الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى العام:
يبدأ المقطع بالأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وأخبره بأن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة، ثم بين بعد ذلك سببا للأمر بجهاد المنافقين، وهو قولهم كلمة الكفر بعد إسلامهم، وإرادتهم الكيد للإسلام مع كثرة ما أنعمه الله عليهم، وإن تظاهروا بغير هذا، وحلفوا عليه. ثم ندبهم إلى التوبة النصوح، وهددهم بعذاب الدنيا والآخرة. ثم أخبر الله عن صنف من المنافقين، أعطى الله عهده وميثاقه، لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين، فما وفى بما
قال، ولا صدق بما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله عز وجل يوم القيامة عياذا بالله.
وهكذا يعرض علينا السياق نموذجا جديدا للنفاق وأهله، ومن قبل أخبرنا الله عن المنافقين بأنهم يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، وبعد ذكر النموذج من المنافقين ذكر الله عز وجل صفة أخرى من صفاتهم، وهي أنه لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى المتصدقون لا يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا إن الله لغني عن صدقة هذا.
ثم أخبر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم؛ بسبب كفرهم بالله ورسوله، ولأن سنة الله أنه لا يهدي القوم الفاسقين.
وهكذا استمر السياق يصور لنا المنافقين في أحوالهم وأقوالهم، في سياق الأمر بالنفير وموقفهم منه.
وبعد هذه الجولات الطويلة، تأتي الآن صورتان للتخلف عن النفير: صورة التخلف المنافق، وصورة التخلف الاضطراري للمؤمنين، فأما التخلف المنافق فتخلف يرافقه فرح، وكراهية للجهاد في سبيل الله، ومحاولة للتثبيط عن النفير، وأشر وبطر، ومن ثم فإن أمثال هؤلاء لا يستأهلون شرف الجهاد، ولا يستأهلون كرامة الصلاة عليهم إذا ماتوا، ولا يستأهلون أن ينظر الإنسان إلى شئ مما هم فيه بإعجاب، كيف وهم لا يستقبلون سور الجهاد إلا بالاستئذان عنه، والرغبة في القعود، فهؤلاء يفرون من جهاد الكفار، وهؤلاء هم الكاذبون، فهذه صورة التخلف الذي هو علامة نفاق، ثم بين تعالى أن أصحاب الأعذار الحقيقية لا حرج على من قعد منهم عن القتال مع وجود العواطف الإيمانية عندهم فبين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى، والعرج، ونحوهما، ولهذا بدأ السياق به، ومنها ما هو عارض، بسبب مرض عن لصاحبه في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقر لا يقدر معه صاحبه على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، وهم محسنون في أنفسهم، وحزانى على تركهم الجهاد، وعواطفهم مع المسلمين، فهؤلاء
يمثلون ظاهرة التخلف الذي لا حرج فيه، وإنما ظاهرة التخلف التي فيها حرج هي ظاهرة التخلف الذي لا يرافقه عذر حقيقي جسمي أو مالي، فهذا الذي هو علامة أهل النفاق، الذين يتخلفون ويعتذرون ويحلفون، ثم أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين، وأن كفر هؤلاء ونفاقهم أعظم من كفر ونفاق غيرهم وأشد، كما أنهم أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن من هؤلاء الأعراب من يعتبر ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة، وينتظر بالمسلمين الحوادث، والآفات وأن تدور عليهم الدوائر، والأمر منعكس عليهم، وفي المقابل فهناك القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وقد حقق الله لهم ما أرادوه. وبعد أن ذكر الله عز وجل التخلف المشروع، والتخلف المرذول، وبين وضع الأعراب ومواقفهم، أخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم. ثم أخبر تعالى أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقين، وفي أهل المدينة أنفسهم منافقون، مرنوا على النفاق، واستمروا عليه، وقد تهدد الله هؤلاء المنافقين بالعذاب الدنيوي مرة بعد مرة، ثم بالعذاب الأخروي. ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من التخلف غير ما مر، فالذي مر معنا نوعان:
تخلف أهل النفاق، وتخلف أهل العذر، والآن يحدثنا السياق عن الذين تأخروا عن الجهاد كسلا، وميلا إلى الراحة، مع إيمانهم وتصديقهم بالحق، وقد أقروا واعترفوا، بينهم وبين ربهم بذنوبهم، ولهم أعمال أخر صالحة، خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو الله، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أن يأخذ من أموال الناس صدقة، ليطهروا ويزكوا، ووجود هذا الأمر في هذا السياق فيه إشعار لهؤلاء المذنبين بأن طريق تكفيرهم ذنبهم العظيم بالتخلف هو هذا، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهؤلاء المتصدقين، ثم هيج الله عباده على التوبة والصدقة، بتذكيرهم بقبوله التوبة، وأخذه الصدقات، وأنه التواب الرحيم.
ثم أمر الله تعالى عباده جميعا أن يعملوا، وأعلمهم أن أعمالهم معروضة عليه، ثم طمع الله بعض المتخلفين بأن أمرهم إليه، إن شاء تاب وعفا، وإن شاء عذب.
وهكذا ذكرت أنواع التخلف عن النفير، وصفات كل نوع ومواصفاته وحكمه وطريقه، ثم بعد ذلك يستمر السياق في عرض قضية النفاق، لأن السياق الخاص في هذا المقطع هو الأمر بقتال المنافقين، فلا بد من تعريتهم.