الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأخذ عَنْهُ عشرين حديثاً، فلقيه صاحبٌ لَهُ وَهُوَ راجع، فسأله رؤيتها، وَكَانَ ثمة ريح شديدة، فذهبت بالأوراق من يد الرجل، فصار هشيم يحدّث بِمَا علق مِنْهَا بذهنه، وَلَمْ يَكُنْ أتقن حفظها، فوهم في أشياء مِنْهَا، ضعف حديثه بسببها (1) خاصة في الزهري (2). فهذا أمر طارئ عَلَى هشيم وَهُوَ ثقةٌ من الثقات الكبار النبلاء أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة (3) لكنه ضُعِّفَ خاصةً في الزهري لهذا الطارئ الَّذِيْ طرأ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ الحافظ ابن حجر (4):((أما روايته عَنْ الزهري فليس في الصحيحين مِنْهَا شيءٌ)) (5).
وكذلك يختلف حال ضبط الرَّاوِي باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه، أو بسبب حدوث ضياعٍ في بعضِ ما كتبه عَنْ بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت الناس في هَذَا الشيخ خاصة.
ومما يذكر في الظروف الطارئة ما حصل لمؤمل بن إسماعيل (6) إِذْ كَانَ قَدْ دفن كتبه، ثُمَّ حدث من حفظه فدخل الوهم والاختلاف في حديثه (7).
ثالثاً. الاختلاط:
الاختلاط لغة: يقال خلطت الشيء بغيره خَلْطاً فاختلط، وخالطهُ مخالطةً وخِلاطاً، واختلط فلانٌ، أي: فسد عقلُهُ، والتخليط في الأمر: الإفساد فِيْهِ والمختلط من الاختلاط، واختلط عقله إذا تغير، فهو مختلط، واختلط عقله: فسد (8).
=
الْمَعْرِفَة والتاريخ 1/ 47، والجرح والتعديل 9/ 115، والتقريب (7312).
(1)
هَذِهِ القصة ساقها الْخَطِيْب في تاريخ بغداد 14/ 87، والذهبي في الميزان 4/ 308، ونقلها السيوطي في تدريب الرَّاوِي 1/ 129.
(2)
لذا قَالَ الذهبي في " الميزان " 4/ 306: ((هُوَ ليّن في الزهري)).
(3)
تهذيب الكمال 7/ 418.
(4)
هُوَ أحمد بن علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكناني العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ، علم الأعلام، حافظ العصر، لَهُ:" فتح الباري " و" تهذيب التهذيب " و " تقريبه " وغيرها، ولد سنة (773 هـ)، وتوفي سنة (852 هـ). طبقات الحفاظ: 552 (1190)، ونظم العقيان: 45 و 51، وشذرات الذهب 7/ 270.
(5)
هدي الساري: 449.
(6)
هُوَ مؤمل بن إسماعيل، أبو عَبْد الرحمان البصري، مولى آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حافظ عالم يخطئ، قَالَ عَنْهُ أبو حاتم: صدوق، شديد في السنة، كثير الخطأ، توفي سنة (206 هـ).
التاريخ الكبير 8/ 49، وميزان الاعتدال 4/ 228، وسير أعلام النبلاء 10/ 110 و 111.
(7)
تهذيب الكمال 7/ 284، والكاشف 2/ 309، وسيأتي الْحَدِيْث تفصيلاً عن أحد أوهامه.
(8)
انظر: الصحاح 3/ 1124،وأساس البلاغة:172،واللسان 7/ 295، وتاج العروس 19/ 267 (خلط).
أما في اصطلاح المحدثين: فَقَدْ قَالَ السخاوي (1): ((وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرضٍ من موت ابن وسرقة مالٍ كالمسعودي (2)، أو ذهاب كتب كابن لهيعة (3)، أَو احتراقها كابن الملقن (4))) (5).
إذن الاختلاط: آفة عقلية تورث فساداً في الإدراك، وتصيب الإنسان في آخر عمره، أو تعرض لَهُ بسبب حادث لفقد عزيز أو ضياع مالٍ؛ ومن تصبه هَذِهِ الآفة لكبر سِنّهِ يقال فِيْهِ: اختلط بأخرة، ويقال: بآخره (6).
فالاختلاط قَدْ يطرأ عَلَى كثير من رواة الْحَدِيْث النبوي مِمَّا يؤثر عَلَى روايته أحياناً فيدخل في رِوَايَته الوهم والخطأ مِمَّا يؤدي ذَلِكَ بالمحصلة النهائية إلى وجود الاختلاف بَيْنَ الروايات. ثُمَّ من كَانَ مختلطاً فدخل الوهم في حديثه لا تضر روايتُه رِوَايَةَ الثقات الأثبات؛ إِذْ إنّ الرِّوَايَة الصَّحِيْحَة لا تُعلُّ بالرواية الضعيفة، فرواية المختلط ضعيفة لا تقاوم رِوَايَة الثقات، ولا تصلح للحجية إلا إذا توبع المختلط في روايته أَوْ كَانَتْ روايته مِمَّا حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط. وعلماؤنا الأجلاء أحرقوا أعمارهم شموعاً تضيء لنا الطريق من أجل بَيَان كُلّ ما يدخل الْحَدِيْث من خطأ ووهم واختلاف، إِذْ إنّ مَعْرِفَة المختلطين لَيْسَ بالأمر السهل بَلْ هُوَ أمرٌ شاقٌ عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ للغاية، بَلْ كَانَ
(1) هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن مُحمد السخاوي، المحدث المؤرخ، حضر إملاء الحافظ ابن حجر، أصله من " سخا " من قرى مصر، ولد سنة (831 هـ)، وتوفي سنة (902 هـ).
نظم العقيان: 152، وشذرات الذهب 8/ 15، والأعلام 6/ 194.
(2)
هُوَ عَبْد الرحمان بن عَبْد الله بن عتبة بن عَبْد الله بن مسعود المسعودي الهذلي، أحد الأئمة الكبار: سيء الحفظ، توفي سنة (160هـ). التاريخ الكبير5/ 314، وتاريخ بغداد 10/ 218، وميزان الاعتدال 2/ 574.
(3)
هُوَ عَبْد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي، أبو عَبْد الرحمن المصري، القاضي: صدوق، خلط بَعْدَ احتراق كتبه. توفي سنة (174 هـ). طبقات ابن سعد 7/ 516 و 517، والضعفاء الكبير، للعقيلي 2/ 293، والتقريب (3563).
(4)
هُوَ عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الأندلسي، ثُمَّ المصري، ولد سنة (723 هـ)، كَانَ أكثر أهل زمانه تصنيفاً، من مصنفاته " طبقات الْمُحَدِّثِيْنَ " و " البدر المنير " وغيرهما، توفي سنة (804 هـ). طبقات الحفاظ: 542 (1173)، وشذرات الذهب 7/ 44و45، والأعلام 5/ 57.
(5)
فتح المغيث 3/ 277.
(6)
يقال: ((تغير بآخرهِ)) بمد الهمزة وكسر الخاء والراء، بعدها هاء. و ((تغيّر بآخِرَة)) بمد الهمزة أَيْضاً وكسر الخاء وفتح الراء، بعدها تاء مربوطة. و ((تغير بأخرة)) بفتح الهمزة والخاء والراء، بعدها تاء مربوطة. أي: اختل ضبطه وحفظه في آخر عمره وآخر أمره. إفادة من تعليق الشيخ عَبْد الفتاح أبو غدة رحمه الله عَلَى كتاب قواعد في علوم الْحَدِيْث: 249. وانظر: لسان العرب 4/ 14، وتاج العروس 10/ 36، والتعليق عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 494.
الْمُحَدِّثُوْنَ أحياناً يعيدون سَمَاع الأحاديث نفسها الَّتِيْ سمعوها من ذَلِكَ الشَّيْخ من أجل أن يعرفوا ويحددوا الاختلاط من عدمه، ويحددوا وقت الاختلاط؛ لِذَلِكَ قَالَ حماد بن زيد (1):((شعبة كَانَ لا يرضى أن يَسْمَع الْحَدِيْث مرة يعاود صاحبه مراراً)) (2). ومما يذكر في هَذِهِ الباب ما قَالَهُ حماد ابن زيد: قَالَ: حَدَّثَنِي عمرو بن عبيد الأنصاري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الزعيزعة (3) -كاتب مروان (4) - أن مروان أرسل إلى أبي هُرَيْرَة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير وأنا أكتب، حَتَّى إذا كَانَ رأس الحول، دعا بِهِ فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله من ذَلِكَ الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر (5).
وروى الحافظ أبو خيثمة زهير (6) بن حرب في "كتاب العلم"(7) قَالَ: حَدَّثَنَا جرير (8)، عَنْ عمارة بن القعقاع (9)، قَالَ: قَالَ لي إبراهيم (10): حَدِّثنِي عَنْ أبي زرعة (11)
(1) هُوَ حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري: ثقة ثبت فقيه، مولى آل جرير بن حازم، ولد سنة (98 هـ) وتوفي سنة (179 هـ).
تهذيب الكمال 2/ 274 (1465)، وسير أعلام النبلاء 7/ 456، والتقريب (1498).
(2)
الجرح والتعديل 1/ 168.
(3)
هُوَ سالم أبو الزعيزعة مولى مروان بن الحكم، وكاتبه وكاتب ابنه عَبْد الملك بن مروان، وَكَانَ عَلَى الرسائل لعبد الملك وولاه الحرس. تاريخ دمشق 20/ 88. وورد في تاريخ البخاري 9/ 33 (289)، والجرح والتعديل 9/ 375 (1734) أبو الزعزعة.
(4)
هُوَ مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، ولد بَعْدَ الهجرة بسنتين وَقِيْلَ بأربع، وَلَمْ يصح لَهُ سَمَاع عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (65 هـ).
تهذيب الكمال 7/ 71 (6462)، والبداية والنهاية 8/ 206، والتقريب (6567).
(5)
أخرج هَذِهِ القصة الْحَاكِم في المستدرك 3/ 510، وابن عساكر في تاريخ دمشق 20/ 89، والذهبي في سير أعلام النبلاء 2/ 598.
(6)
هُوَ أبو بكر، أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب النسائي الأصل، كَانَ ثقة عالماً متقناً حافظاً بصيراً بأيام الناس، راوية للأدب، من مصنفاته كتاب " التاريخ " الَّذِي أحسن تصنيفه وأكثر فائدته، توفي سنة (279 هـ). انظر: تاريخ بغداد 4/ 162، ومعجم الأدباء 3/ 35 - 36، وسير أعلام النبلاء 11/ 493.
(7)
العلم: 16 (56)، ونقله عَنْهُ الترمذي في علله الصغير 6/ 240 آخر الجامع.
(8)
هُوَ جرير بن عَبْد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري: ثقة صَحِيْح الكِتَاب، توفي سنة (188 هـ). تهذيب الكمال 1/ 447 و 450 (901)، وسير أعلام النبلاء 9/ 9، والتقريب (916).
(9)
هُوَ عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي: ثقة.
سير أعلام النبلاء 6/ 140، وتهذيب الكمال 5/ 329 (4785)، والتقريب (4859).
(10)
هُوَ الإمام الحافظ إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمران الكوفي: ثقة، توفي (196 هـ).
طبقات ابن سعد 6/ 270 وسير أعلام النبلاء 4/ 520، والتقريب (270).
(11)
هُوَ أَبُو زرعة بن عمرو بن جرير بن عَبْد الله البجلي الكوفي قِيْلَ اسمه كنيته، وَقِيْلَ: اسمه هرم،
=
فإني سألته عَنْ حَدِيْث، ثُمَّ سألته عَنْهُ بَعْدَ سنتين فما أخرم (1) مِنْهُ حرفاً)).
وهذا نوع من أنواع الكشف عَنْ الخلل المتوقع طرؤه عَلَى المحدّث عِنْدَ تقدم السَّمَاع لَهُ، وكانت ثمة طرق أخرى للمحدّثين يستطيعون من خلالها الكشف عَنْ حال المحدّث، وهل طرأ لَهُ اختلاط في ما يرويه أَوْ بعض ما يرويه أم أنه حافظ ومتقن لما يروي ويحدّث؟
ومن طرق الْمُحَدِّثِيْنَ في مَعْرِفَة اختلاط الرُّوَاة: أن الناقد مِنْهُمْ كَانَ يدخل عَلَى الرَّاوِي ليختبره فيقلب عَلَيْهِ الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فإن لَمْ ينتبه الشيخ لما يراد بِهِ فإنه يعد مختلطاً ويعزف الناس عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ، ومما يذكر في هَذِهِ البابة ما أسند إلى يحيى بن سعيد قَالَ:((قدمت الكوفة وبها ابن عجلان (2) وبها ممن يطلب الْحَدِيْث: مليح بن وكيع (3) وحفص بن غياث (4) وعبد الله بن إدريس (5) ويوسف بن خالد السمتي (6)، فقلنا: نأتي ابن عجلان، فَقَالَ يوسف بن خالد: نقلب عَلَى هَذَا الشيخ حديثه، ننظر تفهُّمه، قَالَ: فقلبوا فجعلوا ما كَانَ عَنْ سعيد عَنْ أبيه، وما كَانَ عَنْ أبيه عَنْ سعيد، ثُمَّ جئنا إِلَيْهِ، لَكِنْ ابن إدريس تورّع وجلس بالبابِ وَقَالَ: لا استحلُّ وجلست مَعَهُ. ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح فسألوه فمرّ فِيْهَا، فلما كَانَ عِنْدَ
=
وَقِيْلَ: عَمْرو: ثقة.
طبقات ابن سعد 6/ 297، وسير أعلام النبلاء 5/ 8، والتقريب (8103).
(1)
أي: ما نقص وما غير، قَالَ في الصحاح 5/ 1910:((ما خرمت مِنْهُ شَيْئاً، أي: ما نقصت وما قطعت))، وفي المعجم الوسيط 1/ 230:((ويقال: ما خرم من الْحَدِيْث حرفاً: ما نقص، وفي حَدِيْث سعد: ما خرمت من صلاة رَسُوْل الله شَيْئاً)). وانظر: النهاية 2/ 27.
(2)
هُوَ مُحَمَّد بن عجلان، أبو عَبْد الله القرشي: صدوق إلا أنه اختلطت عَلَيْهِ أحاديث أبي هُرَيْرَة، توفي سنة (148 هـ).
طبقات خليفة: 270، والتاريخ الكبير 1/ 196، والجرح والتعديل 8/ 49، والتقريب (6136).
(3)
هُوَ مليح بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي أخو وكيع بن الجراح. التاريخ الكبير 8/ 10، والثقات 9/ 194 ..
(4)
هُوَ حفص بن غياث بن طلق، أبو عمر النخعي: ثقة مأمون، توفي سنة (194 هـ). التاريخ ليحيى بن معين رِوَايَة الدوري 2/ 121، وطبقات ابن سعد 6/ 389، والجرح والتعديل 3/ 185.
(5)
هُوَ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن إدريس الأودي: ثقة فقيه عابد، توفي سنة (192 هـ). تاريخ يحيى بن معين رِوَايَة الدوري 2/ 295، وطبقات ابن سعد 6/ 389، والتاريخ الكبير 5/ 47.
(6)
هُوَ يوسف بن خالد السمتي، أبو خالد البصري، مولى صخر بن سهل، قَالَ النسائي: بصري متروك الْحَدِيْث، وكذّبه ابن معين، توفي سنة (189 هـ).
الكامل 8/ 490، وتهذيب الكمال 8/ 190 (7729)، والتقريب (7862).
آخر الكتاب انتبه الشيخ فَقَالَ: أعد العرض (1)، فعرض عَلَيْهِ فَقَالَ: ما سألتموني عَنْ أبي فَقَدْ حَدَّثَنِي سعيد بِهِ، وما سألتموني عَنْ سعيد فَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ أبي، ثُمَّ أقبل عَلَى يوسف بن خالد فَقَالَ: إن كُنْتَ أردت شيني وعيبِي فسلبك الله الإسلام، وأقبل عَلَى حفص فَقَالَ: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل عَلَى مليح فَقَالَ: لا نفع الله بعلمك. قَالَ يحيى: فمات مليح وَلَمْ ينتفع بِهِ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج (2) وبالقضاء في دينه، وَلَمْ يمت يوسف حَتَّى اتُّهمَ بالزندقة (3).
وعلى الرغم من اختلاف العلماء في جواز ذَلِكَ وعدمه (4)، إلاّ أنهم استطاعوا أن يحددوا في كثير من الأحيان الفترة الزمنية الَّتِيْ دخل فِيْهَا الاختلاط عَلَى هَذَا الرَّاوِي، كَمَا حددوا اختلاط إسحاق بن راهويه (5) بخمسة أشهر، فَقَالَ أبو داود (6):((تغيّر قَبْلَ أن يموت بخمسة أشهر، وسمعتُ مِنْهُ في تِلْكَ الأيام فرميت)) (7). وكذلك حددوا وقت اختلاط جرير بن حازم (8)، قَالَ أبو حاتم (9): ((تغيّر قَبْلَ موته
(1) العرض: هُوَ القراءة عَلَى المحدث. انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: طبعة نور الدين: 122، و294 طبعتنا.
(2)
قَالَ في المعجم الوسيط 2/ 699: ((شلل يصيب أحد شقي الجسم طولاً))، وانظر: اللسان 2/ 155، وتاج العروس 6/ 159 (فلج).
(3)
أسنده الرامهرمزي في المحدّث الفاصل: 398 - 399 (408).
(4)
قَالَ المعلمي في التنكيل 1/ 236: ((والتلقين: هُوَ أن يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين، فإن كَانَ إنما فعل ذَلِكَ امتحاناً للشيخ وبيّن ذَلِكَ في المجلس لَمْ يضره))
وسيأتي الْحَدِيْث عَنْ هَذَا في الفصل مبحث القلب، الصفحة.
(5)
إسحاق بن إبراهيم بن مُحَمَّد الحنظلي، المروزي، أَبُو يعقوب المعروف بابن راهويه، الإِمَام الحَافِظ الكبير، محدث خراسان سكن نيسابور، قرين أحمد بن حنبل، ولد سنة (161 هـ)، وَقِيْلَ:(166 هـ)، ومات سنة (238 هـ)، لَهُ " المسند ". انظر: حلية الأولياء 9/ 234، وسير أعلام النبلاء 11/ 358، وطبقات الفقهاء:108.
(6)
هُوَ سليمان بن الأشعث بن شداد الأزدي السجستاني صاحب السنن، وَقَالَ إبراهيم الحربي: ألين لأبي داود الْحَدِيْث كَمَا ألين لداود الحديد، ولد سنة (202 هـ)، وتوفي سنة (275 هـ).
وفيات الأعيان 2/ 404، وسير أعلام النبلاء 13/ 203، والعبر 2/ 60.
(7)
تاريخ بغداد 6/ 355. وانظر: تهذيب الكمال 6/ 353، وميزان الاعتدال 1/ 183، والمختلطين: 9 (6)، والاغتباط: 3 (8)، والكواكب النيرات: 89 (4).
(8)
هُوَ جرير بن حازم بن زيد الأزدي، أبو النضر البصري: ثقة لَكِنْ في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إِذَا حدّث من حفظه. الجرح والتعديل 2/ 504، وسير أعلام النبلاء 7/ 98، والتقريب (911).
(9)
هُوَ الإمام البارع مُحَمَّد بن إدريس، أبو حاتم الرازي الحنظلي صاحب العلل ولد سنة (195 هـ)، وتوفي سنة (277 هـ).
=
بسنة)) (1). وحددوا وقت اختلاط سعيد بن أبي سعيد المقبري (2)، قَالَ ابن سعد (3):((ثقة، إلا أنه اختلط قَبْلَ موته بأربع سنين)) (4).
وعلى الرغم من احتياطات الْمُحَدِّثِيْنَ وإمعانهم في تحديد وقت الاختلاط، فإنهم لَمْ يتمكنوا من تحديد الساعات الأولى لبدء الاختلاط، فالاختلاط - كَمَا سبق - آفة عقلية تبدأ بسيطة ثُمَّ تكبر شَيْئاً فشيئاً، ويتعاظم أمرها بالتدريج، وفي هَذِهِ الفترة الواقعة بَيْنَ بداية الاختلاط وظهوره وتفشيه، يَكُوْن المختلط قَدْ رَوَى أحاديث تناقلها الرُّوَاة عَنْهُ، من غَيْر أن يعرفوا اختلاطه حين أخذهم عَنْهُ، ولربما كَانَ هَذَا الأمر سبباً في دخول الاختلاف والاضطراب في بعض أحاديث الثقات.
غَيْر أن علماء الْحَدِيْث رحمهم الله لَمْ يتركوا قضية الاختلاط والمختلطين عَلَى عواهنها، بَلْ إنهم نقبوا وفتشوا أحوال الرُّوَاة جيدا، وقسموا الرُّوَاة عَنْ المختلطين عَلَى أربعة أقسام:
الأول: الَّذِيْنَ رووا عَنْ المختلط قَبْلَ اختلاطه.
الثاني: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ بَعْدَ اختلاطه.
الثالث: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده، وَلَمْ يميزوا هَذَا من هَذَا.
الرابع: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ اختلاطه وبعده وميزوا هَذَا من هَذَا.
ووضعوا حكماً لكل قسم من هَذِهِ الأقسام: فمن رَوَى عَنْ المختلط قَبْلَ الاختلاط قبلت روايته عَنْهُ، ومن رَوَى عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده، وميز ما سَمِعَ قَبْلَ
=
تاريخ بغداد 2/ 73، وسير أعلام النبلاء 13/ 247، والعبر 2/ 64.
(1)
الجرح والتعديل 2/ 505 الترجمة (2079)، وانظر: المختلطين: 16 (8)، والاغتباط: 46 (17)، والكواكب النيرات: 111 (11).
(2)
الإِمَام المحدّث الثقة: أبو سعد سعيد بن أبي سعيد كيسان الليثي، مولاهم، المدني المقبري، كَانَ يسكن بمقبرة البقيع ونسب إِلَيْهَا. توفي سنة (225 هـ) وَقِيْلَ سنة (223 هـ) وَقِيْلَ غَيْر ذَلِكَ وَكَانَ من أبناء التسعين.
انظر: تهذيب الكمال 3/ 166، وسير أعلام النبلاء 5/ 216، وميزان الاعتدال 2/ 139.
(3)
مُحَمَّد بن سعد بن منيع، الحَافِظ، أبو عَبْد الله وَقِيْلَ: أبو سعد، البصري، كاتب الواقدي، سكن بغداد وظهرت فضائله، وَكَانَ كَثِيْر الْحَدِيْث والرواية كَثِيْر الكتب صنف كتاباً كبيراً في طبقات الصَّحَابَة والتابعين والخالفين إِلَى وقته، توفي سنة (230 هـ).
تاريخ بغداد 5/ 321، وتهذيب الكمال 6/ 320 (5828)، وتاريخ الاسلام: 355 وفيات (230 هـ).
(4)
الطبقات الكبرى (القسم المتمم): 147. وانظر: سير أعلام النبلاء 5/ 217، والمختلطين: 39 (17)، والاغتباط: 61 (44).
الاختلاط قُبِلَ، وَلَمْ يُقبل ما سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط، ومن لَمْ يميز حديثه أو سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط لَمْ تقبل روايته (1).
ولعل الحافظ العراقي كَانَ أشمل في بيان الحكم من غيره، إِذْ قَالَ:((ثُمَّ الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدّث بِهِ في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فَلَمْ ندرِ أحدّث بِهِ قَبْلَ الاختلاط أو بعده؟ وما حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط قُبِلَ، وإنما يتميز ذَلِكَ باعتبار الرُّوَاة عَنْهُمْ، فمنهم من سَمِعَ مِنْهُمْ قَبْلَ الاختلاط فَقَطْ، ومنهم من سَمِعَ بعده فَقَطْ، ومنهم من سَمِعَ في الحالين، وَلَمْ يتميز)) (2).
وَقَدْ قسّم الْمُحَدِّثُوْنَ المختلطين من حَيْثُ تأثير الاختلاط في قبول مروياتهم عَلَى ثلاثة أقسام قَالَ العلائي (3): ((أما الرُّوَاة الَّذِيْنَ حصل لَهُمْ الاختلاط في آخر عمرهم فهم عَلَى ثلاثة أقسام:
أحدها: من لَمْ يوجب ذَلِكَ لَهُ ضعفاً أصلاً، وَلَمْ يحط من مرتبته؛ إما لقصر مدة الاختلاط وقلَّتِهِ كسفيان بن عيينة (4)، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم؛ وإما لأنه لَمْ يروِ شيئاً حال اختلاطه، فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم، وعفان بن مُسْلِم (5)، ونحوهما.
ثانيها: من كَانَ مُتَكلَّماً فِيْهِ قَبْلَ الاختلاط، فَلَمْ يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه؛ كابن لهيعة (6)، ومحمد بن جابر السُّحيمي (7)، ونحوهما.
(1) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 354، وفي طبعتنا: 494، والإرشاد، للنووي 2/ 788، والتقريب، لَهُ: 198، وطبعتنا: 275، والمنهل الروي: 137، واختصار علوم الْحَدِيْث: 244، والشذا الفياح 2/ 744، والمقنع 2/ 663، والعواصم 3/ 101 - 103، وفتح المغيث 3/ 277، وفتح الباقي 3/ 264 الطبعة العلمية و 2/ 323 طبعتنا، وتدريب الراوي 2/ 372، وتوضيح الأفكار 2/ 502.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة الطبعة العلمية 3/ 264، وفي طبعتنا 2/ 329.
(3)
هُوَ خليل بن كيكلدي بن عَبْد الله العلائي الدمشقي، محدث فاضل، ولد في دمشق سنة (694 هـ)، وتوفي في القدس سنة (761 هـ)، من مصنفاته " جامع التحصيل " و " نظم الفرائد " وغيرهما. شذرات الذهب 6/ 190، والأعلام 2/ 321 - 322.
(4)
ينظر في هَذَا مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 497، مع التعليق عَلَيْهِ.
(5)
هُوَ أبو عثمان، عفان بن مُسْلِم بن عَبْد الله الصفار البصري سكن بغداد: ثقة، توفي سنة (219 هـ)، وَقِيْلَ:(220 هـ). الثقات 8/ 522، وتهذيب الكمال 5/ 187 (4553)، وتهذيب التهذيب 7/ 230.
(6)
هُوَ أَبُو عَبْد الرحمان المصري، عَبْد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي الفقيه، قاضي مصر: صدوق، احترقت كتبه فحدّث من حفظه فأخطأ، توفي سنة (174 هـ). تهذيب الكمال 4/ 252 (3501)، والعبر 1/ 264، والتقريب (3563).
(7)
هُوَ مُحَمَّد بن جابر بن سيار السحيمي الحنفي، أَبُو عَبْد الله اليمامي، أصله كوفيٌّ، وَكَانَ أعمى، قَالَ عَنْهُ البخاري: ليس بالقوي، يتكلمون فِيْهِ، رَوَى مناكير، توفي سنة بضع وسبعين ومئة.
=