الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب أربعة. وخير السرايا أربع مائة.
وخير الجيوش أربعة آلاف. ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة ولن يغلبوا». وفي بعضها «ما غلب قوم يبلغون اثني عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم» . وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له: أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله وحكم بغيرها؟ فقال مالك: إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك التخلف: وإلا فأنت في سعة من التخلف، وكان السائل له عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر وهذا المذهب موافق لما ذكر محمد بن الحسن. والذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا فهو أصل في هذا الباب، وإن كثر عدد المشركين فغير جائز لهم أن يفروا منهم وإن كانوا أضعافهم لقوله:«إذا اجتمعت كلمتهم» . وقد أوجب عليهم بذلك جمع كلمتهم).
انتهى.
ذكرنا هذا الكلام هنا لتعرف بعض اتجاهات الفقهاء في هذا الشأن، ونحب هنا أن نلفت النظر إلى كلمة الإمام مالك مجيبا على السؤال «أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله وحكم بغيره؟» إن هذا السؤال الذي وجه للإمام مالك من قرون هو واقعة عصرنا، ففي كل قطر من أقطار هذه الأمة تقريبا يحكم بغير ما أنزل الله، ولذلك فإن السؤال مهم، والجواب عليه مهم كذلك، فماذا كان جواب الإمام مالك؟ قال:«إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك التخلف» وهذا هو الأصل الذي اعتمده الأستاذ البنا رحمه الله، أنه متى وجد هذا العدد فلا بد من إقامة حكم الله، ومنابذة كل من يقف في وجه ذلك، ولننتقل إلى ذكر بعض ال
فوائد
حول التوجيه الذي مر معنا وهو التوجيه الأول في المقطع الثاني.
فوائد:
1 -
هذا هو التوجيه الأول في هذا المقطع في شأن القتال، وهذا التوجيه يقتضي أن لا نفر إلا لخدعة أو لالتحاق بفئة. وقد ذكر الله عز وجل في هذا التوجيه المعاني التي تساعد على الثبات وتبعد عن الفرار.
أ- حذر من الفرار حذار سخط الله في الآخرة.
ب- ثم بين أنه هو الفاعل لا غيره، وأن سنته نصر المؤمنين وتوهين الكافرين، فليثبت المؤمن ليحقق الله به سنته، ثم بين أنه هازم الكافرين ولو دعوه، وأنه سيعود عليهم
بالهزيمة كلما عادوا للكيد لأوليائه، وفي ذلك ما يثبت المؤمنين، ويستدعي منهم الثبات انتظارا لتحقيق الله موعوده فيهم وفي الكافرين.
2 -
روي البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال:
الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». وقد استدل ابن كثير بهذا الحديث على أن قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ عامة في بدر وغيرها؛ دفعا لمن قال إنها في أهل بدر خاصة. قال بعد ذكر كل الأقوال. وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم، من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير.
3 -
إن التحيز إلى فئة يختلف باختلاف الأحوال، فهناك حالات الاضطرار، وقد يصل الاضطرار إلى درجة يعتبر فيها التحيز إلى الإمام الأعظم- أي إلى عاصمة المسلمين- تحيزا إلى فئة، وبعده ليس تحيزا، إلا إلى حيث يكون الإمام، أو يأمر به، فإذا ما أصبحت المسألة كذلك لم يعد إلا القتال حتى الموت، والدليل أن التحيز إذا كان هناك اضطرار يمكن أن يكون بالتراجع إلى حيث يكون أميره أو الإمام الأعظم ما يلي:
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة ثم تبنا: ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لنا توبة، وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال:«من القوم؟» فقلنا: نحن الفرارون فقال: «لا بل أنتم العكارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين» . قال: فأتيناه حتى قبلنا يده. وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن ورواه ابن أبي حاتم وزاد في آخره وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ قال أهل العلم: معنى قوله «العكارون» أي العرافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أبي عبيد لما قتل على الجسر بأرض فارس؛ لكثرة الجيش من ناحية المجوس، فقال عمر: لو تحيز إلي لكنت له فئة. هكذا رواه محمد بن سيرين عن عمر، وفي رواية أبي عثمان النهدي عن
عمر قال: لما قتل أبو عبيد: قال عمر: أيها الناس أنا فئتكم. وقال مجاهد: قال عمر:
أنا فئة كل مسلم.
4 -
وفي سبب نزول قوله تعالى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى قال ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه- يعني يوم بدر- فقال: يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في أرض أبدا». فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه وفمه تراب من تلك القبضة؛ فولوا مدبرين. وقال السدي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يوم بدر:«أعطني حصبا من الأرض» فناوله حصبا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شئ. ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وأنزل الله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وروى أبو معشر المدني عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال:«شاهت الوجوه» فدخلت في أعينهم كلهم. وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات، فرمى بحصبات ميمنة القوم، وحصيات في ميسرة القوم، وحصيات بين أظهرهم وقال:«شاهت الوجوه» ، فانهزموا. وقد روي في هذه القصة عن عروة ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الأئمة أنها نزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وإن كان قد فعل ذلك يوم حنين أيضا.
أقول: وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من رمية فيها معجزة، ولكن الآية نزلت في حادثة بدر. وقد غلط من ظن أن هذا لم يكن إلا يوم حنين.
5 -
وفي سبب نزول قوله تعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ نذكر ما يلي:
روى الإمام أحمد .. عن عبد الله بن ثعلبة: أن أبا جهل قال حين التقى القوم: اللهم أقطعنا الرحم، وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة. فكان المستفتح. وأخرجه النسائي