الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
قال النسفي تعليقا على ادعاء إبليس أنه خير من آدم: وقد أخطأ الخبيث: بل الطين أفضل لرزانته ووقاره ومنه الحلم والحياء والصبر، وذلك دعاه إلى التوبة والاستغفار، وفي النار الطيش والحدة والترفع، وذلك دعاه إلى الاستكبار. والتراب عدة الممالك، والنار عدة المهالك، والنار مظنة الخيانة والإفناء، والتراب مئنة الأمانة والإنماء. والطين يطفئ النار ويتلفها، والنار لا تتلفه، وهذه فضائل غفل عنها إبليس. حتى زل بفاسد من المقاييس. وقول نافي القياس: أول من قاس إبليس، قياس. على أن القياس عن مثبته مردود عند وجود النص: وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص. وكان الجواب لما منعك أن يقول: منعني كذا. وإنما قال أنا خير منه، لأنه قد استأنف قصته وأخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم عليه السلام وبعلة فضله عليه فعلم منها الجواب- كأنه قال: منعني من السجود فضلي عليه- وزيادة عليه وهي إنكار الأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله. إذ سجود الفاضل للمفضول خارج عن الصواب) في الزعم الإبليسي.
2 -
في صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح «وخلقت الحور العين من الزعفران» .
3 -
وفي إسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
وقال ابن سيرين «أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس» والإسناد إليه صحيح. والملاحظ أن قياس إبليس كان مع النص ولا قياس مع النص.
4 -
روى الإمام أحمد عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك قال: فعصاه وأسلم» قال: «وقعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتدع أرضك وسماءك. وإنما المهاجر كمثل الفرس في الطول (أي الحبل)، فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد؛ وهو جهاد النفس والمال فقال: تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟ قال: فعصاه وجاهد» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. «فمن فعل ذلك منهم
فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة».
5 -
لما كان الشيطان قد أقسم أن يتسلط على الإنسان من جهاته كلها، فقد ورد في الأحاديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها فقد روى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم إني أسالك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلى ومالي: اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك اللهم أن أغتال من تحتي» . وروى الإمام أحمد وغيره بإسناد صححه الحاكم عن عبد الله ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم
احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي». قال وكيع:
من تحتي يعني الخسف.
6 -
قال ابن كثير: وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات، والله أعلم بصحتها. ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى في كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
7 -
يروي المفسرون كلاما كثيرا عند قصة آدم وليس في الكثير منه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرجح أن أكثر الروايات هذه عن بني إسرائيل، ومرجع ذلك إلى التوراة، ونحن لا نستطيع اعتماد نقول التوراة الحالية لتأكدنا من وجهة النظر العلمية القطعية أن التوراة الحالية ليست هي التوراة التي أنزلها الله على موسى، بل حدث فيها تغيير وتبديل كثيران؛ إذ هي جمع روايات شعبية بعد عصور متطاولة، فإذا عرفنا هذا أدركنا أن كل نقل عن التوراة إنما هو للاستئناس فقط ولا نبني عليه شيئا، والتوراة الحالية تقص قصة آدم في سفر التكوين الإصحاح الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، وفيها (فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر) وفيها أن آدم وحواء كانا عريانين في الأصل ولكنهما ما كانا يريان عوراتهما، فلما أكلا من الشجرة انفتحت أعينهما على أنهما عريانان (والرواية الصحيحة عن وهب بن منبه- وهو ممن أسلم من علماء أهل الكتاب- قال: كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما لا يرى هذا
عورة هذه ولا هذه عورة هذا
…
) وتذكر التوراة أن الحية هي التي قامت بدور الموسوس وأثر هذا على كلام المفسرين المسلمين؛ فجعلوا للحية دورا في عملية الوسوسة، بأن دخل الشيطان بواسطتها إلى الجنة بعد أن أخرج منها، وكان على بابها في الأمر الأول بالخروج، وليس في تفصيل شئ من ذلك منفعة تعود على المخاطب، ولذلك لم يفصل الله بها ولا رسوله؛ فلا نقف كثيرا عند هذه القضايا، والتوراة الحالية في هذا القسم منها واضحة التناقض، فبينما تشعر في مكان منها بأن الجنة كانت على الأرض تقول في آخر القصة (فطرد الإنسان وأقام شرقي عدن (أي جنة عدن) الكروبيم (أي العرش) ولهيب سيف فتقلب لحراسة طريق شجرة الحياة، وهذا يقابل جعل السماء رجوما للشياطين) فبينما ترى هنا كلاما عن جنة فوقها عرش الرحمن، وبينها وبين سكان الأرض ما بينها، تجد ما يشعر بغير ذلك، في مكان آخر، وكما قلنا فليس في التوراة الحالية ما نأخذ منه إلا للاستئناس، وفيما يوافق الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو الكتاب والسنة، وقد لاحظنا أن كثيرا مما روي عن ابن عباس، وأبي بن كعب وغيرهما في هذا المقام، له أصل في التوراة
8 -
إن من أهم ما ينبغي أن نلاحظه في قصة آدم عليه السلام أن المذنب لا يمر بدون نوع عقوبة، ولو رافقته توبة، ونسأل الله العفو والعافية وحسن الختام.
9 -
من المعلوم أن هناك صراعا عنيفا بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة حول خلق أفعال العباد، فالمعتزلة يزعمون أن العبد يخلق أفعاله، وأهل السنة يقولون بما قرره القرآن اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ* وبمناسبة قوله تعالى فَبِما أَغْوَيْتَنِي التي هي من حجج أهل السنة والجماعة، يروي النسفي قصة عن طاوس (أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل قدري. [أي لا يؤمن بالقدر» فقال طاوس: تقوم أو تقام؟ فقام الحرام فجاء رجل قدري- أي لا يؤمن بالقدر- فقال طاوس: تقوم أو تقام؟ فقام أغويتني. وهو يقول: أنا أغوي نفسي.
10 -
عند ما أمر الله آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض تذكر التوراة في سفر التكوين الإصحاح الثالث أن الله قال: (وقال للمرأة تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم، لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا: لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب
الحقل بعرق وجهك، تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب إلى تراب تعود).
11 -
الملاحظ أن إبليس لم ينكر صفات الله ولا وجوده، ومع ذلك فقد كفر، وفي هذا أكبر رد على من يتصور أن مجرد الإيمان بوجود الله يدخل صاحبه في عداد المسلمين المؤمنين، بل لا بد من الإيمان والتسليم وفي هذا يقول صاحب الظلال: (لقد جعل إبليس له رأيا مع النص. وجعل لنفسه حقا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلة مع وجود الأمر .. وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر.
ويبطل التفكر وتتعين الطاعة، ويتحتم التنفيذ .. وهذا إبليس- لعنه الله- لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر، الذي لا يقع في هذا الوجود شئ إلا بإذنه وقدره .. ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه .. بمنطق من عند نفسه:
قالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فكان الجزاء العاجل الذي تلقاه لتوه:
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ. إن علمه بالله لم ينفعه، واعتقاده بوجوده وصفاته لم ينفعه .. وكذلك كل من يتلقى أمر الله؛ ثم يجعل لنفسه نظرا في هذا الأمر يترتب عليه قبوله أو رفضه؛ وحاكمية في قضية قضى الله فيها من قبل، يرد بها قضاء الله في هذه القضية .. إنه الكفر إذن مع العلم ومع الاعتقاد. فإبليس لم يكن ينقصه العلم. ولم ينقصه الاعتقاد!).
12 -
إن قصة آدم وردت في سورة البقرة كما رأينا، وترد هنا الآن مرة ثانية.
وقصة بني إسرائيل وردت في سورة البقرة، وترد هنا مرة ثانية، ولكنهما تردان هنا ضمن السياق الخاص لسورة الأعراف، وبما يخدم هذا السياق، وهناك وردتا ضمن السياق الخاص لسورة البقرة بما يخدم ذلك، ومن ثم نفهم حكمة من حكم تكرار القصة القرآنية، إننا نلاحظ أن معاني من القصة ترد في مكان، ومعاني أخرى ترد
في مكان. وقد تشترك المعاني أحيانا، وتفترق أحيانا وكل ذلك لتؤدي في سياقها الخاص والعام ما يخدم السورة التي هي فيها ضمن سياقها ومحلها ومكانها. فمثلا قصة آدم في سورة البقرة تخدم سياقها الخاص الذي هو سياق الأمر اعْبُدُوا فهي نموذج للانحراف عن الأمر، وما يترتب عليه، وكيف ينبغي أن يفعل الإنسان ليتخلص من مخالفته. أما قصة آدم في سورة الأعراف فهي تخدم موضوع الاتباع وما يترتب عليه، والكفر وما يترتب عليه.