الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شريك ابن عَبْد الله النخعي. والدارقطني (1)، عن يزيد بن هارون (2). والبيهقي (3)، عن الحَسَن بن صالح بن حي. وأخرجه البَيْهَقِيّ (4) أيضاً، عن خالد بن عَبْد الله (5)؛ أربعتهم:(شريك بن عَبْد الله، ويزيد بن هارون، والحسن بن صالح بن حي، وخالد بن عَبْد الله)، رووه عن عامر بن السمط (6)، عن أبي الغَريف الهمداني، عن عَلِيّ بن أبي طَالِب، موقوفاً.
فرواية الجمع أصح وأولى؛ وَقَدْ صحح الإمام الدَّارَقُطْنِيّ الوقف، فَقَالَ عقب الرِّوَايَة الموقوفة:((هُوَ صَحِيْح عن عَلِيّ)) (7).
ومما يؤكد صِحَّة رِوَايَة الجمع أن عَبْد الرزاق (8) أخرجه عن سُفْيَان الثَّوْرِيّ، عن عامر الشَّعْبيّ، وابن المنذر (9) أخرجه عن إسحاق، عن عامر السعدي؛ كلاهما (عامر الشَّعْبيّ وعامر السعدي) عن أبي الغريف، عن عَلِيّ بن أبي طالب، بِهِ موقوفاً.
كُلّ هَذَا يؤكد خطأ عائذ بن حبيب في رفعه الحَدِيْث؛ ولعل هَذَا مِمَّا أنكر عَلَيْهِ.
أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب)
اختلف العُلَمَاء في حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب عَلَى قولين:
القَوْل الأول:
يحرم عَلَى الجنب قِرَاءة القُرْآن، وَهُوَ مَذْهَب عامة عُلَمَاء المسلمين، وبه قَالَ الحنفية (10)، والمالكية (11)، والشافعية (12)،
(1) سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 200، وهذه الرِّوَايَة في إتحاف المهرة 11/ 686 (14868).
(2)
هو أبو خالد السلمي يزيد بن هارون بن زاذي مولاهم الواسطي: ثقة، ولد سنة (118هـ)، وتوفي سنة (206هـ). طبقات ابن سعد 7/ 314، وسير أعلام النبلاء 9/ 358 و 371، وشذرات الذهب 2/ 16.
(3)
السُّنَن الكبرى 1/ 101.
(4)
السُّنَن الكبرى 1/ 90.
(5)
هُوَ خالد بن عَبْد الله بن عَبْد الرَّحْمَان الطحان الواسطي، المزني مولاهم: ثقة ثبت، توفي سُنَّةُ (182هـ).
تهذيب الكمال 2/ 351 - 352 (1609)، والتقريب (1647).
(6)
هو أبو كنانة الكوفي عامر بن السمط، ويقال: ابن السبط التميمي السعدي: ثقة.
الثقات 7/ 251، وتهذيب الكمال 4/ 27 (3027)، والتقريب (3091).
(7)
سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 118.
(8)
المصنف (1306).
(9)
في الأوسط 2/ 97.
(10)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 37، والاختيار 1/ 13، وفتح القدير 1/ 116، والدر المختار 1/ 172.
(11)
وَهُوَ مَشْهُور مذهبهم، وروي عن الإمام مَالِك في المختصر أَنَّهُ قَالَ:((للجنب أن يقرأ القليل والكثير)). انظر: حاشية الرهوني 1/ 222، وشرح منح الجليل 1/ 78.
(12)
انظر: الحاوي 1/ 177 - 178، والمجموع 2/ 163 - 164، وروضة الطالبين 1/ 85، وحاشية
=
والحنابلة (1).
الحجة لَهُمْ:
1 -
استدلوا بحديث عَلِيّ السابق مرفوعاً إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ ابن المنذر: ((احتج الذين كرهوا للجنب قِرَاءة القُرْآن بحديث عَلِيّ)) (2). وكأنهم قدموا الرفع عَلَى الوقف كَمَا هُوَ مَذْهَب جَمَاعَة من المُحَدِّثِيْنَ؛ أو لما للحديث من شواهد قَدْ يتقوى بِهَا.
2 -
مَا رَوَى عَبْد الله بن سلمة (3)، عن عَلِيّ بن أبي طَالِب، أنه قَالَ:((كَانَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القُرْآن عَلَى كُلّ حالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جنباً)). أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شَيْبَة (4)، والإمام أحمد (5)، والترمذي (6)، وَالنَّسَائِيّ (7)، وأبو يعلى (8)، وأخرجه غيرهم بلفظ مقارب (9).
قَالَ التِّرْمِذِي: ((حَدِيث عَلِيٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) (10).هكذا قَالَ الإمام التِّرْمِذِي (11) -يرحمه الله- إلا أن جهابذة المُحَدِّثِيْنَ قَدْ ضعّفوا هَذَا الحَدِيْث، قَالَ الإمام النَّوَوِيّ:((خالف التِّرْمِذِي الأكثرون فضعفوا هَذَا الحَدِيْث)) (12)؛ وَقَالَ البُخَارِيّ: ((قَالَ
=
الجمل 1/ 157.
(1)
انظر: المغني 1/ 134، والمحرر 1/ 20، وشرح الزَّرْكَشِيّ 1/ 92 - 93.
(2)
الأوسط 2/ 99.
(3)
هو أبو العالية عبد الله بن سلمة المرادي الكوفي: ثقة.
الثقات 5/ 12، وتهذيب الكمال 4/ 153 (3301)، وميزان الاعتدال 2/ 430.
(4)
المصنف (1078).
(5)
في المُسْنَد 1/ 134.
(6)
جامعه (146).
(7)
المجتبى 1/ 144، وَفِي الكبرى (262).
(8)
مسنده (623).
(9)
مِنْهُمْ: الحميدي (57)، وأحمد 1/ 84 و 107 و 124، وأبو دَاوُد (229)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 144، وَفِي الكبرى (261)، وأبو يعلى (287) و (348) و (406) و (524) و (579)، وابن الجارود (94)، وابن خزيمة (208)، وابن حبان (796) و (797)، وطبعة الرسالة (799) و (800)، والدارقطني 1/ 119، والحاكم 4/ 107، والبيهقي 1/ 88 - 89.
(10)
جامع التِّرْمِذِي 1/ 191 عقيب (146).
(11)
وَقَدْ صححه كَذلِكَ ابن خزيمة (208)، وابن حبان (796) وط الرسالة (799)، والحَاكِم 4/ 107.
(12)
نقله عَنْهُ الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 375، وطبعة شعبان 1/ 147.
شُعْبَة عن عُمَرو بن مرة (1) قَالَ: كَانَ عَبْد الله يحدثنا فنعرف وننكر، وكَانَ قَدْ كبر)) (2). وَقَالَ الخَطَّابِيّ:((كَانَ أحمد يوهن هَذَا الحَدِيْث)) (3). وَقَالَ البزار عقب
تخريجه الحَدِيْث: ((ذ وهذا الحَدِيْث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عَلِيّ، وَلَا يروى عن عَلِيّ إلا من حَدِيث عَمْرو بن مرة، عن عَبْد الله بن سلمة، عن عَلِيّ، وَكَانَ عَمْرو بن مرة يحدِّث عن عَبْد الله بن سلمة فَيَقُوْلُ: يعرف في حديثه وينكر)) (4).
وَقَالَ البُخَارِيّ: ((عبد الله بن سلمة أبو العالية الكوفي لا يتابع في حديثه)) (5)، وَقَالَ الشَّافِعيّ في (سُنَن حرملة):((إن كَانَ هَذَا الحَدِيْث ثابتاً، ففيه دلالة عَلَى تحريم القُرْآن عَلَى الجنب))، وَقَالَ في (جماع كِتَاب الطهور):((أهل الحَدِيْث لا يثبتونه)) (6).
قَالَ البَيْهَقِيّ: ((إنما قَالَ ذَلِكَ لأن عَبْد الله بن سلمة راويه كَانَ قَدْ تغير، وإنما رَوَى هَذَا الحَدِيْث بعدما كبر، قَالَه شُعْبَة)) (7). ومع كُلّ هَذَا فَقَدْ قَالَ الحافظ ابن حجر: ((الحق أَنَّهُ من قبيل الحَسَن، يصلح للحجة)) (8). وعلى تقدير صلاحيته للاحتجاج، فَلَا حجة فِيهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نهيٌّ عن أن يقرأ الجنب القُرْآن، وإنما هُوَ فعلٌ مِنْهُ عليه السلام لا يلزم، وَلَا بيّن عليه السلام أَنَّهُ إِنَّمَا يمتنع من قِرَاءة القُرْآن من أجل الجنابة (9).
3 -
وما روي عن ابن عُمَر عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا تقرأ الحائض وَلَا الجنب شيئاً من القُرْآن)).
أخرجه التِّرْمِذِي (10)، وابن ماجه (11)، والدَّارَقُطْنِيّ (12)، والبيهقي (13)، والخطيب (14).
(1) هُوَ أبو عَبْد الله عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي الكوفي، توفي سنة (116 هـ)، وَقِيْلَ (118 هـ).
تهذيب الكمال 5/ 462 (5037)، وسير أعلام النبلاء 5/ 196، وشذرات الذهب 1/ 152.
(2)
التاريخ الصغير 1/ 203.
(3)
التلخيص الحبير 1/ 375، وطبعة شعبان 1/ 147.
(4)
البحر الزخار عقيب (708).
(5)
الضعفاء للعقيلي 2/ 261.
(6)
التلخيص الحبير 1/ 375، وطبعة شعبان 1/ 147.
(7)
التلخيص الحبير 1/ 375، وطبعة شعبان 1/ 147.
(8)
فتح الباري 1/ 48.
(9)
المحلى 1/ 78.
(10)
جامع التِّرْمِذِي (131).
(11)
سُنَن ابن ماجه (595).
(12)
سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 117.
(13)
السُّنَن الكبرى 1/ 89.
(14)
تأريخ بغداد 2/ 145.
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيْف لضعف إسناده فَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيْل بن عياش، عن موسى بن عُقْبَة، عن نافع، عن ابن عُمَر. وإسماعيل بن عياش منكر الحَدِيْث عن أهل الحجاز وأهل العراق (1)، وحديثه هَذَا عن أهل الحجاز؛ لأن موسى بن عقبة مدني (2).
القَوْل الثَّانِي: يجوز للجنب قِرَاءة القُرْآن. وهذا القَوْل مرويٌّ عن ابن عَبَّاس (3)، وسعيد بن المسيب (4)، وعكرمة (5)، وربيعة الرأي (6)، وسعيد بن جبير (7). وَهُوَ قَوْل ابن حزم الظاهري ونقله عن دَاوُد وعامة أصحابهم (8).
واختاره ابن المنذر (9). والحجة لهذا المذهب:
1 -
مَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام: ((كَانَ يذكر الله عَلَى كُلّ أحيانه)). أخرجه مسلم (10)، وغيره (11).
قالوا: والقُرْآن ذكر. (12)
قَالَ أبو بَكْر بن المنذر: ((فَقَالَ بعضهم: الذكر قَدْ يَكُون بقراءةِ القُرْآن وغيره، فكلُّ ما وقع عَلَيْهِ اسم ذكر الله فغير جائز أن يمنع مِنْهُ أحدٌ (13)، إذا كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يمتنع من ذكر الله عَلَى أحيانه)) (14).
(1) أشار إلى ذَلِكَ البُخَارِيّ فِيْمَا نقله عَنْهُ التِّرْمِذِي عقب حَدِيث (131)، والبَيْهَقِيّ في الكبرى 1/ 89 وانظر: تهذيب الكمال 1/ 247 - 252.
(2)
تهذيب الكمال 7/ 271.
(3)
الأوسط 2/ 98،حلية العُلَمَاء 1/ 221.
(4)
الأوسط 2/ 99، المحلى 1/ 80، ولسعيد رِوَايَة أخرى توافق قَوْل الْجُمْهُور انظرها في فقه الإمام سعيد 1/ 145.
(5)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1089)، والأوسط 2/ 99.
(6)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1090) و (1092).
(7)
فقه الإمام سعيد 1/ 147، وَهِيَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
(8)
المحلى 1/ 80.
(9)
الأوسط 2/ 100.
(10)
صَحِيْح مُسْلِم 1/ 194 (373)(117)
(11)
أخرجه أحمد 6/ 70 و 153 و 278، وأبو دَاوُد (18)، وابن ماجه (302)، والتِّرْمِذِي (3384) وَفِي العلل (669)، وأبو يعلى (4699)، وابن خزيمة (207)، وأبو عوانة 1/ 217 وابن المنذر في الأوسط (627)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 88، وابن حبان (799)، وط الرسالة (802)، وأبو نُعَيْم في المستخرج (819)، والبَيْهَقِيّ 1/ 90، والبغوي (274).
(12)
انظر: فتح الباري 1/ 31.
(13)
في الأصل: ((أحداً)) وَهُوَ غَيْر مستقيم.
(14)
الأوسط 2/ 100.
وأجاب أصحاب المذهب الأول عن هَذَا: بأن المراد من الذكر غَيْر القُرْآن، فَهُوَ المفهوم عند الإطلاق (1).
ويجاب عن هَذَا: بأن التخصيص لا دليل عَلَيْهِ، فالأصل العموم حَتَّى يأتي دليل يخصصه. ولذا قَالَ القرطبي (2):((أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ لَهُ، وسمي الذكر باللسان ذكراً لأَنَّهُ دلالة عَلَى الذكر القلبي؛ غَيْر أَنَّهُ لما كثر إطلاق الذكر عَلَى القَوْل اللساني صار هُوَ السابق للفهم)) (3). فالتخصيص عرفي لا شرعي.
وقالوا أيضاً: لَمْ يصح دليل في منع المحدِث حدثاً أكبر من قِرَاءة القُرْآن، والأصل عدم التحريم. وَقَدْ خالف هذين المذهبين جَمَاعَة من الفُقَهَاء ففرقوا بَيْنَ القليل والكثير، وقالوا: تجوز قِرَاءة الآية والآيتين. روي ذَلِكَ عن: عَبْد الله (4) بن مغفل (5)، ومحمد الباقر (6)، ورواية عن عكرمة (7)، وسعيد بن جبير (8).
وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى هَذَا القَوْل، وعدَّها أقوالاً فاسدة لا يعضدها دليل من قرآن أو سنة صَحِيْحَة وَلَا سقيمة، ولا من إجماع، وَلَا من قَوْل صاحب، وَلَا من قياس، وَلَا من رأي سديد؛ لأن بَعْض الآية والآية قرآن بلا شك، وَلَا فرق بَيْنَ أن يباح لَهُ آية أو أن يباح لَهُ أخرى، أو بَيْنَ أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى (9).
ومما تنبغي الإشارة إِليهِ مَذْهَب الإمام مَالِك، وَهُوَ أَنَّهُ أجاز قِرَاءة القُرْآن للحائض والنفساء دُوْنَ الجنب (10).
والحجة للإمام مَالِك في تفريقه بَيْنَ الجنب، وبين الحائض والنفساء: أن الحيض
(1) شرح الدردير 1/ 40.
(2)
العلامة مُحَمَّد بن أحمد بن فرح أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي القرطبي، لَهُ تفسير " الجامع لأحكام القرآن "، وكتاب " التذكرة " توفي سنة (671 هـ).
تاريخ الإسلام: 74 - 75 وفيات (671 هـ)، وطبقات المفسرين: 79، وشذرات الذهب 5/ 335.
(3)
تفسير القرطبي 1/ 552.
(4)
هو الصحابي عبد الله بن مغفل بن عبد غنم أبو سعيد أو أبو زياد المزني، توفي سنة (59 هـ)، وَقِيْلَ:(60 هـ)، وَقِيْلَ:(61 هـ). أسد الغابة 3/ 264، وتجريد أسماء الصحابة 1/ 336، والإصابة 2/ 372.
(5)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1093)، والمحلى 1/ 78.
(6)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1088)، والمحلى 1/ 78.
(7)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1089)، والمحلى 1/ 78.
(8)
المصنف لابن أبي شَيْبَة (1092)، والمحلى 1/ 78.
(9)
المحلى 1/ 78.
(10)
بداية المجتهد 1/ 35.