الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِأَخِي. أي اغفر لي ما فرط مني في حق أخي، ولأخي إن كان قد فرط في حسن الخلافة، وفي هذا إرضاء لأخيه لينفي الشماتة عنه بإشراكه معه في الدعاء وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ أي في عصمتك في الدنيا وجنتك في الآخرة وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فاعطنا رحمتك
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وهو ما أمروا به من قتل أنفسهم ليقبل توبتهم، كما مر في سورة البقرة وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا إما بمزيد التغرب وإما بمواقف ذلة في الأرض التي هم فيها وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ أي الكاذبين على الله
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ أي من الكفر والمعاصي ثُمَّ تابُوا أي رجعوا إلى الله مِنْ بَعْدِها أي من بعد فعل السيئات وَآمَنُوا أي أخلصوا الإيمان لله إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي من بعد السيئات أو التوبة لَغَفُورٌ أي لستور عليهم محاء لما كان منهم رَحِيمٌ أي منعم عليهم بالجنة. وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل وغيرهم، عظم جنايتهم أولا ثم أردفها بتعظيم رحمته ليعلم أن الذنوب وإن عظمت فعفوه أعظم،
ولما كان الغضب لشدته كأنه هو الآمر لموسى بما فعل جاءت الآية بعد ذلك تقول: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أي ولما سكن غضب موسى أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها. وَفِي نُسْخَتِها أي وفيما نسخ منها وعنها أو في النسخة التي استبدلت بها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. أي يخشونه ويخضعون له وقد ضمن الرهبة معنى الخضوع ولهذا عداها باللام.
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ يقول ابن كثير: ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبي داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبك الشئ يعمي ويصم» .
2 -
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه عز وجل أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح» .
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ قال سفيان بن عيينة: «كل صاحب بدعة ذليل» قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغلات
وطقطقت بهم البراذين.
4 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها. فتلا هذه الآية: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، فتلاها عبد الله عشر مرات فلم يأمرهم بها ولم ينههم عنها. ولنعد إلى التفسير الحرفي:
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا من أجل أن يعتذروا عن عبادة العجل فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. أي الزلزلة الشديدة قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ بما كان منهم من عبادة العجل وَإِيَّايَ لقتلي القبطي أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا أي أتهلكنا عقوبة بما فعل الجهال منا وهم أصحاب العجل إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ قال ابن كثير: أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. قال ابن عباس. وسعيد بن جبير، وأبو العالية والربيع بن أنس وغير واحد من علماء السلف والخلف ولا معنى له غير ذلك يقول: إن الأمر إلا أمرك وإن الحكم إلا حكمك. فما شئت كان. تضل من تشاء، وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لمن منعت، ولا مانع لما أعطيت؛ فالملك كله لك، والحكم كله لك، لك الخلق والأمر تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ أي تضل بالفتنة من تشاء. أي من علمت منهم اختيار الضلال وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أي وتهدي بالفتنة من تشاء من علمت منهم اختيار الهدى أَنْتَ وَلِيُّنا. أي مولانا القائم بأمورنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ
وَاكْتُبْ لَنا أي وأثبت لنا واقسم فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً. أي عافية وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة وَفِي الْآخِرَةِ الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي تبنا إليك قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ. ممن لا أريد العفو عنه وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي ومن صفة رحمتي أنها واسعة تبلغ كل شئ. فما من مسلم ولا كافر إلا وعليه أثر رحمة الله في الدنيا فَسَأَكْتُبُها أي هذه الرحمة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الشرك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل ما بعده وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ المفروضة وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا أي بجميع كتبنا يُؤْمِنُونَ فلا يكفرون بشيء منها.
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الذي نوحي إليه كتابا مختصا به وهو القرآن النَّبِيَّ صاحب المعجزات الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ أي يجدون نعته مَكْتُوباً
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ بخلع الأنداد وإنصاف العباد وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ كعبادة الأصنام وقطيعة الأرحام وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ مما طاب في الشريعة مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح، وما خلا كسبه من السحت وما حرم على بني إسرائيل من الأشياء الطيبة كالشحوم وغيرها.
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أي: ما يستخبث كالدم والميتة ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة ونحوهما من المكاسب الخبيثة وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحراك لثقله والمراد التكاليف الصعبة كقتل النفس في توبتهم، والتعامل مع الحائض وطقوس البرص والحكم على صاحبه. وأشياء أخرى كثيرة موجودة في أسفار موسى وغيره وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وَعَزَّرُوهُ أي وعظموه أو منعوه من العدو حتى لا يقوى عليه عدو، وأصل العزر المنع ومنه التعزير لأنه منع عن معاودة القبيح كالحد فهو المنع وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أي القرآن فاجتمع لهم اتباع القرآن المنزل مع اتباع النبي المرسل، والعمل بسنته أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بكل خير والناجون من كل شر.
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ جميعا من عرب وعجم وأبيض وأسود وأصفر إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً بلا استثناء الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ هذا هو شأن الإله الحق فمن ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة ومن كان يقدر على الإحياء والإماتة كان هو الإله على الحقيقة، وهذا الإله هو الذي أرسل محمدا صلى الله
عليه وسلم إلى الناس جميعا ومن ثم أمر الله الناس جميعا. بقوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وذلك من أعظم أدلة رسالته أن يكون من لا يقرأ ولا يكتب صاحب هذه الرسالة الجديدة وما فيها من الهدى والإعجاز الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ أي النبي الذي يصدق بالله وبكتبه المنزلة وفي هذا الالتفات من الحاضر إلى الغائب كثير من دقائق البلاغة لا يعرفها إلا العالمون، فمثلا لم يقل فآمنوا بالله وبي مع أن ما قبله إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه ولما في الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمي، الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري؛ إظهارا للنصفة وتفاديا من العصبية لنفسه وَاتَّبِعُوهُ أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره أي: اجمعوا ما بين الإيمان به والاتباع له لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي إلى الصراط المستقيم.