الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى بهذا أن طيبات الحياة الدنيا خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة، والكفار لهم تبع كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ ليتميز الحلال من الحرام لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أنه لا شريك له
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ أي ما تفاحش قبحه أي تزايد ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ أي سرها وعلانيتها وَالْإِثْمَ أي الذنب وهو المخالفة لأمر الله وَالْبَغْيَ أي الظلم والكبر بِغَيْرِ الْحَقِّ أما رد البغي بمثله فهو وإن كان- لولا الابتداء من الظالم بغيا- فإنه مأذون فيه شرعا وَأَنْ تُشْرِكُوا أي وحرم الشرك بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً والله لا ينزل برهانا أبدا على أن يشرك به غيره، ولكنه رد لزعمهم أنهم أشركوا بأمر الله وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي وحرم عليكم أن تتقولوا على الله بوصفه بغير صفاته، وأن تفتروا الكذب عليه بتحريم ما أحل، أو تحليل ما حرم
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي وقت معين يأتيهم فيه عذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا، وهو وعيد لمن يرفض هذا الدين بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ذكر الساعة في هذا المقام لأنها أقل ما يستعمل في الإمهال والمعنى لا يمهلون لحظة واحدة.
تعليقات:
رأينا أنه يدخل في أخذ المسلم زينته عند كل مسجد أن يصلي ويطوف وهو ساتر عورته وهذا شئ اعترضت عليه الجاهلية وتعليقا على ذلك يقول صاحب الظلال:
«ومن عجيب ما روي من حال المشركين الذين خوطبوا بهذه الآيات أول مرة؛ ووجه إليهم هذا الاستنكار الوراد في قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ
…
ما رواه الكلبي قال: «لما لبس المسلمون الثياب، وطافوا بالبيت عيرهم المشركون بها. فنزلت الآية .. » فانظر كيف تصنع الجاهلية بأهلها! ناس يطوفون ببيت الله عرايا؛ فسدت فطرتهم وانحرفت عن الفطرة السليمة التي يحكيها القرآن الكريم عن آدم وحواء في الجنة: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ .. فإذا رأوا المسلمين يطوفون بالبيت مكسوين، في زينة الله التي أنعم بها على البشر، لإرادته بهم الكرامة والستر؛ ولتنمو فيهم خصائص فطرتهم
الإنسانية في سلامتها وجمالها الفطري؛ وليتميزوا عن العري الحيواني .. الجسمي والنفسي .. إذا رأوا المسلمين يطوفون ببيت الله في زينة الله وفق فطرة الله «عيروهم» .
إنه هكذا تصنع الجاهلية بالناس .. هكذا تمسخ فطرهم وأذواقهم وتصوراتهم وقيمهم وموازينهم وماذا تصنع الجاهلية الحاضرة بالناس في هذا الأمر غير الذي فعلته بالناس في جاهلية المشركين العرب؟ وجاهلية المشركين الإغريق؟ وجاهلية المشركين الرومان؟
وجاهلية المشركين الفرس؟ وجاهلية المشركين في كل زمان وكل مكان؟ ماذا تصنع الجاهلية الحاضرة بالناس إلا أن تعريهم من اللباس، وتعريهم من التقوى والحياء؟ ثم تدعو هذا رقيا وحضارة وتجديدا؛ ثم تعير الكاسيات من الحرائر العفيفات المسلمات، بأنهن «رجعيات» «تقليديات» . «ريفيات» .
المسخ هو المسخ. والانتكاس عن الفطرة هو الانتكاس. وانقلاب الموازين هو انقلاب الموازين. والتبجح بعد ذلك هو التبجح أَتَواصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ!.
وما الفرق كذلك في علاقة هذا العري، وهذا الانتكاس، وهذه البهيمية وهذا التبجح، بالشرك، وبالأرباب التي تشرع للناس من دون الله؟ لئن كان مشركو العرب قد تلقوا في شأن ذاك التعري من الأرباب الأرضية التي كانت تستغل جهالتهم وتستخف بعقولهم لضمان السيادة لها في الجزيرة .. ومثلهم بقية الجاهليات القديمة التي تلقت من الكهنة والسدنة والرؤساء
…
فإن مشركي اليوم ومشركاته يتلقون في هذا عن الأرباب الأرضية كذلك .. ولا يملكون لأمرهم ردا .. إن بيوت الأزياء ومصمميها، وأساتذة التجميل ودكاكينها، لهي الأرباب التي تكمن وراء هذا الخبل الذي لا تفيق منه نساء الجاهلية الحاضرة ولا رجالها كذلك! إن هذه الأرباب تصدر أوامرها، فتطيعها القطعان والبهائم العارية في أرجاء الأرض طاعة مزرية. وسواء كان الزي الجديد لهذا العام يناسب قوام أية امرأة أو لا يناسبه، وسواء كانت مراسم التجميل تصلح لها أو لا تصلح، فهي تطيع صاغرة .. تطيع تلك الأرباب. وإلا «عيرت» من بقية البهائم المغلوبة على أمرها.
ومن ذا الذي يقبع وراء بيوت الأزياء؟ ووراء دكاكين التجميل؟ ووراء سعار العري والتكشف؟ ووراء الأفلام والصور والروايات والقصص، والمجلات والصحف، التي تقود هذه الحملة المسعورة .. وبعضها يبلغ في هذا إلى حد أن تصبح المجلة أو القصة ماخورا متنقلا للدعارة؟!. من الذي يقبع وراء هذا كله؟.
الذي يقبع وراء هذه الأجهزة كلها، في العالم كله .. يهود .. يهود يقومون
بخصائص الربوبية على البهائم المغلوبة على أمرها، ويبلغون أهدافهم كلها من إطلاق هذه الموجات المسعورة في كل مكان .. أهدافهم من تلهية العالم كله بهذا السعار؛ وإشاعة الانحلال النفسي والخلقي من ورائه، وإفساد الفطرة البشرية، وجعلها ألعوبة في أيدي مصممي الأزياء والتجميل! ثم تحقيق الأهداف الاقتصادية من وراء الإسراف في استهلاك الأقمشة وأدوات الزينة والتجميل وسائر الصناعات الكثيرة التي تقوم على هذا السعار وتغذيه.
إن قضية اللباس والأزياء ليست منفصلة عن شرع الله ومنهجه للحياة. ومن ثم ذلك الربط بينها وبين قضية الإيمان والشرك في السياق.
إنها ترتبط بالعقيدة والشريعة بأسباب شتى: إنها تتعلق- قبل كل شئ- بالربوبية، وتحديد الجهة التي تشرع للناس في هذه الأمور، ذات التأثير العميق في الأخلاق والاقتصاد وشتى جوانب الحياة. كذلك تتعلق بإبراز خصائص «الإنسان» في الجنس البشري، وتغليب الطابع «الإنساني» في هذا الجنس على الطابع الحيواني. والجاهلية تمسخ التصورات والأذواق والقيم والأخلاق، وتجعل العري- الحيواني- تقدما ورقيا. والستر- الإنساني- تأخرا ورجعية! وليس بعد ذلك مسخ لفطرة الإنسان وخصائص الإنسان.
وبعد ذلك عندنا جاهليون يقولون: ما للدين والزي؟ ما للدين وملابس النساء؟
وما للدين والتجميل؟ .. إنه المسخ الذي يصيب الناس في الجاهلية في كل زمان وكل مكان!!!
ولأن هذه القضية التي تبدو فرعية، لها هذه الأهمية في ميزان الله وفي حساب الإسلام، لارتباطها أولا بقضية التوحيد والشرك، ولارتباطها ثانيا بصلاح فطرة الإنسان وخلقه ومجتمعه وحياته، أو بفساد هذا كله .. فإن السياق يعقب عليها بإيقاع قوي مؤثر، يوقع به عادة في مواقف العقيدة الكبيرة .. إنه يعقب بتنبيه بني آدم، إلى أن بقاءهم في هذه الأرض محدود مرسوم؛ وأنه إذا جاء الأجل فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ إنها حقيقة أساسية من حقائق هذه العقيدة، يوقع بها السياق على أوتار القلوب الغافلة، غير الذاكرة ولا الشاكرة، لتستيقظ فلا يغرها امتداد الحياة.
والأجل المضروب إما أجل كل جيل من الناس بالموت المعروف الذي يقطع الحياة.
وإما أجل كل أمة من الأمم بمعنى الأمد المقدر لقوتها في الأرض واستخلافها .. وسواء هذا أو ذاك فإنه مرسوم لا يتقدمون عنه ولا يستأخرون».
أقول: إن التذكير بنهايات الأمم فى سياق النهي عن الإسراف، وفي سياق ذكر المحرمات واضح الصلة، فالأمم التي تبطر وتنحرف عن أمر الله بارتكاب الفواحش والآثام تغفل عن مصيرها، فجاءت الآية الأخيرة في هذا السياق تذكر بالمصير.
*** وقد لاحظ صاحب الظلال من خلال الآيات التي مرت هنا من سورة الأعراف أن هناك تشابها وتكاملا بين سورتي الأعراف والأنعام فسجله بقوله:
(وقبل أن نترك هذه الجولة نسجل ما لاحظناه من التشابه العجيب في مراجعة المنهج القرآني للجاهلية في شأن الذبائح والنذور والتحليل فيها والتحريم- في سورة الأنعام- ومواجهته للجاهلية- هنا في شأن اللباس والطعام .. ففي شأن الذبائح والنذور في الأنعام والثمار، بدأ أولا بالحديث عما تزاوله الجاهلية فعلا من هذه التقاليد؛ وعما تزعمه- افتراء على الله- من أن هذا الذي تزاوله من شرع الله. ثم طلب إليهم الدليل الذي يستندون إليه في أن الله حرم هذا الذي يحرمونه، وأحل هذا الذي يحلونه
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ..
ثم واجه هروبهم من هذه المواجهة بإحالة الأمر إلى قدر الله وإلى أمره لهم بهذا الشرك الممثل في مزاولة الحاكمية وهي من خصائص الألوهية: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ! كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا. قُلْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ: قُلْ: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ. قُلْ: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ حتى إذا انتهى من تفنيد هذا الباطل الذي يدعونه ويفترونه، قال لهم:
تعالوا لأبين لكم حقيقة ما حرم الله عليكم وحقيقة ما أمركم به: عن المصدر الصحيح الوحيد المعتمد في هذا الشأن؛ والذي لا يجوز الأخذ عن غيره: قُلْ: تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً .. الخ ..