقدمة السورة

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الأول:

- ‌«الفقرة الأولى»

- ‌المعنى العام للمقطع:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الأولى:

- ‌نقول وفصول:

- ‌فصل: في مظاهر من الكبر:

- ‌فصل: في التواضع:

- ‌فصل: في مناقشة التطوريين:

- ‌فصل: في حكمة إنظار إبليس:

- ‌فصل: في تعقيبات على قصة آدم:

- ‌فوائد:

- ‌[الفقرة الثانية]

- ‌المجموعة الأولى

- ‌يقول صاحب الظلال:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تعليقات:

- ‌كلمة فى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سياق المجموعة:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الثالثة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌[القسم الثاني]

- ‌ المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌نقول:

- ‌فائدة:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌بين يدي الكلام عن المقاطع الثلاثة الآتية بالسورة

- ‌ المقطع الثاني من القسم الثاني:

- ‌تلخيص لمعاني المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ملاحظات على هذه النقول:

- ‌المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المعنى العام:

- ‌ المعنى الحرفي

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد حول الآية:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد حول المقطع:

- ‌نظرة في كتاب العهد القديم فيما يخص المقطع:

- ‌في الإصحاح الرابع والعشرين في سفر الخروج:

- ‌فصل: في البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الرابع في القسم الثاني

- ‌كلمة في سياق المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثالث من سورة الأعراف

- ‌استعراض لمعاني القسم:

- ‌المعنى العام للقسم:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌نقول:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سياق هذا القسم:

- ‌كلمة في سورة الأعراف:

- ‌سورتا الأنفال وبراءة

- ‌كلمة في محل السورتين ضمن السياق القرآني العام

- ‌سورة الأنفال

- ‌[القسم الاول]

- ‌مقدمة السورة

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الأول من القسم الأول

- ‌ المعني العام

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى السياق

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثاني من القسم الأول:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌قال الجصاص عند قوله تعالى:

- ‌فوائد

- ‌ولنعد إلى التفسير الحرفي:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ القسم الثاني

- ‌ المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي للمجموعة الأولى:

- ‌فوائد:

- ‌المعنى الحرفى للمجموعة الثانية:

- ‌فائدة:

- ‌المعنى الحرفي للمجموعة الثالثة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌قضيتان مهمتان:

- ‌ المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌كلمة في هذا المقطع

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الأولى:

- ‌كلمة في آيات القتال:

- ‌فوائد

- ‌كلمة في السياق:

- ‌التفسير الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثاني من القسم الثاني:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ خاتمة سورة الأنفال

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سورة الأنفال:

- ‌سورة التوبة

- ‌كلمة في سورة التوبة:

- ‌القسم الأول

- ‌بين يدي هذا القسم:

- ‌المعنى العام:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌المعنى الحرفي للمقطع الأول:

- ‌فوائد:

- ‌ولننتقل الآن إلى التفسير الحرفي للمقطع الثاني:

- ‌فوائد:

- ‌المعنى الحرفي للمقطع الثالث:

- ‌[الفقرة الأولى]

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌قال الألوسي:

- ‌المعنى الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثالث:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثاني من سورة براءة

- ‌المقطع الأول

- ‌المعنى العام:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ التفسير الحرفي

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد

- ‌فائدة:

- ‌ الفوائد

- ‌فوائد:

- ‌المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فصل: في الكينونة مع الصادقين:

- ‌المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة بين يدي هذا المقطع:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌القسم الثالث والأخير

- ‌كلمة في هذه الآيات:

- ‌المعنى العام:

- ‌المعنى الحرفي:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة في أواخر سورة براءة

- ‌كلمة في سورتي الأنفال وبراءة

- ‌كلمة حول القسم الأول من أقسام القرآن:

- ‌ملاحظات حول هذا القسم:- ملاحظات للمربين

الفصل: ‌كلمة في محل السورتين ضمن السياق القرآني العام

‌كلمة في محل السورتين ضمن السياق القرآني العام

تحدث الألوسي عن وجه مناسبة سورة الأنفال للأعراف فقال: «ووجه مناسبتها لسورة الأعراف أن فيها «وأمر بالعرف» وفي هذه كثير من أفراد المأمور به، وفي تلك ذكر قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، وفي هذه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ما جرى بينه وبين قومه، وقد فصل سبحانه وتعالى في تلك قصص آل فرعون وأضرابهم وما حل بهم، وأجمل في هذه ذلك فقال سبحانه وتعالى كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ وأشار هناك إلى سوء زعم الكفرة في القرآن بقوله تعالى وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها وصرح سبحانه وتعالى بذلك هنا بقوله جل وعلا وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وبين جل شأنه فيما تقدم أن القرآن هدى ورحمة لقوم يؤمنون، وأردف سبحانه وتعالى ذلك بالأمر بالاستماع له، والأمر بذكره تعالى، وهنا بين جل وعلا حال المؤمنين عند تلاوته، وحالهم إذا ذكر الله تبارك اسمه بقوله عزّ من قائل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إلى غير ذلك من المناسبات، والظاهر أن وضعها هنا توقيفي وكذا وضع براءة بعدها وهما من هذه الحيثية كسائر السور وإلى ذلك ذهب غير واحد كما مر في المقدمات).

وتحدث الألوسي كذلك عن وجه مناسبة سورة [براءة] للأنفال فقال: (ووجه مناسبتها للأنفال أن في الأولى قسمة الغنائم وجعل خمسها لخمسة أصناف- على ما علمت- وفي هذه قسمة الصدقات وجعلها لثمانية أصناف- على ما ستعلم إن شاء الله تعالى- وفي الأولى أيضا ذكر العهود، وهنا نبذها، وأنه تعالى أمر في الأولى بالإعداد فقال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ونعى هنا على المنافقين عدم الإعداد بقوله عز وجل: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً. وأنه سبحانه ختم الأولى بإيجاب أن يوالي المؤمنين بعضهم بعضا، وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكلية، وصرح جل شأنه في هذه بهذا المعنى بقوله تبارك وتعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الخ إلى غير ذلك من وجوه المناسبة).

وقال الألوسي: في الأنفال وبراءة: «وعن قتادة، وغيره أنها (سورة التوبة) مع الأنفال سورة واحدة ولهذا لم تكتب بينهما البسملة وقيل: في وجه عدم كتابتها أن

ص: 2097

الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في كونها سورة أو بعض سورة، ففصلوا بينها وبين الأنفال رعاية لمن يقول هما سورتان، ولم يكتبوا البسملة رعاية لمن يقول هما سورة واحدة، والحق أنهما سورتان إلا أنهم لم يكتبوا البسملة بينهما لما رواه أبو الشيخ. وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي كرم الله وجهه من أن البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، ومثله عن محمد بن الحنفية وسفيان بن عيينة، ومرجع ذلك إلى أنها لم تنزل في هذه السورة كأخواتها لما ذكر، ويؤيد القول بالاستقلال تسميتها بما مر.»

أقول: إن الأنفال وبراءة سورتان ولكنهما في حكم السورة الواحدة، فالأنفال تفصيل لفرضية القتال وما يحيط به، والثانية هي منشور القتال في الإسلام.

فبعد إذ تستقر أحكام القتال ولوازمه وأسبابه وما يترتب عليه وما يحتاجه في سورة الأنفال، تأتي سورة التوبة وكأنها منشور مبني علي ذلك.

وقد لاحظنا من خلال كلام الألوسي عن وجه مناسبة سورة الأنفال والأعراف، وعن وجه سورة براءة للأنفال أنه نظر إلى الصلة بين السور من خلال ما عبر عنه في عصرنا بالوحدة الموضوعية للقرآن، فقد رأى أن مواضيع طرقتها السورة السابقة أكملتها السورة اللاحقة. ونحن نضيف إلى ذلك ما له صلة بما فتح الله به من نظريتنا في الوحدة القرآنية.

فنقول عارضين الأمر من بدايته:

رأينا أن سورة آل عمران كانت تفصيلا لمقدمة سورة البقرة. أي للعشرين آية الأولى فيها، وأن سور: النساء والمائدة والأنعام كانت تفصيلا للتسع الآيات التالية. وأن سورة الأعراف كانت تفصيلا للقاعدة التي استقرت عليها قصة آدم التي جاءت في سورة البقرة بعد الآيات التسع السابقة، ثم نجد في سورتي الأنفال وبراءة تفصيلا لموضوع طرقته سورة البقرة في آياتها (216) - (217) - (218). فكأن ما بين ذلك كان تفصيلا يقتضيه سياق سورة البقرة، وكأنه امتداد لمعاني الآيات التي جاءت من

قبل، ففصلت في السور السابقة، ولم تعد تحتاج إلى تفصيل في القسم الأول من أقسام القرآن، ومثل ذلك الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات الثلاث، ولذلك فبانتهاء سورتي الأنفال وبراءة يأتي القسم الثاني من أقسام القرآن ليفصل ما أجمل في سورة البقرة تفصيلا جديدا، على نفس النسق والتسلسل الوارد في سورة البقرة، مما يدل على

ص: 2098

أن ما يأتي ثانيا مبني على ما جاء أولا، وما يأتي ثالثا مبني على ما ورد ثانيا، كما يدل على أهمية التفصيل المتجدد والجديد. والمهم أن نعرف هنا أن التفصيل الأول لسورة البقرة يتم بانتهاء سورتي الأنفال وبراءة.

في عصرنا هذا تعتمد الدول ذات العقائد الخاصة نظرية غسيل المخ، وتعتمد وسائل التربية ومدارسها فكرة الإجمال، ثم التفصيل، وتقديم البدهيات على غيرها، والتدرج في التربية والتعليم، وكلها معان أوصلت إليها التجربة والاستقراء، فإن تجد القرآن يصنع النفس البشرية بالحق، من خلال البناء المتدرج تدرك شيئا من عظمة هذا القرآن، وشيئا من كماله وإعجازه.

في الدول الديكتاتورية ذات العقائد الخاصة تقوم عملية غسيل المخ على وضع الإنسان أو الشعب في ظروف صعبة تجعل عنده استعدادا لتقبل ما يلقى إليه، ثم تبدأ عملية الإلقاء المتكرر المتجدد، حتى تصاغ نفسية الفرد أو الشعب بالشكل الذي يريده الحاكم، وفي نظم التربية المعاصرة ينقل الإنسان من طور إلى طور أوسع منه حتى يكمل وفي الصورة الأولى تجد باطلا بربى عليه الإنسان، وفي الصورة الثانية نجد خطأ أو قصورا في تربية الإنسان، والقرآن وضع الإنسان في الظرف الذي ينبغي أن يكون فيه، ظرف العبودية لله، ثم أجمل وفصل وعرض الموضوع الواحد على طرائق شتى من العرض، وكرر الموضوع الواحد بشكل متجدد، وكل ذلك بما لا يشبه شيئا مما ألفه الناس وعرفوه، وكل ذلك بمستوى رفيع من البيان والإحاطة، فإذا ما وسع هذا القرآن مع هذا كل شئ. وإذا كان كل شئ فيه حقا، فإن هذا كله يدلنا على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون كما هو عليه إلا إذا كان منزله رب السموات والأرض ومن فيهن.

*** إن سورتي الأنفال وبراءة تكملان بعضهما، ومن ثم نلاحظ أنه لم يفصل الصحابة بين السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم. والسورتان موضوعهما القتال والجهاد وما يتعلق به. وسنرى بأكثر من دليل أنهما تفصيل للآيات الثلاثة التي ذكرنا أرقامها من سورة البقرة.

فلنر الآيات الثلاثة:

ص: 2099

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فههنا أمر بالقتال وإعلام بفرضيته وسؤال عن حالة من حالاته، ثم تقرير لما يرجو أهله من مغفرة الله ورحمته.

الآية الأولى: كُتِبَ ....

الآية الثانية: يَسْئَلُونَكَ

الآية الثالثة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا

ولا شك أن فرضية القتال ترتبط بها موضوعات متعددة، منها النفسي، ومنها المادي، ومنها غير ذلك، ومن ثم نلاحظ أن سورة الأنفال تبدأ ب يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

تبدأ بنفس الكلمة التي صدرت بها الآية التي جاءت بعد آية القتال مباشرة من سورة البقرة، ثم تستمر سورة الأنفال في تفصيل قضايا متعلقة بالقتال، ثم تأتي سورة براءة في نفس الاتجاه، وعلى نفس المحور، فهما تفصيل لهذا الجزء من سورة البقرة، ولكنه ليس تفصيل المناطقة، ولا تفصيل القانونيين، ولا تفصيل الشعراء، وإنما تفصيل العليم الخبير المحيط علما بكل شئ، يفصل ما يحتاج إلى تفصيل بما يستوعب التربية والتشريع والتعليم، وحالات النفس وحاجاتها، وغير ذلك، مما لا يحيط به إلا الله.

وسنحاول أثناء عرض السورتين أن نبرهن على أن السورتين تفصيل للآيات الثلاثة التي ذكرناها ولكنا هنا نكتفي بإشارات سريعة:

أول الآيات الثلاث هي قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وبعد مقدمة سورة الأنفال مباشرة يأتي قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ

ص: 2100

بِالْحَقِّ .. وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ لاحظ الصلة بين قوله تعالى وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وبين قوله تعالى وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.

ويأتي في الآيات الثلاث قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وفي وسط سورة الأنفال يأتي قوله تعالى. وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ لاحظ كلمة الفتنة في الآيتين ثم إن الآية الثانية تبدأ بكلمة «يسألونك» وسورة الأنفال تبدأ بكلمة «يسألونك» .

وثالث الآيات في سورة البقرة هي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وآخر صفحة في سورة الأنفال تبدأ بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا

والآيتان الأخيرتان في السورة هما: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ* وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

ألا ترى أن سورة الأنفال تفصيل للآيات الثلاث بشكل واضح

وبعد أن تفصل سورة الأنفال الآيات الثلاث، وموضوعات القتال وما يحيط به، تأتي سورة براءة كمنشور قتال، وإن على كل مسلم أن يعرف سورة الأنفال لمعرفة فرضية القتال وأن يعرف سورة براءة لاستيعاب منشور القتال

ولإدراك الصلة بين سورة براءة والآيات الثلاث التي ذكرناها يكفي: أن نذكر أن في الآيات الثلاث يرد قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وفي سورة براءة يرد قوله تعالى: ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ وفى الآيات الثلاث يرد قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ وفي سورة براءة يرد قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وفي الآيات الثلاث يرد قوله تعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وفي سورة براءة يرد قوله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

ص: 2101

إن هذه الاختيارات كافية للإشارة إلى ما ذكرنا من كون سورتي الأنفال وبراءة تفصيلا للآيات الثلاث من سورة البقرة، وسيأتي مزيد بيان أثناء عرضنا للسورتين.

إن هذا القرآن يتألف من أربعة أقسام- كما نص على ذلك الحديث- والقسم الأول ينتهي بنهاية سورة براءة، وإن كل سورة جاءت بعد سورة البقرة لها محورها في سورة البقرة، وهي إذ تفصل في هذا المحور، تفصل فيه، وفي امتداداته، وفي ارتباطاته، وهكذا فإن كل سورة من السور السبع التي جاءت بعد سورة البقرة من هذا القسم فصلت في أكثر من المحور، فكأن كل محور جذب إليه المعاني الأكثر لصوقا، ثم جاءت سورة تفصل في ذلك كله، وبهذا الذي قلناه ندرك لم كان تباعد بين محور سورتي الأنفال وبراءة، وبين محور سورة الأعراف، كما ندرك لم لم تأت سورة بعد براءة سور تفصل في محاور أخرى تأتي بعد الآيات الثلاث، وما ذلك- والله أعلم- إلا لأن معاني سورة البقرة قد فصلت التفصيل الأول في سور القسم، لأن كل سورة- كما قلنا- جذبت إلى محورها امتدادات هذا المحور وفصلت فيه

وقد رأينا براهين ذلك، وهذه واحدة لا ينقضي منها العجب في شأن هذا القرآن ولكنها واحدة من كثير، إن قلبا لا يؤمن بهذا القرآن أعمى، وإن قلبا لا ينصت لهذا القرآن غافل، وإن قلبا لا يتدبر معاني هذا القرآن مريض، ولننتقل إلى عرض سورة الأنفال:

***

ص: 2102