الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض إجمالي
قال تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1)، فالطواف حول البيت من أعظم أنواع العبادات، وهو إما مفروض كطواف الحج والعمرة والطواف المنذور، وإما واجب كطواف الوداع لغير الحائض والنفساء، وإما مسنون كطواف القدوم، وإما مندوب في كل وقت وحين. والأصل في الطواف أن يكون سبعة أشواط، ويجب بعد كل طواف صلاة ركعتين عند الحنفية في وقت مباح، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة، ويستطيع الإنسان أن يجمع بين أطوفة متعددة بشكل متوال ثم يصلي بعد ذلك عن كل سبعة أشواط ركعتين، وكل طواف بعده سعي يُسن فيه الرمل والاضطباع في الأشواط الثلاثة الأولى، ولقد فعل الاضطباع والرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم عمرة القضاء فكانت سنة دائمة.
والطواف: الركن في الحج يسمى طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، والأطوفة المسماة في الحج ثلاثة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وما زاد على هذه الأطوفة فهو نفل.
أما السعي فواحد، ولا يكون السعي إلا بعد طواف، فإن سعي مع طواف القدوم لم يسع بعده وإن لم يسع معه، سعى مع طواف الزيارة.
أما طواف القدوم: فهو سنة عند الجمهور لحاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة ولا يُسن للحاج بعد الوقوف بعرفة، ولا للمعتمر؛ لأن المعتمر يبدأ بالطواف المفروض عليه، والحكمة فيه أنه تحية البيت، فيبدأ به لا بصلاة تحية المسجد، لأن القصد من إتيان المسجد البيت وتحيته الطواف، لوا يبدأ بالطواف إذا خاف فوات الصلاة المفروضة أو السنة المؤكدة، أو وجد جماعة قائمة، أو تذكر فائتة مكتوبة، فإنه يقدم ذلك على الطواف، ولو أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف قطعه وصلَّى، وكذا لو حضرت جنازة قطعه إن كان نفلاً، ولا يفوت طواف القدوم بالجلوس في المسجد، كما تفوت به تحية المسجد، لكنه يفوت
(1) البقرة: 125.
بالوقوف بعرفة لا بالخروج من مكة.
وأما طواف الإفاضة أو الزيارة فهو ركن باتفاق الفقهاء لا يتم الحج إلا به، فمن ترك طواف الزيارة ورجع إلى بلده، فإنه لا يحل إلا بالعودة وأداء الطواف، فإن نوى التحلل ورفض إحرامه، لم يحل بذلك، لأن الإحرام لا يخرج منه بنيَّة الخروج بل بالطواف الفعلي، وعلى هذا فإذا فات طواف الإفاضة عن أيام النحر لا يسقط، بل يجب أن يأتي به، لأن سائر الأوقات وقته.
وأما طواف الوداع فهو مندوب عند المالكية، واجب عند الجمهور، يجبر تركه بدم كسائر الواجبات، فلو خرج الحاج من مكة بلا وداع عامداً أو ناسياً أو جاهلاً بوجوبه؛ عليه أن يرجع إن كان قريباً من مكة، والقريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، وإن كان بعيداً بعث بدم، والبعيد: من بلغ مسافة القصر، ويكون طواف الوداع عند خروج الحاج ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته، لأنه إذا أقام بعده خرج عن أني كون وداعاً في العادة، فلم يجْزِه، والأدب أن يخرج المودع بعد طواف الوداع ويولي ظهره إلى الكعبة، ولا يمشي قهقري كما يفعله كثير من الناس، قالوا: بل المشي قهقري مكروه، فإنه ليس فيه سنة مروَّية ولا أثر محكي، وما لا أصل له لا يعرج عليه، قال مجاهد: إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت، ثم انظر إلى الكعبة، ثم قل: اللهم لا تجعله آخر العهد.
وإذا حاضت المرأة قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية بالاتفاق، وإذا حاضت أو نفست عند الإحرام اغتسلت للإحرام وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وعلى هذا فلا تُلزم بطواف القدوم ولا بقضائه، وإذا كانت متمتعة ثم حاضت قبل الطواف للعمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت لأن الطواف بالبيت صلاة، وهي ممنوعة من دخول المسجد فإن خشيت فوات الحج أحرمت بالحج مع عمرتها، وإذا حاضت بعد الوقوف بعرفة وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لطواف الصدر، فليس على المرأة الحائض وداع ولا فدية إذا حاضت قبل أن تودع، وإذا اضطرت اضطراراً شديداً لمغادرة مكة قبل انتهاء مدة الحيض، أو النفاس ولم تكن قد طافت طواف الإفاضة، فتغتسل وتشد الحفاظ، شداً محكماً، ثم تطوف بالبيت سبعاً طواف
الإفاضة، ثم تسعى بين الصفا والمروة سبعاً، وعليها ذبح بدنة وذلك تقليداً للحنفية الذين يقولون بصحة الطواف حينئذ، مع الحرمة، ووجوب إهداء البدنة.
وسنن الطواف: استلام الحجر الأسود وتقبيله بلا صوت، والدعاء، والرَّمَل للرجال، والاضطباع عند الجمهور - غير مالك - والدُّنو من البيت للذكور، ومن سنن الطواف عند الشافعية والحنابلة: المشي لقادر عليه، وصلاة ركعتي الطواف بعده، وصلاة الركعتين واجب عند الحنفية.
وشروط طواف الإفاضة عند الحنفية خمسة: نية الطواف، وأن يطوف القادر ماشياً، وأن يقع الطواف حول البيت، وداخل المسجد، وبعد فجر يوم النحر، وأن يطوف المقدار المفروض منه وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع أما الإكمال إلى سبعة فهو واجب، وزاد المالكية: الطهارة من الحدث والنجس، وستر العورة، وكون الطواف سبعة أشواط، والابتداء بالحجر الأسود، وجعل البيت عن يساره، والموالاة، وصلاة ركعتين بعد الطواف، ولم يعتبروا النية والمشي من الشروط. وأوصل الحنابلة شروط الطواف إلى أربعة عشر شرطاً.
انظر: (فتح القدير)، (المجموع 8/ 12 فما بعد)، (الشرح الصغير 2/ 42)(والمغني 2/ 370)(والفقه الإسلامي 3/ 142 فما بعد).