الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللرسول في كل شئ، وصف الله حالهم الأول- حال مقامهم بمكة- قليلين مستخفين مضطهدين، يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد الله، من مشرك ومجوسي ورومي، وكلهم أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن الله لهم في الهجرة إلى المدينة، فآواهم إليها، وقيض لهم أهلها أووا ونصروا يوم بدر وغيره، وواسوا بأموالهم، وبذلوا مهجهم في طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله في قوله تعالى: واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض قال: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبينه ضلالا، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردي في النار. يؤكلون ولا يأكلون. والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد.
ووسع به في الرزق. وجعل به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر. وأهل الشكر في مزيد من الله» يفهم من هذا أن قتادة اعتبر هذا الخطاب خطابا عاما للعرب، وهو اتجاه طيب إذا أريد به العرب المؤمنون يوم لم يكن غيرهم يحمل هذا الإسلام، على أن الخطاب فيما يبدو لأهل الإيمان بعد بدر، وهو خطاب يشمل كل حالة مشابهة إلى قيام الساعة.
فوائد:
1 -
الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهما حياة الإسلام وحياة المسلمين. وقد جاء هذا التوجيه حاضا على الجهاد، مخوفا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مذكرا بحال المؤمنين قبل القتال، وحالهم بعده، والإشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يشير إلى أن مما يكمل الأمر بالقتال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) بيان هذا وتفصيله، وفي هذا التوجيه- الذي هو التوجيه الثالث في هذا المقطع- رأينا كيف أن على المسلمين أن يسارعوا إذا دعوا للقتال من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا دعوا من قبل الأئمة من بعده، أو الأمراء، وبهذا نكون قد أدركنا محل هذا التوجيه ضمن هذا المقطع بما يتفق مع السياق، ولكنا كنا ذكرنا أن وجوب الاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم ليس في هذا الشأن فقط. بل هو في كل شئ، وإن كنا فهمنا من السياق خصوصية هذا النداء في شأن القتال، ولذلك نلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استشهد بهذه الآية في مقام آخر كدليل على
وجوب الاستجابة له في كل شئ، كما في هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته، فقال:«ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ثم قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج» فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرت له ..
2 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يذكر ابن كثير مجموعة أحاديث كلها تدور حول معنى واحد نجتزئ منها ثلاثة أحاديث:
أ- روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» . قال: فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها» . وهكذا رواه الترمذي في كتاب (القدر) من جامعه ثم قال: حسن.
ب- وروى الإمام أحمد أيضا
…
أن أم سلمة كانت تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه يقول: «اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالت: فقلت:
يا رسول الله أو إن القلوب لتقلب؟ قال: «نعم ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب» قالت: فقلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: «بلى قولي:
اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني».
ج- وروى الإمام أحمد أيضا .. عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك» .
3 -
وبمناسبة قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ننقل هذه الأحاديث والآثار:
روى الإمام أحمد عن مطرف قال: «قلنا للزبير: يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة الذي قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير رضي الله عنه: إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت» . وقد رواه البزار وروى النسائي نحوه.
وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: «أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب» . قال ابن كثير: وهذا تفسير حسن جدا. ثم قال ابن كثير: ومن أخص ما يذكر هاهنا ما رواه .. ثم ذكر مجموعة روايات وأحاديث نكتفي منها بما لا يؤدي إلى التكرار:
روى الإمام أحمد .. عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» . ورواه عن أبي سعيد عن إسماعيل بن جعفر وقال:
«أو ليبعثن عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم» . وروى الإمام أحمد أيضا ..
عن أبي الرقاد قال: «خرجت مع مولاي فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير، أو ليسحتكم الله جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. وروى الإمام أحمد أيضا .. عن عامر رضي الله عنه قال: سمعت النعمان ابن بشير رضي الله عنه يخطب يقول- وأومأ بأصبعين إلى إذنه يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها- والمدهن فيها- كمثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم؛ فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا» . انفرد بإخراجه البخاري والترمذي. وروى الإمام أحمد أيضا .. عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده» فقلت يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال: «بلى» قالت: فكيف يصنع أولئكم؟ قال: «يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان» .. وروى الإمام أحمد أيضا .. عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال