الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات على هذه النقول:
1 -
لاحظنا في الآيات القرآنية أن الله عز وجل أخذ آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وقد رأينا فيما نقلناه من نصوص سفر الخروج تسليط البرد والجراد، ورأينا هلاك الماشية والزروع والثمار، فهل المراد بالنص القرآني هذا المذكور في سفر الخروج، أو المراد معنى أوسع لم يذكر؟ ليس عندنا نص عن رسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع فالمسألة تحتمل وتحتمل.
2 -
لاحظنا أن الله عز وجل ذكر في القرآن أنه أرسل على فرعون وقومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع وقد رأينا فيما نقلناه موضوع الجراد والضفادع، أما الطوفان فقد رأينا البرد والمطر الكثير الذي لم يسبق أن نزل في مصر فهل هو الطوفان المذكور في القرآن؟ لاحظنا بأن كلام علماء التفسير أن الطوفان هنا يحتمل أن يكون الطاعون، ويحتمل أن يكون الموت، وقد رأينا أنه قد سلط على المصريين موت البكور، والبرد، والمطر، والطاعون، فهل هذه كلها دخلت تحت كلمة الطوفان ويكون المراد بالطوفان معناه اللغوي، وهو كل ما طاف وأحاط، هذا محتمل وعلى هذا الاحتمال تكون آية الظلام- في حالة صحة وقوعها- داخلة في هذا المعنى.
ولاحظنا أن المفسرين مختلفون في تفسير القمل في الآية هل هو صغار الجراد أو هو صغار القراد، وقد لاحظنا أنه قد ذكر في سفر الخروج تسليط البعوض والذباب ولم يذكر سفر الخروج كيف رفع البعوض، ولكنهم ذكروا كيف رفع الذباب فهل الآية واحدة عبروا عنها مرة بلفظ البعوض ومرة بلفظ الذبان، والملاحظ أنه أثناء الكلام عن البعوض قال السفر (وكان البعوض على الناس وعلى البهائم) فهل المراد بالقمل المذكور في القرآن هو البعوض والذبان أو هل المترجمون توسعوا في الترجمة. أو ليس المراد هذا أو هذا، والمراد شئ آخر وكتبة هذه الأسفار أخطئوا في النقل؟ ولولا أن المفسرين المسلمين ذكروا أكثر من معنى لكلمة القمل، ولولا أن اللغة العربية تحتمل، ما توقفنا في تحديد موقف مما ذكره سفر الخروج لأن الخلل واضح في كثير من مواطن هذا السفر وأظهر ما ترى الخلل في الإصحاحات التي نقلناها عند ما يتحدث عن موقف العرافين من الآيات التي يظهرها الله على يد موسى:
فمثلا: أثناء الكلام عن آية الدم يقول الإصحاح السابع: (وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم)، فهل فعلوا مثل آية الدم، أو أنهم عجزوا- كما هو العادة- في
عدم مقابلة السحر للمعجزة؟ وفي الإصحاح الثامن يقول السفر أثناء الكلام عن آية البعوض (وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا) فههنا نجد نفس التعبير السابق مع زيادة (ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا) ولا شك أن منطق المسألة أن يكون المذكور الأخير هو نفسه الذي حدث أولا فلماذا كان التعبير قاصرا؟
لا شك أنه الخلل.
وقد كررنا أكثر من مرة: أننا لا نعطي الثقة لنقلة هذه الأسفار ولا لطريقة وصولها إلينا وبعد هذا الذي نقلناه. نقول: إنه يمكن أن يدخل في تعبير القمل البعوض والذباب.
فهذه ست آيات أو سبع، ثم الضفادع والدم والجراد، فمجموع هذه الآيات التي ذكرت في سفر الخروج قد استوعبها النص القرآني بكلماته القليلة، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن الذي أحاطت كلماته بكل شئ، واستوعبت كل شئ بمثل هذا البيان والتفصيل، وهذا العدد المحدود من الكلمات.
3 -
نحن لم نعتبر ولا نعتبر أن شيئا من كتب أهل الكتاب صالحا لأن يفسر به كتاب الله إلا حيث يحتمل اللفظ القرآني ذلك فعندئذ يستأنس به استئناسا. ومن ثم لم نعتبر كلام سفر الخروج الذي نقلناه مفسرا لكتاب الله؛ والسر في ذلك يعود إلى عدم ثقتنا- كما قلنا- بنقلة هذه الأسفار، ولا بطريقة نقلها، وعدم الثقة هذا دليلنا فيه واضح حتى من هذه الأسفار ولنأت بشيء من هذا الدليل وهو موضوع سنطرقه فيما بعد: إن الأسفار الخمسة الأولى في العهد القديم يسمونها التوراة، والمفروض أن تكون التوراة منقولة نقلا صحيحا ومتواترا، ومميزة عن غيرها، فاقرأ معي هذا النص في آخر صفحة من صفحات هذه التي يسمونها التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر التثنية:(فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفن في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم).
ماذا نستطيع أن نستنتجه من هذا النص؟.
1 -
أن هذا النص ليس من التوراة لأن التوراة نزلت على موسى قبل وفاته فوجود هذا النص يدل حتما على أن هذه الأسفار ليست هي التوراة بل التوراة جزء منها.
2 -
أن هذه الأسفار كتبت بعد أزمان متطاولة إذ كاتبها يقول: (ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، أي يوم؟ اليوم الذي جمع فيه جامع هذه الأسفار أسفاره وحتما
كان ذلك اليوم متأخرا جدا، إذ الجيل الأول المعاصر لموسى ما كان لينسى قبر موسى، ولا مكانه، ولا الجيل الثاني ولا الثالث. فمتى كانت هذه الكتابة لهذه الأسفار؟
حتما بعد المئات الكثيرة من السنين كما سنرى ومن الروايات الشفهية، فكتب هذا شأنها لا تصلح أن تكون حاكمة على الكتاب الذي أنزله الله رب العالمين، العليم بكل شئ، المحيط بكل شئ.
وإذا كان الأمر كذلك فإننا سنحتاط في النقل عنه ونحترس ولولا أن المفسرين القدامى ملئوا كتبهم بما مرجعه كتب أهل الكتاب، والقصاصون زادوا واختلقوا من عند أنفسهم الكثير، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمح لنا بالتحديث عن أهل الكتاب ما تجشمنا مشقة البحث في هذه الكتب ولكنا بين أمرين: إما أن ننقل عن الأصل مباشرة أو نسكت، وسكوننا لا يلغي ما كتبه المفسرون، ورجوعنا إلى الأصل يعرف القارئ على أصل ما نقله المفسرون، نفعل هذا مع التذكير بالقيمة الحقيقية لهذه النقول.
ونحب هنا أن نذكر بأن ما ذكره القرآن هو الحكم الفصل في كل قضية من القضايا التي تحدث عنها في أمر الزمان والمكان والخلق والتاريخ، والاجتماع والسياسة وغير ذلك، فإذا استقر هذا نقول: إن المقطع الذي مر معنا وهو جزء من سورة الأعراف ذات المحور الذي بين فرضية اتباع الهدى المنزل وعاقبة ذلك سلبا أو إيجابيا، هذا المقطع عرض لقصة فرعون مع موسى، وكيف كان موقفه من الهدى المنزل، وعاقبة ذلك بما هو الحكم الفصل في كل قضية تعرض لها والقلب المؤمن والمستضعفون، وحملة الحق، يعطيهم هذا السياق نفحات لا تنتهي، وكون المقطع مرتبطا بمحور السورة وضمن سياقها العام لا يحتاج إلى إيضاح، ولذلك فإننا لا نحتاج أن نقف عند ذلك.
***