الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكمله نصوص كثيرة: إن هناك حسنات وهناك سيئات، ولقد أعطى الشارع للسيئات أحجاما، كما أعطى للحسنات أحجاما، فالشرك أكبر من الربا، والربا أكبر من الزنى، والتوحيد أعظم من الصلاة، والجهاد أفضل من مجاورة المسجد الحرام وهكذا.
وكثيرا ما يحدث عند بعض المسلمين أن يعطوا لقضية حجما هو أكبر من حجمها، أو هو أصغر من حجمها، وكثيرا ما يفضلون المفضول على الفاضل، وكثيرا ما يعطلون فرائض لصالح نوافل وكثيرا ما يتمسكون بالأقل ويفرطون من أجله في الأكبر، وكثيرا ما يكون استنكارهم لما هو أكبر جرما عند الله، أقل من استنكارهم لما هو أخف جرما، وهذا موضوع يمتحن فيه فقه العالم، ولكن ما أندر الفقيه كل الفقه في عصرنا.
ولننتقل الآن إلى التفسير الحرفي للمقطع الثاني:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ أي أحبابا ونصراء ومطاعين إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ أي إن آثروه واختاروه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ يتول الكافرين منكم فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنفسهم وللمؤمنين ولدين الله وشريعته. وما أكثر هؤلاء في عصرنا، وما أكثر ما غاب معنى الولاء عن أذهان المسلمين علماء وعامة حتى عم الضلال بسبب هذا النوع من الظلم
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ أي أقاربكم وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها أي اكتسبتموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها بفوات وقت بيعها، أو لمقاطعة الكافرين لكم إن لم تتولوهم وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أي تحبونها لطيبها وحسنها أي: إن كانت هذه الأشياء كلها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ وكل من مسلمي عصرنا يدعي أن الله ورسوله أحب إليه من هذه الأشياء كلها، ولكن من من مسلمي عصرنا يستطيع أن يدعي- ولو دعوى- أن الجهاد في سبيل الله أحب إليه من هذه الأشياء كلها. ألا ما أكثر استحقاقنا للعذاب، وقد تهددنا الله به إن لم نكن كذلك فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أي فانتظروا ماذا يحل عليكم من عقابه ونكاله وعذاب عاجل أو عقاب آجل، وقد عوقبنا فهل من توبة وجهاد؟ نرجو لمسلمي عصرنا أن يفيئوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ دلت الآية على أن من لم يكن الله ورسوله أحب إليه مما ذكر، ومن لم يكن الجهاد أحب إليه مما ذكر فهو فاسق، ولا يستحق الهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال النسفي: والآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، إذ لا تجد عند أورع الناس
ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والأموال والحظوظ» وهكذا ذكرت هاتان الآيتان قضيتين رئيسيتين لا بد منهما لإقامة القتال الإسلامي:
1 -
أنه لا ولاء للكافرين. 2 - وأن حب الله ورسوله والجهاد يجب أن يكون في قلب المسلم أكثر من كل شئ، ومن لم يتحقق بهذا وهذا فإن روح الجهاد في قلبه لا بد أن تكون ميتة،
ثم تأتي بعد ذلك القضية الثالثة التي لا بد منها لإقامة القتال الإسلامي وهي: التوكل على الله والاعتماد عليه وحده: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ كوقعة بدر، وقريظة، والنضير، وخيبر، وفتح مكة، ومواطن الحرب: مقاماتها ومواقفها وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حنين: واد بين مكة والطائف، كانت فيه الوقعة بين المسلمين، وكانوا اثني عشر ألفا، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف والتقدير:
واذكروا يوم حنين إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فقال قائلكم لن نغلب اليوم من قلة فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ أي كثرتكم شَيْئاً فهربتم ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليل وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي مع رحبها أي على سعتها أي: لم تجدوا موضعا لفراركم عن أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ أي منهزمين وما ذاك إلا عقوبة لهم على غفلتهم عن أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي رحمته التي سكنوا بها وأمنوا عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها أي الملائكة وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ القتل والأسر، وسبي الذرية والنساء وأخذ الأموال
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ بأن يلهمهم الدخول في الإسلام فيسلموا ويتوب عليهم وَاللَّهُ غَفُورٌ إذ يستر بالإسلام ما سبق من كفر رَحِيمٌ إذ ينصر أولياءه على أعدائه. وبهذا ينتهي المقطع الثاني وقد تقرر فيه:
أن لا ولاء للكافرين، وأن المحبة لله والرسول والجهاد يجب أن تفوق كل محبة، وأن النصر من الله لا بالكثرة، وأن الاعتماد يجب أن يكون على الله لا على عدد وعدة. ولقد جاء هذا المقطع بين مقطعين: كل منهما يأمر بالقتال، المقطع الأول أمر بقتال المشركين، والمقطع الثالث وفيه أوامر بقتال الكافرين من مشركين ويهود ونصارى، فكأن هذا المقطع بين المقطعين يذكرنا بالمعاني التي لا بد منها لإقامة القتال وهي المعاني الثلاثة التي ذكرها المقطع الثاني.