الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوازِينُهُ أي هم الكفار فإنه لا إيمان لهم ليعتبر معه عمل. فلا يكون في ميزانهم خير فتخف موازينهم فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ أي يجحدون بالآيات الحجج، والظلم بها وضعها في غير موضعها أي جحودها وترك الانقياد لها.
نقول:
وقف صاحب الظلال وقفات كثيرة عند الآيات التي مرت معنا والتي تشكل مقدمة سورة الأعراف، فأطنب وأجاد- رحمه الله وهذه مقتطفات من كلامه عن الآيات، وخاصة عند قوله تعالى كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ..
قال رحمه الله: «كتاب أنزل إليك للإنذار به والتذكير .. كتاب للصدع بما فيه من الحق ولمواجهة الناس بما لا يحبون؛ ولمجابهة عقائد وتقاليد وارتباطات؛ ولمعارضة نظم وأوضاع ومجتمعات. فالحرج في طريقه كثير، والمشقة في الإنذار به قائمة لا يدرك ذلك- إلا من يقف بهذا الكتاب هذا الموقف؛ وإلا من يعاني من الصدع به هذه المعاناة؛ وإلا من يستهدف من التغيير الكامل الشامل في قواعد الحياة البشرية وجذورها، وفي مظاهرها وفروعها، ما كان يستهدفه حامل هذا الكتاب أول مرة- صلى الله عليه وسلم ليواجه به الجاهلية الطاغية في الجزيرة العربية وفي الأرض كلها ..
وهذا الموقف ليس مقصورا على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك، وما كان في الأرض من حولها .. إن الإسلام ليس حادثا تاريخيا، وقع مرة، ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه.
إن الإسلام مواجهة دائمة لهذه البشرية إلى يوم القيامة
…
وهو يواجهها كما واجهها أول مرة، كلما انحرفت هي وارتدت إلى مثل ما كانت فيه أول مرة: إن البشرية تنتكس بين فترة وأخرى وترجع إلى جاهليتها- وهذه هي «الرجعية» البائسة المرذولة- وعندئذ يتقدم الإسلام مرة أخرى ليؤدي دوره في انتشالها من هذه «الرجعية» مرة أخرى كذلك؛ والأخذ بيدها في طريق التقدم والحضارة؛ ويتعرض حامل دعوته والمنذر بكتابه للحرج الذي تعرض له الداعية الأول- صلى الله عليه وسلم وهو يواجه البشرية بغير ما استكانت إليه من الارتكاس في وحل الجاهلية، والغيبوبة في ظلامها الطاغي! ظلام التصورات. وظلام الشهوات. وظلام الطغيان والذل. وظلام
العبودية للهوى الذاتي ولأهواء العبيد أيضا! ويتذوق من يتعرض لمثل هذا الحرج، وهو يتحرك لاستنقاذ البشرية من مستنقع الجاهلية، طعم هذا التوجيه الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم:
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. ويعلم- من طبيعة الواقع- من هم المؤمنون الذين لهم الذكرى، ومن هم غير المؤمنين الذين لهم الإنذار. ويعود هذا القرآن عنده كتابا حيا يتنزل اللحظة في مواجهة واقع يجاهده هو بهذا القرآن جهادا كبيرا ..
والبشرية اليوم فى موقف كهذا الذي كانت فيه يوم جاءها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب، مأمورا من ربه أن ينذر به ويذكر؛ وألا يكون في صدره حرج منه وهو يواجه الجاهلية، ويستهدف تغييرها من الجذور والأعماق ..
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر والسطوح والأعماق».
وقول الله- سبحانه- لرسوله صلى الله عليه وسلم: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ..
يصور حالة واقعية لا يمكن أن يدركها اليوم إلا الذي يعيش في جاهلية وهو يدعو إلى الإسلام، ويعلم أنه إنما يستهدف أمرا هائلا ثقيلا، دونه صعاب جسام .. يستهدف إنشاء عقيدة وتصور، وقيم وموازين، وأوضاع وأحوال مغايرة تمام مغايرة لما هو كائن في دنيا الناس. ويجد من رواسب الجاهلية في النفوس، ومن تصورات الجاهلية في العقول، ومن قيم الجاهلية، ومن ضغوطها في الأوضاع والأعصاب، ما يحس معه أن كلمة الحق التي يحملها، غريبة على البيئة، ثقيلة على النفوس، مستنكرة في القلوب، كلمة ذات تكاليف بقدر ما تعنيه من الانقلاب الكامل لكل ما يعهده الناس في جاهليتهم في التصورات والأفكار، والقيم والموازين، والشرائع والقوانين، والعادات والتقاليد، والأوضاع والارتباطات .. ومن ثم يجد في صدره هذا الحرج من مواجهة الناس بذلك الحق الثقيل الحرج الذي يدعو الله- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يكون في صدره من هذا الكتاب شئ منه، وأن يمضي به ينذر ويذكر، ولا يحفل ما تواجهه كلمة الحق من دهشة واستنكار، ومن مقاومة كذلك وحرب وعناء
.