الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى العام:
بعد أن استقر معنا في المقطع السابق ضرورة القتال، وأن فيه الخير، وتبينت لنا حكمته من خلال ما حدث في غزوة بدر. بدأ المقطع الثاني بتوجيه الذين آمنوا أولا إلى عدم الفرار من الزحف، وتوعد الفارين من الزحف بغضب الله، ونار جهنم، ولا
يرخص في الفرار إلا في حالتين: الفرار الذي تقتضيه حيلة القتال، والفرار الذي يلتحق به المسلم بفئته وجيشه، ومما يشجع على الثبات، وترك الفرار أن يعلم الإنسان
أن الله هو الفاعل، وأن من سننه أن ينعم على المؤمنين، وأن من سننه أن يوهن كيد الكافرين. فإذا علم المسلم هذا ثبت في القتال ثقة بالله، وانتظارا لموعوده. وقد عرض الله عز وجل هذه المعاني الثلاثة من خلال قصة بدر، إذ بين في آيتين أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر منهم من خير؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه، ومن ذلك ما حدث من رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب يوم بدر، وما كان من آثار ذلك، ومن ذلك قتل المشركين يوم بدر، فإنه ليس بحول المسلمين ولا قوتهم قتلوا أعداءهم مع كثرة عددهم، بل هو الله الذي أظفرهم عليهم ليعرف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته. ثم بشر الله المؤمنين بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل، ومصغر أمرهم، وأنهم إلى تبار ودمار، ولزيادة تمتين الثقة عند المسلمين ليثبتوا، خاطب الله الكافرين مبينا لهم أنهم إن يستنصروا الله ويطلبوا قضاءه وحكمه أن يفصل بينهم وبين أعدائهم المؤمنين فقد حكم الله، بأن نصر المؤمنين وهزم الكافرين. ثم بين للكافرين أنهم إن ينتهوا عن الكفر فإن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة، وأنهم إن عادوا إلى كفرهم وضلالتهم، يعود الله عليهم بالخذلان والهزيمة، وعلى المؤمنين بالنصر. وهذا الخطاب من الله للكافرين في هذا المقام بيان للمؤمنين ألا يؤثر في معنوياتهم دعاء الكافرين الله، فإن الله ليس مع الكافرين بل هو خاذلهم، ولو جمعوا من الجموع ما عسى أن يجمعوا؛ فإن من كان الله معه فلا غالب له، والله مع المؤمنين فهم حزبه وأهله.
ثم يأتي التوجيه الثاني في هذا المقطع، وفيه يأمر الله عز وجل المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، ويزجرهم عن مخالفته، والتشبه بالكافرين المعاندين له، ثم ينهاهم أن يتركوا طاعته، وامتثال أوامره، وترك زواجره، وهم يعلمونها ويسمعونها وتصلهم، ثم نهاهم أن يكونوا كالمنافقين الذين يتظاهرون بالسماع والاستجابة وليسوا كذلك. ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من الناس هم شر الخلق والخليقة؛ لأنهم صم عن سماع الحق، بكم عن فهمه غير عقلاء، فهؤلاء شر البرية لأن كل دابة سواهم مطيعة لله فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا؛ ولذلك عاقبهم الله بصرف قلوبهم وأسماعهم عن
الحق؛ لأنه لا خير فيهم. ولذلك فلم يرزقهم بفهم لأنه تعالى يعلم منهم أنه لو أسمعهم وأفهمهم لتولوا عن الحق قصدا وعنادا. وهذا التوجيه الثاني في هذا المقطع له أهميته الخاصة في موضوع الجهاد والقتال، فقتال المسلمين إنما هو طاعة لله ورسوله. فإذا لم يكن المسلم مطيعا لله ورسوله لم يعد للقتال صفته الإسلامية، والانضباط والطاعة في القتال شرطان رئيسيان لدخول معركة منتصرة، كما رأينا ذلك في عبرة أحد من سورة آل عمران، وهذا شئ يجمع عليه كل عسكريي العالم، فلا جيش ولا قتال إلا بطاعة وانضباط، ومن ثم ركز الله في هذا التوجيه على الطاعة له ولرسوله، وصور الذين لا يسمعون بأنهم شر دواب الأرض، ولم يذكر هنا إلا طاعة الله ورسوله، مع أن طاعة الأمير المسلم في كل قتال ضرورية، لأن المهم هو طاعة الله ورسوله من قبل الجميع، وطاعة المسلمين لأمرائهم جزء من طاعة الله والرسول، عند ما يكون الجميع مطيعين لله والرسول. في التوجيه الأول طالب بالثبات، وفي التوجيه الثاني طالب بالطاعة، وكلاهما ضروري للقتال، ثم يجئ التوجيه الثالث في هذا المقطع، وفيه الأمر للمؤمنين بالاستجابة لله والرسول، لأن الاستجابة لله والرسول فيها حياة هذه الأمة، ومما دعانا إليه الله والرسول وفيه حياتنا: الإسلام والقتال. فلا حياة إلا بإسلام، ولا حياة للإسلام والمسلمين إلا بقتال. ثم أمرهم أن يعلموا أن القلوب بيد الله. وأن المرجع إليه فليحذروا أن يتركوا الاستجابة لله والرسول؛ حذرا من أن يفتنوا؛ وخشية أن يصيبهم العذاب يوم القيامة، ثم يحذر الله عز وجل المؤمنين جميعا أن ينزل بهم فتنة أي: اختبارا ومحنة، يعم بها المسئ وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر الذنب بل يعمهما حيث لم تدفع المعاصي ولم ترفع. وأمرهم أن يعلموا أن الله شديد العقاب.
وهذه المعاني في هذا السياق يفهم منها أنه لا بد من تطبيق الإسلام كله بالاستجابة لله ورسوله، ولا بد من قتال، وإذ لا يكون استجابة ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ولا قتال من أجل الإسلام فإن المسلمين جميعا معرضون لكارثة، ثم يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين أن يتذكروا نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات.
وطالبهم بالشكر فأطاعوه، وامتثلوا جميع ما أمرهم؛ فكافأهم، ومجئ هذه الآية فيه تذكير لهذه الأمة بأن طريقها هو الاستجابة لله والرسول، ففيه القوة، وفيه الرزق والرفاه، فإذا فكرت هذه الأمة في غير هذا فقد انحرفت وهذا حال الناس اليوم، وفي هذا التوجيه ما يشعر بضرورة التجاوب السريع مع الأمر القتالي.