المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الأول: تعارض الوصل والإرسال - أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل التمهيديبيان ماهية الاختلاف

- ‌المبحث الأولالاختلاف لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الأولتعريف الاختلاف لغة

- ‌المطلب الثانيتعريف الاختلاف اصطلاحاً

- ‌المبحث الثانيالفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف

- ‌المبحث الثالثأنواع الاختلاف

- ‌المبحث الرابعأسباب الاختلاف

- ‌أولاً. الوهم والخطأ:

- ‌ثانياً. ظروف طارئة

- ‌ثالثاً. الاختلاط:

- ‌رابعاً. ذهاب البصر:

- ‌خامساً. ذهاب الكتب:

- ‌سادساً. عدم الضبط:

- ‌سابعاً. التدليس

- ‌الأول: تدليس الإسناد:

- ‌الثاني: تدليس الشيوخ:

- ‌الثالث: تدليس التسوية

- ‌الرابع: تدليس العطف:

- ‌الخامس: تدليس السكوت:

- ‌السادس: تدليس القطع:

- ‌السابع: تدليس صيغ الأداء:

- ‌ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث:

- ‌أ. ولاية القضاء:

- ‌ب. الاشتغال بالفقه:

- ‌ج. الاشتغال بالعبادة:

- ‌المبحث الخامسمعرفة الاختلاف ودخوله في علم العلل

- ‌المبحث السادسأهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

- ‌المبحث السابعالكشف عن الاختلاف

- ‌أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة

- ‌ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة

- ‌ثالثا. جمع الأبواب

- ‌المبحث الثامنالاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح

- ‌الفصل الأولالاختلاف في السند

- ‌تمهيد

- ‌أ. تعريف السند والإسناد لغة:

- ‌أهمية الإسناد:

- ‌المبحث الأولأثر التدليس في اختلاف الحديث

- ‌أولاً: أقسام التدليس

- ‌ثانياً: حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ

- ‌ثالثاً. حكم الْحَدِيْث المدلس:

- ‌رابعاً. أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث وأثره في اختلاف الفقهاء:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (المقدار الَّذِيْ تدرك بِهِ صلاة الجمعة):

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (نظر الزوج إلى فرج زوجته أو حليلته):

- ‌النموذج الثالث:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم لبس خاتم الفضة للرجال):

- ‌المبحث الثانيأثر التَّفَرُّد في اختلاف الْحَدِيْث، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌الأول: تفرد في الطبقات المتقدمة:

- ‌الثاني: التفرد في الطبقات المتأخرة

- ‌الأول: الفرد المطلق:

- ‌الثاني: الفرد النسبي:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان)

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (الجمع بَيْنَ الصلاتين)

- ‌نموذج آخر للتفرد:

- ‌أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء (حكم المسح عَلَى الجوربين)

- ‌الفصل الثانيالاختلاف في الْمَتْن

- ‌المبحث الأولرِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى

- ‌النموذج الأول: حكم الصَّلَاة عَلَى الجنازة في المسجد

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم المسبوق في الصَّلَاة):

- ‌النموذج الثالث

- ‌أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثانيمخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:حكم القضاء باليمين مَعَ الشاهد

- ‌المبحث الثالثمخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ

- ‌النموذج الأول:مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة:

- ‌المبحث الرابعمخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله

- ‌النموذج الأول:اشتراط الولي في النكاح

- ‌النموذج الثاني:طهارة الإناء من ولوغ الكلب

- ‌المبحث الخامسمخالفة الْحَدِيْث للقياس

- ‌النموذج الأول: الانتفاع بالعين المرهونة

- ‌النموذج الثاني: رد الشاة المصراة

- ‌المبحث السادسمخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة

- ‌النموذج الأول: خيار المجلس

- ‌المبحث السابعمخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة في الفقه الإسلامي

- ‌أثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاءحكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان

- ‌المبحث الثامناختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار

- ‌المبحث التاسعورود حَدِيْث الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى

- ‌النموذج الأول: نقض الوضوء بمس الذكر

- ‌الفصل الثَّالِث: الاختلاف في السَّنَد والمتن

- ‌المبحث الأولالاضطراب

- ‌المطلب الأولتعريف المضطرب لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثَّانِيشرط الاضطراب

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المطلب الثَّالِثحُكْمُ الحَدِيْثِ الْمُضْطَرِبِ

- ‌المطلب الرابعأين يقع الاضطراب

- ‌القسم الأولالاضطراب في السَّنَد

- ‌النَّوع الأول: تعارض الوَصْل والإرسال

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (مَوْضِع سجود السهو)

- ‌النَّوع الثَّانِي: تعارض الوقف والرفع

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال)

- ‌نموذج آخر: وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب)

- ‌النوع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (حكم من أفطر في صيام التطوع)

- ‌النوع الرابعأن يروي الحديث قوم - مثلاً - عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهمعن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه

- ‌النوع الخامس: زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (مقدار التعزير)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النوع السادس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المسألة الأولى: إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر

- ‌المسألة الثانية: إيجاب صدقة الفطر على الفقير والغني

- ‌القسم الثانيالاضطراب في المتن

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النموذج الثَّانِي

- ‌أثر حَدِيثي عَمَّار في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المسألة الأولى: عدد ضربات التيمم

- ‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم

- ‌النموذج الآخر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم الشك في عدد ركعات الصَّلَاة

- ‌المبحث الثاني: الاختلاف في الزيادات

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريفها

- ‌المطلب الثَّانِي: أقسام زيادة الثِّقَة

- ‌المطلب الثَّالِث: حكم زيادة الثقة

- ‌نماذج من زيادة الثِّقَة، وأثرها في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم دفع صدقة الفطر عن الكافر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌‌‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الثانية: هَلْ ترفع اليدان في مَوْضِع آخر، وَهُوَ عِنْدَ القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: رفع اليدين عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الرابعة: إلى أين ترفع اليدان

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم التسمية في ابتداء الوضوء

- ‌أثر زيادة حماد في اختلاف الفقهاءهل يشترط لسجود السهو تكبيرة التحريم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء (اختلاف نية المأموم مع الإمام)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: حكم بيع الكلب المعلم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: كيفية الإقامة

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (موضع اليدين عند القيام في الصَّلَاة)

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (كيف تصلى نافلة النهار)

- ‌المبحث الثالثاختلاف الثقة مع الثقات، وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر رِوَايَة معمر في اختلاف الفقهاء (أكل المحرم من لحم الصيد)

- ‌المبحث الرابعاختلاف الضعيف مع الثقات وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم المسافر)

- ‌المبحث الخامس: الإدراج، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء (حكم التشهد والسلام)

- ‌النوع الثاني: أن يقع الإدراج في السند دون الْمَتْن

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌القسم الخامس:

- ‌المطلب الثالثأسباب وقوع الإدراج

- ‌المطلب الرابعطرق الكشف عن الإدراج

- ‌المطلب الخامس: حكم الإدراج

- ‌المبحث السادسالاختلاف بسبب خطأ الراوي

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث السابع: المقلوب، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: القلب في المتن

- ‌الأول: أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير:

- ‌الثاني: أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ

- ‌ الثالث: أن يقع في الإسناد والمتن معاً

- ‌المطلب الثالثأسباب القلب

- ‌أثر القلب في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثامنالاختلاف بسبب التصحيف والتحريف

- ‌أقسام التصحيف

- ‌القسم الأول: التصحيف في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: التصحيف في الْمَتْن:

- ‌القسم الثالث: تصحيف البصر:

- ‌القسم الرابع: تصحيف السمع:

- ‌القسم الخامس: تصحيف اللفظ

- ‌القسم السادس: تصحيف المعنى دون اللفظ:

- ‌الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

- ‌ثبت المراجع

الفصل: ‌النوع الأول: تعارض الوصل والإرسال

قُلْتُ (القائل ابن حجر): وبهذا يتبين أن تمثيل المصنف (1) للمضطرب بحديث أبي عَمْرو بن حريث لَيْسَ بمستقيم انتهى.

القِسْم الثَّالِث: أن يقع التصريح باسم الرَّاوِي ونسبه لَكَن مَعَ الاختلاف في سياق ذَلِكَ)) (2).

ثُمَّ ساق مثالاً لِذلِكَ، ثُمَّ قَالَ:((القِسْم الرابع: أن يقع التصريح بِهِ من غَيْر اختلاف لَكِنْ يَكُون ذَلِكَ من متفقين: أحدهما ثِقَة، والآخر ضَعِيْف. أو أحدهما مستلزم الاتصال، والآخر الإرسال كَمَا قدمناه)) (3).

ولما كَانَ الاضطراب يقع في السَّنَد والمَتْن رأيت أن أفصّل الاضطراب الواقع في السَّنَد؛ لأَنَّهُ الأهم والأكثر تشعباً مَعَ بيان أمثلته، ثُمَّ أسوق أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء ثُمَّ الكلام عن اضطراب المَتْن. وَقَدْ جعلت كلاً مِنْهُمَا في نَوْعٍ مستقل:

‌القسم الأول

الاضطراب في السَّنَد

بالنظر لما تمتع بِهِ الإسناد من أهمية في حياة الأمة الإسلامية كونه من أهم خصائصها، فَقَدْ حضي بالاهتمام من حَيْثُ الحفاظ عَلَيْهِ والتنقير والتفتيش عن صَحِيْحه وضَعِيْفه، وَقَدِ اهتم السلف الصالح بحفظ مئات الألوف من الأسانيد، وبينوا قويها من سقيمها حَتَّى خرجوا لَنَا ببحوث ونتائج قلّ نظيرها. والسند كَمَا يَكُون مِنْهُ الصَّحِيح والأصح، ففيه الضَّعِيف والمعلول، والَّذِي تدخله العلة من الأسانيد كَثِيْر لَيْسَ بقليل، وَقَدْ رأيت أن أحسن من صنفها الحافظ العلائي (4). وسأفصل الكلام عن كُلّ نَوْع بكلام مستقل:

‌النَّوع الأول: تعارض الوَصْل والإرسال

الوَصْل هنا بمعنى الاتصال، والاتصال هُوَ أحد الشروط الأساسية في صِحَّة الحَدِيْث، بَلْ هُوَ أولها، قَالَ العراقي في نظمه:

وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ

إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ

(1) يعني: ابن الصَّلاح، مصنف مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث.

(2)

النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاح 2/ 785 - 786.

(3)

النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاح 2/ 787. وَقَدْ اضطررت لنقل هَذَا الكلام بطوله لجودته ونفاسته وصعوبة اختصاره، ولأنه تحقيق جد قَلَّ أن نجد مثله.

(4)

كَمَا نقله عَنْهُ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى ابن الصَّلاح 2/ 778، وَقَدْ سبقت الإشارة إِليهِ.

ص: 232

فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ

بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَاد

عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ

وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي (1)

وكل من عرّف الصَّحِيح أبتدأ أولاً بذكر الاتصال (2)، والاتصال: هُوَ سَمَاع الحَدِيْث لكل راوٍ من الرَّاوِي الَّذِي يليه (3).

ويعرف الاتصال بتصريح الرَّاوِي بإحدى صيغ السَّمَاع الصريحة، وَهِيَ حَدَّثَنَا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وَقَالَ لَنَا، وغيرها من الصيغ.

وهذا هُوَ الأصل. وربما حصل التصريح في السَّمَاع في بَعْض الأسانيد، لَكِنْ صيارفة الحَدِيْث ونقاده يحكمون بخطأ هَذَا التصريح، ثُمَّ الحكم عَلَى الرِّوَايَة بالانقطاع، قَالَ ابن رجب:((وَكَانَ أحمد (4) يستنكر دخول التحديث في كَثِيْر من الأسانيد، ويقول: هُوَ خطأ، يعني ذكر السَّمَاع)) (5). وَقَدْ بحث ابن رجب ذَلِكَ بحثاً واسعاً، ثُمَّ قَالَ:((وحينئذٍ ينبغي التفطن لهذه الأمور، وَلَا يغتر بمجرد ذكر السَّمَاع والتحديث في الأسانيد، فَقَدْ ذكر ابن المديني: أن شُعْبَة وجدوا له غَيْر شيء يذكر فِيهِ الإخبار عن شيوخه، ويكون منقطعاً)) (6).

وأعود إلى التفصيل السابق ثُمَّ أقول: أما إذا كَانَتِ الرِّوَايَة بصيغة من الصيغ المحتملة، مِثْل: عن، أو أن أو حدث، أو أخبر، أو قَالَ، فحينئذٍ يَجِبُ توفر شرطين في الرَّاوِي لحمل هذِهِ الصيغة عَلَى الاتصال:

الشرط الأول: السلامة من التَّدْلِيْس، أي: أن لا يَكُون من رَوَى هكذا مدلساً.

الشرط الثاني: المعاصرة وإمكان اللقاء، وَقَدِ اكتفى بهذين الشرطين كثيرٌ من المُحَدِّثِيْنَ، وأضاف عَلَي بن المديني والبُخَارِيّ وآخرون شرطاً ثالثاً، وَهُوَ: ثبوت اللقاء

(1) التبصرة والتذكرة: 5 الأبيات (11 - 13).

(2)

انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 10، 79 طبعتنا، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 110، والتقريب 31، وطبعتنا 76، والاقتراح 152، والمنهل الروي 33، والخلاصة 35، والموقظة 24، واختصار علوم الحَدِيْث 21، والتذكرة 14، ومحاسن الاصطلاح 82، ونزهة النظر 82، والمختصر للكافيجي 113، وفتح المغيث 1/ 17،وألفية السيوطي 3 وتوضيح الأفكار 1/ 7، وظفر الأماني:120،وقواعد التحديث79.

(3)

مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 10، 79 طبعتنا.

(4)

يعني: الإمام أحمد بن حَنْبَل.

(5)

شرح علل التِّرْمِذِي 2/ 593.

(6)

شرح علل التِّرْمِذِي 2/ 594.

ص: 233

وَلَوْ مرة وَاحِدَة (1).

والاتصال في السَّنَد لا يشترط أن يَكُون في طبقة وَاحِدَة فَقَطْ، بَلْ يشترط أن يَكُون من أول السَّنَد إلى آخره؛ فإذا اختل الاتصال في مَوْضِع من المواضع سمي السَّنَد منقطعاً، وَكَانَ يطلق عَلَيْهِ في القرون المتقدمة مرسلاً (2)، ثُمَّ استقر الاصطلاح بعد عَلَى أن المُرْسَل هُوَ: مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (3).

ولما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط الصِّحَّة (4).

والانقطاع قَدْ يَكُون في أول السَّنَد، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر. وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع، والذي يعنينا الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (5).

(1) صَحِيْح مُسْلِم 1/ 2، و1/ 29 ط مُحَمَّد فؤاد عَبْد الباقي، والمحدث الفاصل 450، ومعرفة علوم الحَدِيْث 34، والتمهيد 1/ 12، والكفاية (421ت،291هـ)، وإكمال المعلم 1/ 164، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 144 طبعتنا، وشرح علل التِّرْمِذِي لابن رجب 2/ 590، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 163 وطبعتنا 1/ 220، وفتح المغيث 1/ 165، وشرح ألفية السيوطي 32.

(2)

انظر: فتح المغيث 3/ 79.

(3)

انظر: الكفاية (58ت، 21هـ).

(4)

انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 37، و112طبعتنا، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 153، والتقريب والتيسير: 49و 93 طبعتنا، والمنهل الروي: 38، والمقنع 1/ 103، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 112، و 1/ 176 طبعتنا، وفتح الباقي 1/ 111 - 112، و 1/ 205 طبعتنا.

(5)

انظر في المُرْسَل:

مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث 25، والكفاية (58ت،21 هـ)، والتمهيد 1/ 19، وجامع الأصول 1/ 115، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث 47،و126طبعتنا وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 167، والمجموع 1/ 60، والاقتراح 192، والتقريب:54،و99 طبعتنا، والمنهل الروي 42، والخلاصة 65، والموقظة 38، وجامع التحصيل 23، واختصار علوم الحَدِيْث 47، والبحر المحيط 4/ 403، والمقنع 1/ 129، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 144،و1/ 202طبعتنا، ونزهة النظر 109، والمختصر 128، وفتح المغيث 1/ 128، وألفية السيوطي 25، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 159، وفتح الباقي 1/ 144،و 1/ 194طبعتنا، وتوضيح الأفكار 1/ 283، وظفر الأماني 343، وقواعد التحديث 133.

ومما ينبغي التنبيه علية أن للعُلَمَاء في تعريف المُرْسَل وبيان صوره مناقشات، انظرها في نكت الزَّرْكَشِيّ 1/ 439 ومحاسن الاصطلاح 130، والتقييد والإيضاح 70، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 144،و 1/ 203طبعتنا، ونكت ابن حجر 2/ 540، والبحر الَّذِي زخر ل 113، وانظر تعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث:128.

ص: 234

لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة، وروي مرة أخرى موصولاً، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي:

القَوْل الأول: ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة (1).

القَوْل الثَّانِي: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة (2).

القَوْل الثَّالِث: الترجيح للأحفظ (3).

القَوْل الرابع: الاعتبار لأكثر الرواة عدداً (4).

القَوْل الخامس: التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ والتوقف (5).

هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح والتعليل، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه.

(1) وهذا هُوَ الَّذِي صححه الخطيب في الكفاية (581ت،411هـ) وَقَالَ ابن الصَّلاح في مَعْرِفَة أنواع علم

الحَدِيْث:65، 155 طبعتنا:((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)). وانظر: المدخل: 40، وقواطع الأدلة 1/ 368 - 369، والمحصول 2/ 229، وجامع الأصول 1/ 170 وكشف الأسرار للبخاري 3/ 2، وجمع الجوامع 2/ 126. وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم 1/ 145 ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة 1/ 174، 1/ 227 طبعتنا.

(2)

هَذَا القَوْل عزاه الخطيب للأكثر من أهل الحَدِيْث (الكفاية: 580ت، 411 هـ).

(3)

هُوَ ظاهر كلام الإمام أحمد كَمَا ذكر ذَلِكَ ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل التِّرْمِذِي 2/ 631.

(4)

عزاه الحَاكِم في المدخل: 40 لأئمة الحَدِيْث، وانظر: مقدمة جامع الأصول 1/ 170، والنكت الوفية 136/أ.

(5)

هَذَا القَوْل ذكره السُّبْكِيّ في جمع الجوامع 2/ 124 وَلَمْ ينسبه لأحد.

ص: 235

ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث، فمنهم: من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم: من يرجح الرِّوَايَة الموصولة، ومنهم: من يتوقف.

وسأسوق نماذج لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء.

مثال ذَلِكَ: رِوَايَة مَالِك بن أنس، عن زيد بن أسلم (1)، عن عطاء بن يسار (2)؛ أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتين ترغيم للشيطان)).

هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ:

1 -

سويد بن سعيد (3).

2 -

عبد الرزاق بن همام (4).

3 -

عبد الله بن مسلمة القعنبي (5).

4 -

عَبْد الله بن وهب (6).

5 -

عُثْمَان بن عُمَر (7).

6 -

مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني (8).

7 -

أبو مصعب الزُّهْرِيّ (9).

8 -

يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي (10).

(1) هُوَ أبو عَبْد الله، وأبو أسامة زيد بن أسلم العدوي مولى عمر: ثقة وَكَانَ يرسل، توفي سنة (136 هـ).

تهذيب الكمال 3/ 64 (2072)، وسير أعلام النبلاء 5/ 316، والتقريب (2117).

(2)

أبو مُحَمَّد عطاء بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة: ثقة، توفي سنة (103 هـ).

الثقات 5/ 199، وتهذيب الكمال 5/ 179 (4535)، وتاريخ الإسلام: 171 وفيات (103 هـ).

(3)

في موطئه (151).

(4)

كَمَا في مصنفه (3466).

(5)

عِنْدَ أبي دَاوُد (1026)، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 2/ 338.

(6)

عند الطحاوي في شرح المعاني 1/ 433، والبيهقي في السُّنَن الكبرى 2/ 331.

(7)

عِنْدَ الطحاوي في شرح المعاني 1/ 433.

(8)

موطئه (138).

(9)

في موطئه (475)، ومن طريقه أخرجه البَغَوِيّ في شرح السُّنَّة (754)

(10)

في موطئه (252)

ص: 236

فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً.

والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم (1)، ويَحْيَى بن راشد (2) المازني (3) عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، بِهِ - متصلاً -. هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله، والراجح فِيهِ الوَصْل، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك (4)، لما يأتي:

وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث:

فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان (5)، وعبد العزيز بن عَبْد الله (6) بن أبي سلمة (7)، وسليمان بن بلال (8)، ومُحَمَّد (9) بن مطرف (10)، ومُحَمَّد بن عجلان (11) خمستهم (12) رووه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً. وَقَدْ

(1) عِنْدَ ابن حبان (2659) وط الرسالة (2663)،والبيهقي2/ 338 - 339،وابن عَبْد البر في التمهيد 5/ 19.

(2)

أبو سعيد البصري يَحْيَى بن راشد المازني: ضعيف.

الثقات 7/ 601، وتهذيب الكمال 8/ 32 (7418)، والتقريب (7545).

(3)

عِنْدَ ابن عَبْد البر في التمهيد 5/ 20.

(4)

انظر: التمهيد 5/ 21.

(5)

عِنْدَ أحمد 3/ 72، والدارقطني 1/ 375.

(6)

هُوَ أبو عَبْد الله، ويقال: أبو الأصبغ عَبْد العزيز بن عَبْد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه، توفي سنة (166 هـ).

الجرح والتعديل 5/ 386، وتهذيب الكمال 4/ 520 و 521 (4043)، وسير أعلام النبلاء 7/ 309.

(7)

عِنْدَ أحمد 3/ 84، والدارمي (1503)، وَالنَّسَائِيّ 3/ 27، وَفِي الكبرى (1162)،وابن الجارود (241)، وابن خزيمة (1024)، وأبي عوانة 2/ 210، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 433، والدارقطني 1/ 371، والبيهقي 2/ 331.

(8)

عِنْدَ أحمد 3/ 83، وَمُسْلِم 2/ 84 (571)(88)، وأبي عوانة 2/ 192 - 193، وابن حبان (2665) وط الرسالة (2669)، والبيهقي 2/ 331.

(9)

الإِمَام الحَافِظ مُحَمَّد بن مطرف بن داود أبو غسان المدني، ولد قَبْلَ المئة، وتوفي بَعْدَ (160 هـ).

تهذيب الكمال 6/ 519 (6205)، وسير أعلام النبلاء 7/ 296، وتذكرة الحفاظ 1/ 242.

(10)

عِنْدَ أحمد 3/ 87.

(11)

عِنْدَ ابن ماجه (1210)، وَالنَّسَائِيّ 3/ 27، وَفِي الكبرى (1162)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 433، وابن حبان (2663) وَفِي ط الرسالة (2667).

(12)

وَقَدْ ذكر ابن عَبْد البر في التمهيد 5/ 18 - 19 غيرهم هشام بن سعد وداود بن قيس، وَلَمْ أقف عَلَى رواياتهم.

ص: 237