الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معانيه، وفي سور أخرى سيقص الله علينا جوانب أخرى من قصة فرعون مع موسى أو يكرر معنى من المعاني المذكورة هنا، وفي كل مرة تأتي القصة أو جزء منها، إنما تأتي لتخدم غرضا في السورة وفي السياق بما ينسجم مع موضوع السورة ومحورها، وبما يشكل في النهاية عرضا كاملا للقصة من كل جوانبها دون أن يخل هذا بوحدة السورة القرآنية، وبما يحقق المظهر الأعلى من التكامل القرآني، وكل ذلك يبرز مدى الكمال في هذا القرآن، وكيف لا ومنزله هو الله الذي له المثل الأعلى في كل شئ تبارك وتعالى وهذا الذي قلناه مظهر من مظاهر الكمال والتكامل في هذا القرآن، وإن كل ما قاله ويقوله أحد في شأن هذا القرآن إنما هو قطرة من بحار الكمال الذي لا يحيط به إلا الله.
المعنى الحرفي:
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد الرسل المذكورين، أو من بعد الأمم المذكورة، وظاهر النص أن موسى جاء بعد هذه الأمم، وبعد هؤلاء الرسل، وهذا يؤكد الاتجاه الذي يقول بأن الرجل الذي آوى إليه موسى من مدين ليس هو شعيبا عليه السلام إذ بين شعيب وموسى زمن طويل كما سنرى ذلك في سورة القصص مُوسى بِآياتِنا أي بالمعجزات الواضحات إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها أي فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد، ويمكن أن يراد بقوله فَظَلَمُوا بِها أي فظلموا الناس بسببها حين آذوا من آمن. أو أن كلمة الظلم استعملت بدل الكفر لأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلما حيث وضعوا الكفر موضع الإيمان فَانْظُرْ يا محمد ويا من يقتدي به ويتابعه كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أي الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله حيث كانت نهايتهم الغرق
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس الأكاسرة فليست كلمة فرعون اسمه بل لقبه إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إليك.
حَقِيقٌ أي خليق وجدير عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أي الصدق قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي بما يبين رسالتي وهي المعجزات فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي فخلهم يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ أي من عند من أرسلك فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي فأتني بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها.
فَأَلْقى أي موسى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ أي حية عظيمة مُبِينٌ أي ظاهر أمره أنه ثعبان
وَنَزَعَ يَدَهُ أي من جيبه
فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجذب الناس للنظر إليه
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ أي عالم بالسحر ماهر فيه قد خيل إلى الناس العصا حية والآدم أبيض، وهذا الكلام ذكر على لسان فرعون في سورة الشعراء، وهنا ذكر على لسان الملأ فإما أن كلا منهم قاله فحكى قوله ثمة وقولهم هنا، أو قاله ابتداء فتلقفه الملأ منه بعد أن أوحى إليهم به وتبنوه
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي مصر فَماذا تَأْمُرُونَ أي فماذا تشيرون وهو- أي السؤال الأخير- من كلام فرعون قاله للملإ بعد أن قالوا ما قالوه وفي ذلك إشعار أن الطاغية يشعر من حوله أنه منفذ لأوامرهم
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخر واحبس أي: أخر أمره ولا تعجل، فكأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق والمراد بأخيه هارون عليهما السلام وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ أي جامعين
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ أي مثله في المهارة أو بخير منه
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ يفهم من ذلك أنه أرسل إليهم فحضروا قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي لجعلا عظيما إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ أي إن غلبنا موسى في سحره
قالَ نَعَمْ أي إن لكم لأجرا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي عندي فتكونون أول من يدخل وآخر من يخرج
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي عصاك. وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لما معنا ويظهر أن رغبتهم كانت في أن يلقوا قبله، فهم هذا من طريقة خطابهم وذكرهم أنفسهم بضمير نحن
قالَ موسى أَلْقُوا ازدراء لشأنهم، وقلة مبالاة بهم، واعتمادا على أن المعجزة لن يغلبها شئ، وليظهر للناس بطلان سحرهم بعد أن يندهش الناس به. ولا شك أن تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه، كما يفعل المتناظرون قبل أن يتخاوضوا في الجدال.
وقد خدمهم حسن الأدب هذا فالحسنة تأتي بالحسنة. بدءوا معه بحسن الأدب، وانتهوا مؤمنين به فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أي أروا أعين الناس بالحيل والشعوذة وخيلوا إليهم ما الحقيقة بخلافه كما سيأتي تفصيل ذلك في سورة طه وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أي وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم استدعوا رهبتهم بالحيلة. وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أي في باب السحر أو في عين من رآه
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ أي تبتلع. ما يَأْفِكُونَ أي ما يقلبونه من الحق إلى الباطل ويزورونه.
فَوَقَعَ الْحَقُّ أي فثبت وحصل وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي من السحر.