الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء (حكم المسح عَلَى الجوربين)
اختلف الفقهاء في جواز المسح عَلَى الجوربين عَلَى مذاهب:
المذهب الأول:
ذهب فريق من الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين، روي هَذَا عن: علي (1) بن أبي طالب (2)، وعمار (3) بن ياسر (4)، وأبي (5) مسعود (6)، وأنس بن مالك (7)،
=
فغسل وجهه، ومسح رأسه، وعليه جبة شامية قَدْ ضاقت يداها، فأدخل يده من تحت الجبة، فرفعها عن يديه، ثُمَّ غسل يديه ووجهه، ومسح عَلَى رأسه وخفيه ثُمَّ قَالَ:((ألك حاجة؟))، قلت: لا، قَالَ فركبنا حَتَّى أدركنا الناس)).
الثالث: إن حَدِيْث الإسماعيلي دارت قصته عَلَى الإمام الجهبذ عَبْد الرحمان بن مهدي، وَقَدْ سبق النقل عَنْهُ أنه أعل الْحَدِيْث بتفرد أبي قيس، فلو كانت هَذِهِ القصة ثابتة والواقعة صَحِيْحة لما جعل الحمل عَلَى أبي قيس، وكذلك فإن جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ قَدْ عدوه فرداً لأبي قيس فلو كَانَ حَدِيْث الإسماعيلي ثابتاً لما جزموا بما جزموا.
وفي الْحَدِيْث أمر آخر، وَهُوَ أن راويه عن المغيرة فضالة بن عمرو ويقال: ابن عمير، ويقال: ابن عبيد، لَمْ أجد من وثقه إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات 5/ 296، وأورده البخاري في تاريخه الكبير 7/ 124 (558)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/ 77. وَلَمْ يذكرا فِيْهِ جرحاً ولا تعديلاً، ومن كَانَ حاله هكذا فهو في عداد المجهولين، والله أعلم.
(1)
هُوَ أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأول الناس إسلاماً من الصبيان، أبو الحسن علي بن أبي طالب بن هاشم القرشي الهاشمي، مات شهيداً سنة (40 هـ).
أسد الغابة 4/ 16، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 392 (4636)، والإصابة 2/ 507 و 510.
(2)
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (773)، وابن أبي شيبة (1980) و (1985) و (1986)، وابن سعد في الطبقات 6/ 241، وابن المنذر في الأوسط 1/ 462 (479)، والبيهقي 1/ 285، والمحلى 2/ 84.
(3)
الصَّحَابِيّ الجليل عمار بن ياسر بن كنانة، من السابقين الأولين، توفي سنة (37 هـ).
معجم الصَّحَابَة 11/ 3922، وأسد الغابة 4/ 43، والإصابة 2/ 512.
(4)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن المنذر في الأوسط 1/ 463.
(5)
هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، أبو مسعود البدري، مات قَبْلَ الأربعين وَقِيْلَ بعدها.
تهذيب الكمال 5/ 199 (4573)، وسير أعلام النبلاء 2/ 494، والتقريب (4647).
(6)
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق في المصنف (774)، وابن أبي شيبة (1988)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 462، والبيهقي 1/ 285.
(7)
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (797)، وابن أبي شيبة (1978) و (1982)، والدولابي في الكنى 1/ 181، وابن المنذر في الأوسط 1/ 462، والبيهقي 1/ 285، وابن حزم في المحلى 2/ 60 و 85.
وعبد الله بن عمر (1)، والبراء (2) بن عازب (3)، وبلال (4) بن رباح (5)، وأبي أمامة (6)، وسهل (7) بن سعد (8).
وَهُوَ مروي عن: نافع (9) وعطاء (10)، وإبراهيم النخعي (11)، وسعيد (12) بن جبير (13)، وسفيان الثوري (14)، وعبد الله بن المبارك (15).
(1) رَوَاهُ عَنْهُ: عبد الرزاق (776)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 462 - 463، وابن حزم في المحلى 2/ 84.
(2)
هُوَ الصحابي بن الصَّحَابِيّ، البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي، يكنى أبا عمارة، توفي سنة (72 هـ).
معجم الصَّحَابَة 2/ 703، والاستيعاب 1/ 139 - 140، والإصابة 1/ 142.
(3)
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (777)، وابن أبي شيبة (1984)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 463، وابن حزم في المحلى 2/ 84.
(4)
بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق، أحد السابقين الأولين الَّذِيْنَ عذبوا في الله، أَذَّنَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم طول حياته، توفي سنة (20 هـ)، وَقِيْلَ:(21 هـ). معجم الصَّحَابَة 2/ 641، وسير أعلام النبلاء 1/ 347، وتاريخ الإِسْلَام: 201 و 205 (عهد الخلفاء الراشدين).
(5)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن المنذر في الأوسط 1/ 463.
(6)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1983) و (1984)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 463.
(7)
هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل أبو العباس سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي، توفي سنة (88 هـ)، وَقِيْلَ:(91 هـ). معجم الصَّحَابَة 5/ 1979، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 244 (2558)، وسير أعلام النبلاء 3/ 422 و 423.
(8)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1990)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 463، وانظر: المحلى 2/ 86.
(9)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1992).
(10)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1991).
(11)
رَوَاهُ عَنْهُ: عبد الرزاق (775)، وابن أبي شيبة (1977)، وانظر: الأوسط، لابن المنذر 1/ 464.
(12)
سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، أَبُو مُحَمَّد ويقال: أبو عَبْد الله الكوفي، وَكَانَ فقيهاً عابداً ورعاً فاضلاً، توفي سنة (95 هـ).
الثقات 4/ 275، وتهذيب الكمال 3/ 141 (2229)، والأعلام 3/ 93.
(13)
رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1989).
(14)
انظر: الجامع الكبير، للترمذي 1/ 44 عقيب (99)، والأوسط 1/ 464، والمحلى 2/ 86، وبداية المجتهد 1/ 14.
(15)
انظر المصادر السابقة.
وإليه ذهب: داود (1)(2)، وابن حزم (3).
وذهب بعض الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين إلا أنهم اشترطوا أن يَكُوْن الجوربان صفيقين.
وَهُوَ مروي عن سعيد بن المسيب (4)، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة (5)، والشافعي (6)، وأحمد (7).
وَقَالَ الإمام مالك بالجواز إذا كَانَ أسفلهما مخرزاً بجلد (8).
المذهب الثاني:
وَهُوَ عدم الجواز، وَهُوَ مروي عن: مجاهد، وعمرو بن دينار (9)، والحسن بن مُسْلِم (10)، وعطاء في آخر قوليه (11)، والأوزاعي (12).
وَهُوَ المشهور عن مالك (13).
واحتج من قَالَ بالجواز مطلقاً بحديث أبي قيس السابق، وَقَدْ تقدم ما فِيهِ،
(1) هُوَ الإمام، رئيس أهل الظاهر داود بن علي بن خلف،، أَبُو سليمان البغدادي المعروف بالأصبهاني، ولد سنة (202 هـ)، وَقِيْلَ:(200 هـ)، وَقِيْلَ:(201 هـ) لَهُ الكثير من المصنفات مِنْهَا: "الإيضاح " و " الأصول "، توفي سنة (270 هـ).
الأنساب 4/ 77، ووفيات الأعيان 2/ 255 و 256 و 257، وسير أعلام النبلاء 13/ 97.
(2)
المحلى 2/ 86.
(3)
المحلى 2/ 86.
(4)
انظر: فقه الإمام سعيد 1/ 98 لشيخنا العلامة الدكتور هاشم جميل.
(5)
هَذَا القَوْل قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيْفَة في آخر عمره، وَهُوَ مذهب أبي يوسف ومحمد. انظر: تبيين الحقائق 1/ 52، والمبسوط 1/ 102، وبدائع الصنائع 1/ 10، والاختيار 1/ 25، والهداية 1/ 30.
(6)
الأم 1/ 34، والحاوي 1/ 444، والمجموع 1/ 499.
(7)
المقنع: 15، والمغني 1/ 298، وشرح الزركشي 1/ 206.
(8)
نقل هَذَا عَنْهُ ابن القاسم، وَقَالَ بَعْدَ نقله:((رجع عَنْهَا فَقَالَ: لا يمسح)). انظر: المدونة 1/ 40، والكافي 1/ 27، والتمهيد 11/ 156 - 157، والاستذكار 1/ 264.
(9)
الثقة الثبت أبو مُحَمَّد الأثرم الجمحي، عمرو بن دينار المكي، توفي سنة (126 هـ).
تهذيب الكمال 5/ 408 (4949)، وسير أعلام النبلاء 5/ 300، والتقريب (5024).
(10)
هُوَ أبو علي الحسن بن مُسْلِم بن أَبِي الحسن الفارسي الحوري العراقي، كَانَ زاهداً، توفي سنة (594 هــ).سير أعلام النبلاء 21/ 301 و 302، وتاريخ الإِسْلَام: 158 - 159 وفيات (94 هـ)، وشذرات الذهب 4/ 316.
(11)
نقله عَنْهُمْ ابن المنذر في الأوسط 1/ 465.
(12)
الأوسط 1/ 465، وشرح السنة 1/ 458.
(13)
انظر: المدونة 1/ 40،والكافي 1/ 27، والتمهيد 11/ 157، والاستذكار 1/ 264، وبداية المجتهد 1/ 14.
واحتجوا كذلك:
1 -
بما روي عن أبي موسى الأشعري؛ أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح عَلَى الجوربين والنعلين. رَوَاهُ: ابن ماجه (1)، والطحاوي (2)، والبيهقي (3).
ويجاب عَنْهُ: بأنه ضعيف؛ لأن في سنده عيسى بن سنان الحنفي، وفيه مقال (4)، ثُمَّ إن أبا داود قَدْ حكم عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع (5)، وبيّن البيهقي هَذَا الانقطاع وَهُوَ أن الضحاك بن عَبْد الرحمان (6) لم يثبت سماعه من أبي موسى (7).
2 -
واحتجوا بما ورد عن راشد بن سعد (8)، عن ثوبان قَالَ: بعث رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شكوا إِلَيْهِ ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا عَلَى العصائب والتساخين. أخرجه: الإمام أحمد (9)، وأبو داود (10)، والطبراني (11)، وأبو (12) عبيد (13)، والحاكم (14)، والبيهقي (15)، والبغوي (16).
(1) في سننه (560).
(2)
في شرح معاني الآثار 1/ 97.
(3)
السنن الكبرى 1/ 284 - 285.
(4)
قَالَ ابن القطان: ((لَمْ تثبت عدالته، بَلْ ضعفه ابن حَنْبَل وابن معين)). بيان الوهم والإيهام 3/ 600 - 601 (1403)، وَقَالَ ابن حجر في التقريب (5295):((لين الْحَدِيْث)).
(5)
سنن أبي داود 1/ 41 عقيب (159).
(6)
هُوَ أبو زرعة الضحاك بن عَبْد الرحمان بن أبي حوشب النصري، ويقال: بن حوشب: ثقة.
التاريخ الكبير 4/ 333، وتهذيب الكمال 3/ 475 (2906)، والتقريب (2970).
(7)
السنن الكبرى 1/ 285، وانظر: تحفة الأحوذي 1/ 331.
(8)
راشد بن سعد المقرائي الحمصي: ثقة، كثير الإرسال، توفي سنة (108 هـ).
التاريخ الكبير 3/ 292، وتهذيب الكمال 2/ 445 و 446 (1811)، والتقريب (1854).
(9)
في المسند 5/ 277.
(10)
في سننه (146).
(11)
في مسند الشاميين (477).
(12)
الإمام الثقة أبو عبيد القاسم بن سلاّم البغدادي صاحب التصانيف الجيدة مِنْهَا: " الأموال" و " الناسخ والمنسوخ "، توفى سنة (224هـ).
انظر: الثقات 9/ 16، وتهذيب الكمال 6/ 66 (5381)، والتقريب (5462).
(13)
في غريب الْحَدِيْث 1/ 187.
(14)
في المستدرك 1/ 169.
(15)
في سننه الكبرى 1/ 62.
(16)
في شرح السنة (233)(234).
قَالَ الْحَاكِم: ((هَذَا حَدِيْث صَحِيْح عَلَى شرط مُسْلِم)) (1).
وتعقبه الذهبي في السير بقوله: ((خطأ: فإن الشيخين ما احتجا براشد، ولا ثور (2) من شرط مُسْلِم)) (3).
إلا أن الذهبي أورد الْحَدِيْث من طريق أبي داود وَقَالَ: ((إسناده قويٌّ)) (4).
لَكِنْ أعلَّ بعض أهل العلم هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع فَقَدْ قَالَ ابن أبي حاتم: ((أنبأنا عَبْد الله بن أحمد بن حَنْبَل (5) فِيْمَا كتب إليَّ قَالَ: قَالَ أحمد - يعني ابن حَنْبَل -: راشد ابن سعد لَمْ يَسْمَع من ثوبان)) (6).
وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((قَالَ أبو حاتم: والحربي لَمْ يَسْمَع من ثوبان وَقَالَ
(1) المستدرك 1/ 169.
(2)
ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي الشامي، أبو خالد، ويكنى أَيْضاً: أبا يزيد: ثقة ثبت، إلا أنَّهُ يرى القدر، توفي سنة (153 هـ).
طبقات خليفة: 317، وتهذيب الكمال 1/ 419 (846)، والتقريب (861).
(3)
سير أعلام النبلاء 4/ 491.
فائدة: هنا مسألة ينبغي التنبيه عَلَيْهَا، وَهِيَ: ما شاع وانتشر بَيْنَ الباحثين عِنْدَ نقلهم عن الْحَاكِم تصحيحه لحديث من كتاب المستدرك: ((صححه الحاكم ووافقه الذهبي)) وهذه مسألة لَمْ تكن معروفة عِنْدَ المتقدمين بَلْ شهرها ونشرها علاّمة مصر ومحدّثها الشيخ أحمد شاكر - يرحمه الله -، ثُمَّ طفحت بِهَا كتب الشيخ مُحَمَّد ناصر الدين الألباني، والشيخ شعيب الأرناؤوط، حَتَّى عمّت عِنْدَ أغلب الباحثين.
وهذا خطأ ينبغي التنبيه عَلَيْهِ والتحذير مِنْهُ؛ لأن الإمام الذهبي لَمْ يحقق "المستدرك"، بَل اختصره كَمَا اختصر عدداً من الكتب، وَكَانَ من صنيع هَذَا الإمام العظيم أن يعلق أحياناً عَلَى بعض الأحاديث لا أنّه يريد تحقيقها والحكم عَلَيْهَا وتتبعها جميعها وذلك لأن الذهبي ضعّف كثيراً من الأحاديث الَّتِيْ في "المستدرك" في كتبه الأخرى ك" الميزان " وغيره. ثُمَّ إنه نص عَلَى أن الكتاب يعوزه تحرير وعمل.
(السير 17/ 176) فلو أنه وافق الْحَاكِم عَلَى جميع ما سكت عَلَيْهِ لما قَالَ ذَلِكَ. وهذا دليل من مئات بَلْ ألوف من الأدلة عَلَى أن أحكام " التلخيص " بشأن تصحيح الأحاديث ليس كلام الذهبي بَلْ هُوَ كلام الْحَاكِم اختصره الذهبي فإن هَذَا الْحَدِيْث في " التلخيص " 1/ 169: ((عَلَى شرط م)) وفي السير ما يخالف هَذَا الحكم. ومن خطأ الشيخ أحمد شاكر في هَذَا الْحَدِيْث أنه قَالَ: ((صححه عَلَى شرط مُسْلِم، ووافقه الذهبي)) المسح عَلَى الجوربين: 5.
(4)
سير أعلام النبلاء 4/ 491.
(5)
وَهُوَ في العلل 1/ 133 للإمام أحمد رِوَايَة عَبْد الله.
(6)
المراسيل: 59 (207).
الخلال (1) عن أحمد: لا ينبغي أن يَكُوْن سَمِعَ مِنْهُ)) (2).
لَكِنْ يجاب عن هَذَا الحكم بالانقطاع أن الإمام البخاري قَدْ أثبت سَمَاع راشد من ثوبان فَقَالَ: ((سَمِعَ ثوبان)) (3).
واعترض عَلَى معنى الْحَدِيْث فإن من احتج بِهِ ذكر أن التساخين عِنْدَ بعض أهل اللغة هِيَ كُلّ ما يسخن بِهِ القدم من خف وجورب (4).
ويجاب عن هَذَا بأن المعجمات اللغوية وكتب غريب الْحَدِيْث أوردت للتساخين ثلاثة تفاسير:
الأول: إنها الخفاف وَقَدْ اقتصرت كثير من المعجمات عَلَى ذَلِكَ.
الثاني: كُلّ ما يُسَخَّن القدم من خفٍّ وجورب ونحوه.
الثالث: إنها هِيَ تعريب ((تَشْكَن)) وَهُوَ اسم غطاء من أغطية الرأس نقله ابن الأثير عن حمزة الأصفهاني في كتابه "الموازنة"، ويرى أن تفسيره بالخف وهم من اللغويين العرب حَيْثُ لَمْ يعرفوا فارسيته.
فاللغويون غَيْر متفقين عَلَى تفسير التساخين بالخفاف بَلْ حمزة الأصفهاني يراه وهماً والتفسير الثاني للتساخين عام يدخل فِيْهِ التفسير الأول (5).
فعلى هَذَا يَكُوْن تفسير التساخين بالجواريب بعيد جداً، ولا يوجد ذَلِكَ في معاجم اللغة، والذين ذكروا ذَلِكَ أدخلوه في عموم التفسير الثاني للتساخين.
3 -
واحتجوا أَيْضاً بما روي عن أنس بن مالك، قَالَ:((رأيت رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يمسح عَلَى الجوربين عليهما النعلان)).
أخرجه الْخَطِيْب (6).
(1) هُوَ أَبُو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن هارون البغدادي الخلال الشيخ الحنبلي، رأى أحمد بن حَنْبَل، وصنف "الجامع في الفقه" و " العلل " عن أَحْمَد بن حَنْبَل، ولد سنة (234 هـ)، وتوفي سنة (311 هـ).
طبقات الحنابلة 2/ 11، وسير أعلام النبلاء 14/ 297 - 298، والعبر 2/ 154.
(2)
تهذيب التهذيب 3/ 226.
(3)
التاريخ الكبير 3/ 292.
(4)
تحفة الأحوذي 1/ 340.
(5)
انظر: غريب الْحَدِيْث، لابن سلاّم 1/ 187، وغريب الْحَدِيْث، للخطابي 2/ 62، والصحاح 5/ 2134، ومقاييس اللغة 3/ 146، وشرح السنة 1/ 452، وأساس البلاغة: 289، والنهاية 1/ 189 و 2/ 352، واللسان 13/ 207 (سخن)، والتاج 9/ 233 (الطبعة القديمة).
(6)
في تاريخ بغداد 3/ 306.
وأجيب: بأن سند هَذَا الْحَدِيْث تالف لأن فِيْهِ موسى بن عَبْد الله الطويل (1)، قَالَ ابن حبان:((رَوَى عن أنس أشياء موضوعة)). وَقَالَ ابن عدي: ((رَوَى عن أنس مناكير، وَهُوَ مجهول)) (2).
لَكِنْ روي مثل هَذَا الْحَدِيْث من فعل أنس، فَقَدْ رَوَى: عَبْد الرزاق (3)، وابن أبي شيبة (4)، والدولابي (5)، والبيهقي (6)، عن الأزرق بن قيس (7)، قَالَ: رأيت أنس بن مالك أَحَدَثَ فغسل وجهه ويديه، ومسح عَلَى جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فَقَالَ: إنهما خفان، ولكنهما من صوف)) (8).
قَالَ العلامة أحمد شاكر: ((هَذَا إسناد صَحِيْح)) (9)، ثُمَّ قَالَ:((هَذَا الْحَدِيْث موقوف عَلَى أنس، من فعله وقوله. ولكن وجه الحجة فِيْهِ أنه لَمْ يكتفِ بالفعل، بَلْ صرح بأن الجوربين: ((خفان، ولكنهما من صوف)).وأنس بن مالك صحابيٌّ من أهل اللغة، قَبْلَ دخول العجمة واختلاط الألسنة، فهو يبين أن معنى (الخف) أعم من أن يَكُوْن من الجلد وحده، وأنه يشمل كُلّ ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إِلَيْهَا؛ إِذْ إن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هَذَا الغالب ليس حصراً للخف في أن يَكُوْن من الجلد. وأزال الوهم الَّذِيْ قَدْ يدخل عَلَى الناس من واقع الأمر في الخفاف إِذْ ذاك. وَلَمْ يأت دليل من الشارع يدل عَلَى حصر الخفاف في الَّتِيْ تكون من الجلد فَقَطْ)) (10).
وهذا الفهم المستنبط من فعل أنس رضي الله عنه فيه رد عَلَى من اشترط الصفاقة أو التجليد أَوْ التنعيل للجوربين، وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى من اشترط ذَلِكَ فَقَالَ: ((إنه
(1) هُوَ مجهول يكنى أبا عَبْد الله، فارسيٌّ كَانَ يحدّث ببغداد. الكامل في ضعفاء الرجال 8/ 69، وميزان الاعتدال 4/ 209، والكشف الحثيث:432.
(2)
ميزان الاعتدال 4/ 209.
(3)
في مصنفه (745) و (779).
(4)
في مصنفه (1978).
(5)
في الكنى 1/ 181.
(6)
السنن الكبرى 1/ 285.
(7)
الأزرق بن قيس الحارثي البصري: ثقة، توفي بَعْدَ سنة مئة وعشرين.
الثقات 4/ 62، وتهذيب الكمال 1/ 163 (296)، والتقريب:(302).
(8)
هَذَا اللفظ للدولابي، والبقية ألفاظهم مقاربة.
(9)
المسح عَلَى الجوربين: 13.
(10)
المسح عَلَى الجوربين: 14.
خطأ لا معنى لَهُ؛ لأنه لَمْ يأتِ بِهِ قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قَوْل صاحب)) (1).
وَقَدْ بوّب ابن أبي شيبة في كتابه "المصنف"(2) باباً سماه: ((من قَالَ الجوربان بمنْزلة الخفين))، ونقل في ذَلِكَ آثاراً عن ابن عمر وعطاء ونافع والحسن.
ونستخلص مما تقدم: بأن الأصل هُوَ غسل الرجلين كَمَا هُوَ ظاهر القرآن، والعدول عَنْهُ لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة كأحاديث المسح عَلَى الخفين، لذا جاز عِنْدَ جماهير أهل العلم العدول عن غسل الرجلين إلى المسح عَلَى الخفين، أما أحاديث المسح عَلَى الجوربين ففي صحتها كلام كَمَا سبق، فكيف يعدل عن غسل القدمين إلى المسح عَلَى الجوربين مطلقاً، وإلى هَذَا الفهم ذهب الإمام مُسْلِم بقوله:((لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل)) (3). فلأجل هَذَا فإن عدداً من أهل العلم اشترطوا لجواز المسح عَلَى الجوربين قيوداً ليكونا في معنى الخفين، ويدخل الجوربان في معنى الخفين، فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين، ورأى بعضهم أنهما إذا كانا منعلين كانا في معناهما، وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كَانَا في معناهما (4).
والذي أميل إِلَيْهِ أن الجوربين إذا كانا ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح عليهما، أما إذا كانا رقيقين فهما ليسا في معنى الخفين، وفي جواز المسح عليهما تأمل، والله أعلم.
(1) المحلى 2/ 86 - 87.
(2)
1/ 173 الآثار (1991) - (1994).
(3)
لَمْ نقف عَلَيْهِ في المطبوع من كتاب التمييز، وذكره البيهقي في السنن الكبرى 1/ 284.
(4)
انظر: تحفة الأحوذي 2/ 336.