الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتكبر في الأرض معناه: التطاول على الخلق والأنفة عن قبول الحق، وحقيقته التكلف للكبرياء التي اختصت بالباري عزت قدرته، ومعنى قوله تعالى يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي يتكبرون غير محقين لأن التكبر للحق وحده. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من الآيات المنزلة عليهم لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أي طريق صلاح الأمر وطريق الهدى لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أي طريقا مع رؤيته أنه رشد وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ أي الضلال يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أي يسيرون فيه ذلِكَ أي الصرف عن آيات الله بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي بسبب تكذيبهم بآيات الله.
وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ غفلة عناد وإعراض لا غفلة سهو وجهل
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا يقبل الله منهم عملا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ وعملهم الذي أحبط كل عمل هو تكذيب الرسل.
فوائد:
1 -
قال بعض السلف «لا ينال العلم حيي ولا مستكبر» وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا. وقال ذو النون: (أبى الله أن يكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن).
2 -
قال السعدي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر. وروى ابن جرير عن أنس قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قال هكذا بأصبعه ووضع النبي إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل.
3 -
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي، قال:«ادعوه» فدعوه، قال:«لم لطمت وجهه؟» قال: يا رسول الله إني مررت باليهودي فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر، قال: فقلت:
وعلى محمد؟ وأخذتني غضبة فلطمته فقال: «لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق. فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي. أم جوزي بصعقة الطور» .
قال ابن كثير (والكلام في قوله عليه السلام: «لا تخيروني على موسى» كالكلام على
قوله «لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى» . قيل من باب التواضع وقيل:
قبل أن يعلم بذلك. وقيل نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب. وقيل على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي، والله أعلم، وقوله «فإن الناس يصعقون يوم القيامة» . الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة يحصل أمر يصعقون منه، والله أعلم به. وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء وتجلى للخلائق الملك الديان، كما صعق موسى من تجلي الرب تبارك وتعالى، ولهذا قال عليه السلام:
«فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» .
4 -
قال ابن كثير: عند قوله تعالى: لَنْ تَرانِي. وقد أشكل حرف «لن» هاهنا على كثير من العلماء لأنها موضوعة لنفي التأبيد، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة، وهذا أضعف الأقوال لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، كما سنوردها عند قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وقوله تعالى إخبارا عن الكفار كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا جمعا بين هذه الآية وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة، وقيل إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد ذهابه إلى الطور مِنْ حُلِيِّهِمْ من الحلي التي كانوا استعاروها من المصريين ليلة هروبهم. قال النسفي: وفيه دليل على أن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها» والمتخذ هو السامري ولكنهم رضوا به. فأسند الفعل إليهم. والحلي جمع حلى وهو اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة .. عِجْلًا جَسَداً أي بدنا كاملا في صفته. لَهُ خُوارٌ. الخوار صوت البقر ويظهر أن صانعه كان متقنا لفن الصياغة. وهذا يدل على تقدم هذا الفن عند المصريين، ثم عجب الله من عقولهم السخيفة حين اتخذوه إلها أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا أي ألم يروا أنه لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل فكيف لا يختارونه على من لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق بما ركز في العقول من الأدلة، وبما أنزل في الكتب اتَّخَذُوهُ أي اتخذوه إلها فأقدموا على هذا المنكر وَكانُوا ظالِمِينَ وأي
ظلم أكبر من الشرك
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أي ولما اشتد ندمهم على عبادة العجل وذلك بعد مجئ موسى. وأصله أن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غما، فتصير يده مسقوطا فيها؛ لأن ما ناله وقع فيها. وقال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس، بما يحصل في اليد ويرى بالعين وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أي وتبينوا ضلالهم كأنهم أبصروه بعيونهم قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أي من المغبونين في الدنيا والآخرة.
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى من الطور إِلى قَوْمِهِ بني إسرائيل غَضْبانَ أَسِفاً أي حزينا، وقيل الأسف أشد الغضب قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي قال بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي، والخطاب إما لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أو لهارون ومن معه من المؤمنين؛ والمعنى على الأول: بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، وعلى الثاني: بئسما خلفتموني حيث لم تكفوا من عبد غير الله.
والمعنى الدقيق: بئس خلافة خلفتموني فيها من بعدي خلافتكم مِنْ بَعْدِي أي من بعد ذهابي أو من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الشركاء عنه، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن عبادة غير الله، ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أي أسبقتم بعبادة العجل أمر ربكم وهو إتياني لكم بالتوراة بعد أربعين ليلة، فبدلا من أن يكون استقبالكم لما آتيكم به وأنتم على أكمل حال تعجلتم أسوأ حال تستقبلون به أمر الله، وقيل أعجلتم أمر ربكم معناها أتركتم أمر ربكم بالتوحيد ولكن مما يشهد للأول أن أصل العجلة طلب الشئ قبل حينه وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ضجرا عند استماعه حديث العجل غضبا لله. وكان في نفسه شديد الحدة، شديد الغضب لله. وكان هارون ألين منه جانبا، ولذلك كان محببا لبني إسرائيل. وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأس أخيه غضبا عليه حيث لم يمنعهم من عبادة العجل يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أي يشده نحوه، وهو أخذ عتاب له لا هوانا عليه قالَ ابْنَ أُمَّ وكان هارون ابن أمه وأبيه، وإنما ذكر الأم لأن ذكرها أدعى إلى العطف إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي أي إني لم آل جهدا في كفهم بالوعظ والإنذار ولكنهم استضعفونني وهموا بقتلي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ أي الذين عبدوا العجل، أي لا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إلي وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي قرينا لهم بغضبك علي، فلما اتضح له عذر أخيه
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي