الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرض الإجمالي
القتال كريه للنفس، قال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (1) ولكنه لابد منه. فما دام هناك ظلم وبغي واعتداء على الأنفس والأموال والأعراض والأديان فلابد من قتال وإلا فإن العدل يضيع، وإن الحق يضيع، وإن الحرية تضيع. قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (2) وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (3) وقال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (4).
وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5).
وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (6).
وبما أنه لا تزول العقبات أمام إيصال الدين الحق، وأمام حرية الإنسان في اختياره إلا إذا كان السلطان لكلمة الله، فقد أمر الله بالقتال لتكون كلمة الله هي العليا، وقد قاتل المسلمون زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلافة الراشدة أصنافاً من الناس لتكون كلمة الله هي العليا، ولم يكن ذلك لإكراه الناس (7) على الإسلام.
قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (8). ولكن إما لإزالة الحواجز وإما لإنهاء أوضاع غير معقولة، وإما لإيصال كلمة الله إلى الخلق بحرية كاملة.
وقد قاتل المسلمون في مرحلتي النبوة والخلافة الراشدة أنواعاً من القتال: قتالاً
(1) سورة البقرة آية: 216.
(2)
سورة الحج آية: 40.
(3)
سورة البقرة آية: 251.
(4)
سورة الشورى آية: 41.
(5)
سورة البقرة آية: 190.
(6)
سورة الحجرات آية: 9.
(7)
استثنى الفقهاء من عدم جواز الإكراه، العرب الوثنيين، فهؤلاء لهم حكم خاص.
(8)
سورة البقرة آية: 256.
هجومياً، وقتالاً دفاعياً. وقتالاً وقائياً، وقاتلوا على طريقة حرب العصابات وعلى طريقة الجيوش، وقاتلوا بغاة. وقاتلوا خوارج، وكل ذلك كان له ما يدل عليه من النصوص، وكل ذلك سوابق تستهدي بها الأمة فيما يواجهها. فمن النصوص التي يستهدي بها في حرب العصابات مثلاً قوله تعالى:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} (1): وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
وقد جعل الفقهاء القتال على أضْرب فمنه: فرض كفاية، ومنه فرض عين، ومنه جائز.
فأما فرض الكفاية: فذلك قتال يراد به توسعة دار الإسلام، قال تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (3). فالأصل بين دار الإسلام ودار الكفر هو الحرب.
ولا تنتهي حالة الحرب إلا في صور خمسة:
أولاً: الإسلام.
ثانياً: العهد.
ثالثاً: الأمان.
رابعاً: الخضوع بإعطاء الجزية.
خامساً: الهدنة، ويبدو أن ظروف عصرنا تفرض على المسلمين أن تكون علاقتهم مع كثير من ديار الكفر علاقة معاهدات، وأصلاً فإن التزام دول العالم كلها بميثاق الأمم المتحدة يعتبر معاهدة عامة للبشرية. فإذا التزم المسلمون به فلا يحق لهم أن يقاتلوا ابتداءً إلا إذا كانت خيانة أو كان غدر أو كان إعداد لغدر.
وأما فرض العين فمن صوره: قتال الحاكم إذا أظهر الكفر البواح وكان قتاله مستطاعاً، فإن لم يكن قتاله مستطاعاً للجميع فعلى طريقة حرب العصابات، ويكون قتاله في حق
(1) سورة النساء آية: 71.
(2)
سورة النساء آية: 84.
(3)
سورة التوبة آية: 123.
بعض الناس فريضة عينية وهذا النوع من القتال يحتاج إلى موازنات كثيرة، وفتيا من أهلها، وقرار من أهله.
ومن صور فرض العين: أن يقاتل المسلمون من اعتدى على ديارهم أو جزء منها أو أسر بعضاً منهم، فإن كان ينتهي الاعتداء بقتال جزء من الأمة فعلى هؤلاء أن يقاتلوا وإلا فقد افترض على المسلمون جميعاً فريضة عينية أن يقاتلوا، وهناك صور أخرى لما يدخل في فريضة القتال عيناً أو كفاية.
وأما القتال الجائز: فهناك صور يجوز للإنسان أن يتساهل فلا يقاتل، ويجوز له أن يقاتل، فإذا أراد أحد من المسلمين قتل مسلم آخر، وكان المرادُ قتله لا يستطيع منعه من القتل فله أن يقاتل وله أن يستسلم.
والقتال ضمن حد معين يتطلب تدريباً وإعداداً وعتاداً، وهذا كله يقتضي تنظيماً، ومن هاهنا نشأت فكرة الجيوش النظامية، والصناعات الحربية، والبحث عن فنون في القتال واختيار أفضل الوسائل والأساليب لكل شيء يتعلق بالحرب، ووجدت العلوم العسكرية التي تكاد تصل إلى مائة علم. ووجد ما يسمى بعلم الاستراتيجية العسكرية، وعلم الحركة العسكرية، وعلم العمليات العسكرية، وهذا كله داخل في التكليف الإلهي للمسلم قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (1).
فـ (من) في الآية: لبيان الجنس، فيدخل في القوة كل ما يمكن أن يسمى قوة، ويدخل في رباط الخيل كل ما يركب للمعركة، ويدخل في الآية أن علينا أن نعد كل ما يرهب عدواً، فدخل في التكليف إعداد كل أنواع ما يُرمى به وكل ما يساعد على القتال وكل ما يعطينا تفوقاً على العدو، كالدبابات، والطائرات، والبوارج، والصواريخ، والمدفعية، والتنظيم والإدارة إلى غير ذلك.
ولا قتال إلا بإرادة قتال، ولا إرادة قتال إلا بحب الشهادة في سبيل الله. ولذلك كان للشهيد فضله وأجره. ويترتب على القتال آثار تحتاج إلى معرفة أحكامها، وهكذا يتوضع
(1) سورة الأنفال آية: 60.