الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم إعلام بالإغارة (1).
وهذا الفهم يتفق مع السنن والعقل والمنطق العسكري، وقضية تبييت العدو ثابتة في السنة في أكثر من حديث (2).
ثالثاً: في وسائل مقاتلة العدو:
1 - الأسلحة المستعملة، وحكم التدمير والتخريب:
لا شك أن الإسلام دين الرحمة ومقصده الأسمى إنقاذ الإنسانية وهدايتها إلى صراط الله المستقيم، ومهما أمكن تجنب الحرب طريقاً للوصول إلى إقامة شرع الله كان ذلك أحب، بل لا يجوز -كما رأينا - المبادأة دون استنفاد أسباب الدعوة إلى الله، لكن إذا تحتمت الحرب طريقاً للدعوة وإقامة حكم الله فما هي الأسلحة التي يجوز استعمالها؟
في صدر الإسلام كما هو معروف كانت الأسلحة المستعملة محدودة التأثير والانتشار، تقتصر في الغالب على أرض المعركة والمشتركين فيها، إلا في حالات محدودة كنصب المنجنيق وتسميم المياه ونحو ذلك، ولاحظنا أن المسلمين استعملوا ما تيسر لهم من أسلحة في سبيل إخضاع العدو لحكم الله.
وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، إلا أن سند هذه الرواية ضعيف، مع كون رواة السير ذكروا ذلك (3).
ومما هو متفق عليه جواز استعمال الأسلحة التي يقتصر تأثيرها على أرض المعركة والمقاتلين المباشرين للقتال.
فما حكم استعمال أسلحة يتعدى تأثيرها على المباشرين للقتال من أسلحة التدمير؟ نقول: ههنا حالتان:
الأولى: أن يستعمل العدو هذه الأسلحة:
(1) شرح النووي على مسلم: 13/ 35.
(2)
انظر فتح الباري 6/ 146.
(3)
انظر نصب الراية: 3/ 382.
فههنا لابد من مقابلة العدو بالمثل ردعاً له إن أمكن أو إخضاعاً إن لزم الأمر، لقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (1){وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (2).وقد أوصى أبو بكر خالد بن الوليد فقال: "إذا لقيت عدوك فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به"، وهذا يوجب على المسلمين أن يمتلكوا الأسلحة التي تكافئ العدو وتردعه.
أما في حالة عدم استعمال العدو لها: فههنا احتمالان:
الأول: أن يمكن ردع العدو دون استعمالها، وإقامةُ شرع الله، فههنا لا يجوز استعمال الأسلحة التي يتعدى أثرها المقاتلين وتزيد عن حاجة المعركة.
وقد نص المالكية وغيرهم على هذا، من ذلك قولهم:"وقاتلوا بجميع أنواع السلاح إن لم يكن غيرها، وإلا لم يقاتلوا بها" أي إذا أمكن تحقيق المراد دون استعمال جميع أنواع السلاح.
الاحتمال الثاني: ألا يمكن تحقيق المراد إلا باستعمال أسلحة التدمير فما الحكم؟ بين الفقهاء أنه لا بأس عند الضرورة الحربية بإحراق حصون العدو بالنار وإغراقها بالماء وتخريبها وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ونصب المجانيق ونحها من وسائل القتال الحديثه البرية والبحرية والجوية، وإن كان فيهم مسلمون من الأسارى والتجار، لأن رميهم ضرورة، ويُقصدُ الكفارُ بالضرب لا المسلمون، لأنه لا ضرورة في القصد إلى قتل مسلم بغير حق، وكذا يجوز ضرب الكفار إن تترَّسوا بأطفال المسلمين وأسراهم، للضرورة وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم، لكن يقصد الكفار بالضرب، وإن أصيب مسلم فلا دية ولا كفارة (3).
وقال النووي: يجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع وإرساء الماء عليهم ورميهم بنار ومنجنيق (4).
(1) سورة البقرة آية: 194.
(2)
سورة الشورى: 40.
(3)
انظر البدائع 7/ 100، وفتح القدير 5/ 447، والفقه الإسلامي 6/ 423.
(4)
مغني المحتاج 4/ 223.