الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي هذا القسم:
يأتي هذا القسم بين يدي القسم الثاني الذي يطالب بالنفير العام للقتال في سبيل الله، ولذلك فهو يقدم المبررات لهذا النفير. كما يضع المرتكزات التي على أساسها يكون الانطلاق، فأهل الكتاب انحرفوا وعلماؤهم فسدوا، والمشركون نجس وهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، والولاء منعدم بين المسلم والكافر، إلى غير ذلك.
المعنى العام:
تبدأ السورة بإعلان براءة الله ورسوله من كل من له عهد مطلق من المشركين، (والمراد بهم مشركو جزيرة العرب) وكل من له عهد دون أربعة أشهر، فهؤلاء وهؤلاء يعطون فرصة أربعة أشهر من تاريخ الإعلان، ثم لا عهد بعد ذلك، وأما من له عهد مؤقت فعهده إلى تأقيته، ما لم يغدر، أو يحس منه الغدر، ومع هذا الإعلان تهديد لهم بانتقام الله منهم، وتهديد لهم بأن الله سيذلهم.
ثم تثني السورة بالأمر بالإعلان في أعظم موسم من مواسم العالم- موسم الحج- وفي أعظم يوم من أيامه- يوم النحر- عن براءة الله ورسوله من كل مشرك، ثم يندب الله المشركين إلى التوبة والإيمان، ويعدهم على ذلك خيري الدنيا والآخرة، ويهددهم إن أصروا على شركهم وكفرهم.
وبهذا استقرت براءة الله ورسوله من المشركين، وبراءة من عهودهم المطلقة، وأعطوا لذلك مهلة أربعة أشهر، أما من له عهد مؤقت فقد ذكر الله بعد ذلك أنه
مستثنى من هذا الإطلاق، وأن له أجله إلى مدته المضروبة له، وذلك بشرط أن لا ينقض المعاهد عهده، ولم يظاهر على المسلمين أحدا، أي بشرط ألا يمالئ عليهم من سواهم، فهذا الذي يوفى له بذمته وعهده إلى مدته، وقد حرض الله تعالى في هذا المقام على الوفاء لهؤلاء بعهودهم.
ثم بين تعالى أنه إذا انقضت هذه الأشهر الأربعة التي أعطاها فرصة للمشركين فحيثما وجد المشركون، فعلينا أن نقتلهم، ثم أمرنا أن نقصدهم بالحصار في معاقلهم، وحصونهم، وأن نترصدهم في طرقهم ومسالكهم؛ حتى نضيق عليهم الواسع، ونضطرهم إلى القتل أو الإسلام، بإعلان التوبة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم بين تعالى: أنه لو أن أحدا من هؤلاء المشركين الذين أمرنا بقتلهم، وأحل لنا استباحة نفوسهم وأموالهم، طلب الأمان، فإن علينا أن نجيبه إلى طلبته حتى يسمع القرآن، ويعلم الإسلام؛ لتقوم عليه حجة الله، ثم بعد ذلك نبلغه مأمنه، وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، وإنما شرع الله أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله،
وتنتشر دعوة الله في عباده.
ثم بين تعالى حكمته في البراءة من المشركين، ونظرته إياهم أربعة أشهر، ثم بعد ذلك القتل أين ما وجدوا، بأنه لا يصح أن يكون لهؤلاء أمان، فيتركوا فيما هم فيه وهم مشركون بالله، كافرون به وبرسوله، واستثنى الله عز وجل من هؤلاء المشركين الذين عاهدونا وعاقدونا عند المسجد الحرام، فهؤلاء مهما تمسكوا بما عاقدونا عليه وعاهدونا فإن علينا أن نفي لهم.
ثم بين الله حكمة أخرى من حكم فريضة قتل المشركين وقتالهم، بعد أن ذكر أنهم لا يستحقون الأمن والأمان؛ لشركهم وكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الحكمة هي أن هؤلاء المشركين لو أنهم ظهروا على المسلمين، وأديلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم قرابة ولا عهدا، بل منتهى ما يقدمونه الكلمة المنافقة، بينما قلوبهم ممتلئة حقدا، وأعمالهم شريرة.
ثم حث الله المسلمين على قتل المشركين بسبب أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور الدنيا الخسيسة، ومنعوا المؤمنين من اتباع الحق بإيذائهم لهم، أمر الله بقتل هؤلاء لإرهاب غيرهم، لقد اجتمع لهم من العمل السيئ ما يوجب قتلهم وقتالهم، فكيف نتردد في قتالهم؟؟ ثم أكد الله استحقاقهم للقتل والقتال بسبب أنهم لا يخافون
الله؛ فلا يبالون أن يؤذوا المؤمنين، غير ملتفتين إلى عهد أو قرابة، أفيتردد المؤمن في قتلهم وقتالهم وهم على هذه الصفة من الاعتداء؟؟ إن هؤلاء ليس أمامهم إلا طريقان:
إما التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أو القتل، فإن أئمة الكفر لا ينتهون عن ما هم فيه إلا بقتل وقتال، ثم هيج الله المؤمنين، وحضهم، وأغراهم على قتال المشركين بتذكيرهم بما فعلوه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما بدءوا المؤمنين فيه من إيذاء وقتال، أفهؤلاء في حقارتهم وحقدهم وكفرهم يستأهلون أن يخشى منهم؟ والمؤمن لا يخشى إلا الله، ثم أمر الله عز وجل بقتالهم أمرا جازما، ووعد المؤمنين إن قاتلوهم أن يعذبهم بأيديهم، وأن يذلهم وأن ينصر المؤمنين عليهم، فتشفى بذلك صدورهم، ويذهب غيظها، وعلينا أن نعلم أن الله عز وجل لم يشرع شيئا إلا على مقتضى العلم والحكمة.
وبهذا استقر القسم على ضرورة القتال للمشركين، وضرورة قتلهم، مع بيان حكمة ذلك وحكمه.
والكلام كله في مشركي العرب، فهؤلاء لا بد من قتلهم واستئصالهم، إنه ليس أمامهم إلا السيف أو الإسلام، ومن كان له عهد مؤقت يوفى له بمدته، ثم يكون حكمه كالآخرين، وقد وعد الله عباده أن ينصرهم، وقد فعل المسلمون ما أمروا به، وقد وفى الله لهم بوعده وعهده، فأذل الشرك وأهله، ونصر الإيمان وحزبه، ولا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله. وكثيرون من الناس يتصورون أن الله لا يكلف إلا بما هو مريح لعباده، وكثيرون من الناس ليس عندهم عزم على الجهاد، ولذلك أنكر الله في هذا السياق على من يتصور أن الله يتركنا مهملين، فلا يختبرنا بأمر يظهر فيه أهل العزم الصادق من الكاذب، وأهل الإيمان الصادق من الكاذب، بالجهاد وترك اتخاذ بطانة دخيلة من غير المؤمنين، فالحاصل أنه تعالى لما شرع الجهاد والقتال، وأمر بقتل المشركين، بين أن له في ذلك حكمة: وهي اختبار عبيده، من يطيعه ممن يعصيه، وهو تعالى العالم بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
وبعد بيان حكم الله في المشركين وأنه القتل، وبعد الإنكار على من يتصور عدم تكليف الله عباده بالجهاد، وإخلاص الولاء لله والرسول والمؤمنين في الظاهر والباطن، بين تعالى أن هؤلاء المشركين ما كان لهم أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له، وهم على حالهم من الشرك لم يتوبوا منه، فهؤلاء أعمالهم غير مقبولة، والنار لهم قرار دائم، ثم بين صفات المستحقين أن يعمروا مساجد الله بالعبادة
والذكر، وهم الذين اجتمعت لهم معاني الإيمان، والصلاة، والزكاة، ولم يخشوا إلا الله، فهؤلاء هم المهتدون الجديرون بمساجد الله، وليحطم الله عز وجل كل مظهر من مظاهر الشرك، وليحطم دعاوى المشركين في زعمهم أنهم على خير بسبب بعض صور الخير التي يفعلونها، وحتى لا يتوهم المسلمون ويخدعون ببعض صور الأعمال، بين تعالى أنه لا يستوي أهل الإيمان والجهاد بأهل سقاية الحج، وسكن المسجد الحرام، مع الشرك، ثم بين أن المؤمنين المجاهدين هم الفائزون وهم المبشرون بالجنة والرضوان.
وبهذه المعاني ينتهي المقطع الأول من هذا القسم وقد استقر فيه وجوب البراءة من المشركين، ووجوب قتلهم وقتالهم أينما كانوا وحيثما كانوا، وكيف ظهروا ومهما كانت أعمالهم.
ثم يأتي المقطع الثاني في هذا القسم وفيه يأمر الله تعالى بمباينة الكفار، وإن كانوا آباء أو أبناء، كما نهى عن موالاتهم ما داموا قد اختاروا الكفر على الإيمان. ثم توعد جل جلاله من آثر أهله وقرابته وعشيرته، أو آثر الأزواج والأولاد والأموال والتجارة والمسكن على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله أن ينتظر ما يحل به من العقاب والنكال.
فلا ولاء إلا لله ولرسوله وللمؤمنين. ولا شئ مقدم على حب الله والرسول وحب الجهاد.
وفي هذا السياق يحذر جل جلاله من العجب والاغترار بالكثرة من خلال ما حدث يوم حنين، كما يأمر بالتوكل من خلال هذه القصة.
وهكذا يتقرر في هذا المقطع مجموعة أمور كلها مهم في موضوع القتال.
ثم يأتي المقطع الثالث: فيقرر أن المشركين نجس، وأن على المؤمنين أن ينفوا المشركين عن المسجد الحرام، وأن يمنعوهم من قربانه، وحتى لا يخشى المسلمون من
انقطاع مورد من موارد الرزق عنهم بسبب منع المشركين من الحج إلى المسجد الحرام، فقد وعدهم الله أن يغنيهم من فضله، وبهذا تكون قد اتضحت أحكام الشرك والمشركين في وجوب قتالهم ومنعهم من الحج، ليأتي الأمر بقتال أهل الكتاب الذين لهم أحكام خاصة، فالمشركون العرب ليس أمامهم إلا الإسلام أو الاستئصال، فأما أهل الكتاب فالأمر في حقهم أوسع، فإما القتل، وإما الإسلام، وإما الجزية، وقد ذكر الله