الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيادة الثِّقَة، وإنما ذكرناها لأن ابن الصَّلاح مَثّل بِهَا، فهي لا تخلو من أثر الفقه الإسلامي، وسأشرح ذَلِكَ.
أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء
حكم دفع صدقة الفطر عن الكافر
اختلف الفُقَهَاء رحمهم الله أيجب عَلَى المُسْلِم أداء زكاة الفطر عمن تلزمه نفقته كزوجة أو مملوك أو قريب إذَا كانوا غَيْر مسلمين أم لا؟
القَوْل الأول: لا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وإِلَيْهِ ذهب مَالِك (1) والشافعي (2) وأحمد (3) والزيدية (4) وَهُوَ الْمَرْوِيّ عن عَلِيّ (5) وجابر (6) والحَسَن (7) وأَبِي ثور (8) وسعيد بن المسيب (9) ودليلهم حَدِيث ابن عُمَر رضي الله عنه: ((أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رَمَضَان عَلَى كُلّ حر أو عَبْد ذَكَرَ أو أنثى من المُسْلِمِيْنَ)) (10).
=
وبهذا تبين أن الإمام مالكاً لم ينفرد بهذه الزيادة، وإن لم يكن مَنْ تابعه يبلغ مرتبةً في الحفظ والإتقان، إلا أن دعوى التفرد لا تصح في كل حال. وقد قال الإمام أحمد:((كنت أتهيب حديث مالك ((من المسلمين)) يعني: حتى وجدته من حديث العمريين، قيل له: أمحفوظ هو عندك ((من المسلمين))؟ قال: ((نعم)). شرح علل الترمذي 2/ 632. والله أعلم.
(1)
انظر: المدونة 1/ 355، وبداية المجتهد 1/ 204 قَالَ صاحب البداية:((والسبب في اختلافهم اختلافهم في الزيادة الواردة في ذَلِكَ في حَدِيث ابن عُمَر، وَهُوَ قوله ((من المسلمين)) فإنه قَدْ خولف فِيْهَا نافع بكون ابن عُمَر أيضاً الَّذِي هُوَ راوي الحَدِيْث من مذهبه إخراج الزكاة عن العبيد الكفار، وللخلاف أيضاً سبب آخر وَهُوَ كون الزكاة الواجبة عَلَى السيد في العبد هَلْ هِيَ لمكان أن العبد يكلف أو أَنَّهُ مال فمن قَالَ لمكان أَنَّهُ مكلف اشترط الإسلام ومن قَالَ لمكان أَنَّهُ مال لَمْ يشترطه)).
(2)
انظر: الأم 2/ 65، والتهذيب 3/ 123،وروضة الطالبين 2/ 296، والمجموع 6/ 118، وكفاية الأخيار 1/ 372.
(3)
انظر: المغني 2/ 646، والمحرر 1/ 226.
(4)
انظر: البحر الزخار 3/ 199، والسيل الجرار 2/ 83.
(5)
انظر: المجموع 6/ 118.
(6)
انظر: المصدر السابق.
(7)
انظر: شرح السُّنَّة 6/ 72.
(8)
انظر: المغني 2/ 646.
(9)
انظر: المجموع 6/ 118 وفقه الإِمَام سعيد 2/ 190.
(10)
سبق تخريجه.
وجه الدلالة: وَهُوَ أن زيادة: ((من المُسْلِمِيْنَ)) خصصت صدقة الفطر الواجبة فهي تجب عَلَى المسلمين لا غَيْر.
القَوْل الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ (1) والظاهرية (2) وَهُوَ المروي عن ابن عَبَّاس (3) وأبي هُرَيْرَة (4) وابن عُمَر (5) وعمر بن عَبْد العزيز (6) وعطاء (7) وإِبْرَاهِيم النخعي (8) وسفيان الثوري (9) وإسحاق (10) وابن المبارك (11).
ودليلهم مَا روي عن عَبْد الله بن ثعلبة (12) قَالَ: خطب رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم الناس قَبْلَ الفطر بيوم أو يومين، فَقَالَ:((أدوا صاعاً من بر أو قمح بَيْنَ اثنين أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، عن كُلّ حر وعَبْد، وصغير وكبير)) (13). ووجه الدلالة أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الصدقة عن العبد من غَيْر أن يفرق بَيْنَ مُسْلِم وغيره.
وأجيب بأن إطلاق حَدِيث عَبْد الله بن ثعلبة مُقَيَّد بحديث عَبْد الله بن عُمَر فَقَدْ جاء عن البُخَارِيّ مُقَيَّداً بقوله: (من المسلمين).
واستدلوا بما روي عن ابن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: ((صدقة الفطر عن كُلّ صغير وكبير، ذكر وأنثى يهودي أو نصراني، حر أو مملوك، نصف صاع من بر أو
(1) انظر: الحجة عَلَى أَهْل المدينة 1/ 523 و 524، والمبسوط 3/ 103، وبدائع الصنائع 2/ 70، وشرح فتح القدير 2/ 34.
(2)
انظر: المحلى 6/ 132.
(3)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (5812).
(4)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (5813).
(5)
انظر: مصنف ابن أبي شَيْبَة (10374) و (10381).
(6)
انظر: مصنف ابن أبي شَيْبَة (10373)، والحجة 1/ 525.
(7)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (5811)، ومصنف ابن أبي شَيْبَة (10375).
(8)
انظر: الحجة عَلَى أَهْل المدينة 1/ 524، وشرح السُّنَّة 6/ 72.
(9)
انظر: المحلى 6/ 132، وشرح السُّنَّة 6/ 72.
(10)
انظر: شرح السُّنَّة 6/ 72، وفقه الإمام سعيد 2/ 190.
(11)
انظر: شرح السُّنَّة 6/ 72.
(12)
هُوَ عَبْد الله بن ثعلبة بن صعير مصغراً، ويقال: ابن أبي صُعير: لَهُ رؤية وَلَمْ يثبت لَهُ سَمَاع، توفي سنة (87 هـ)، وَقِيْلَ:(89 هـ).
تجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 301 (3182)، والإصابة 2/ 285، والتقريب (3242).
(13)
أخرجه عَبْد الرزاق (5785)، وأحمد 5/ 432، والبُخَارِيّ في تاريخه 5/ 36، وأبو دَاوُد (1621)، والدَّارَقُطْنِيّ 2/ 150، وهذا لفظهم، وقَدْ سبق لَنَا تخريجه مفصلاً عَلَى حسب طرقه واختلاف رواياته.
صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)) (1) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:((سلام الطويل متروك الحَدِيْث، وَلَمْ يسنده غيره)).
قُلْتُ: لذا فحديث ابن عَبَّاس غَيْر صالح للاحتجاج به (2).
المثال الثَّانِي: -قَالَ ابن الصَّلاح-: ((ومن أمثلة ذَلِكَ: حَدِيث: ((جعلت لَنَا الأرض مسجداً وجعلت ترتبتها لَنَا طهوراً)) (3) فهذه الزيادة تفرد بِهَا أبو مَالِك: سعد بن طارق الأشجعي (4)، وسائر الروايات لفظها:((وجعلت لَنَا الأرض مسجداً وطهوراً)) (5) فهذا وما
(1) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ 2/ 150.
(2)
انظر: الضعفاء الكبير للعقيلي 2/ 158، والمجروحين 1/ 339 ط محمود إِبْرَاهِيم زايد، والكامل 3/ 299 ط الفكر، وميزان الاعتدال 3/ 252.
(3)
أخرجه: الطَيَالِسِيّ (418)، وابن أبي شَيْبَة (1662) و (31640)، وأَحْمَد 5/ 383، وَمُسْلِم 2/ 63 (522)(4)، والنَّسَائِيّ في الكبرى (8022)، وابن خزيمة (264)، وأبو عوانة 1/ 303، والطحاوي في شرح المشكل (1024)(4490)، وابن حبان (1694)(6409) وط الرسالة (1697)(6400)، والآجري في الشريعة (499)، والدَّارَقُطْنِيّ 1/ 175 - 176و 176، واللالكائي في أصول الاعتقاد (1444)(1445)، والبَيْهَقِيّ 1/ 213 و 223 و 230.
(4)
هُوَ سعد بن طارق، أبو مالك الأشجعي الكوفي: ثقة، توفي في حدود سنة (140 هـ).
الثقات 4/ 294، وتهذيب الكمال 3/ 121 (2195)، والتقريب (2240).
(5)
فَهُوَ مروي من حَدِيث عدة من الصَّحَابَة مِنْهُمْ:
1 -
جابر بن عَبْد الله، عِنْدَ:
ابن أَبِي شَيْبَة (7749)، (31633)، وأَحْمَد 3/ 304، والدارمي (1396)، والبُخَارِيّ 1/ 91 (335) و 1/ 119 (438)، وَمُسْلِم 2/ 63 (521)(3)، والنَّسَائِيّ 1/ 209 و 2/ 56 وَفِي الكبرى، لَهُ (815)، وأبي نُعَيْم في المستخرج (1150)، والبَيْهَقِيّ 2/ 433 وَفِي الدلائل، لَهُ 5/ 472 - 473. من طريق سيار أبي الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر.
2 -
عَبْد الله بن عَبَّاس، عِنْدَ:
ابن أَبِي شَيْبَة (7750) و (31634)، وأحمد 1/ 250و 301، وعَبْد بن حميد (643)، والطبراني في الكبير (11047)(11085)، والبَيْهَقِيّ 2/ 433 وَفِي الدلائل، لَهُ 5/ 473 - 474.
3 -
أبو موسى الأشعري، عِنْدَ: ابن أبي شَيْبَة (31636)، وأحمد 4/ 416.
4 -
أَبُو ذر الغفاري، عِنْدَ:
ابن أبي شَيْبَة (31641)، وأحمد 5/ 145 و 147، والدارمي (2470)، وأبي دَاوُد (489)، والبَيْهَقِيّ في دلائل النبوة 5/ 473.
5 -
أبو هُرَيْرَة، عِنْدَ:
أحمد 2/ 411، ومُسْلِم 2/ 64 (523)(5)، والتِّرْمِذِي (1553)، وابن ماجه (567) والطحاوي في شرح المشكل (1023)(1025)(4487)(4488)، وأبي نُعَيْم في المستخرج (1153)، والبَيْهَقِيّ 2/ 433، 9/ 5 وفي الدلائل، لَهُ 5/ 472، والبَغَوِيّ (3617).
6 -
ابن عُمَر، عِنْدَ:
=
أشبهه يُشبهُ القِسْم الأول من حَيْثُ إن مَا رَواهُ الجماعة عام وما رَواهُ المنفرد بالزيادة مخصوص، وَفِي ذَلِكَ مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بِهَا الحكم، ويشبه أيضاً القِسْم الثَّانِي من حَيْثُ إنه لا منافاة بَيْنَهُمَا)) (1).
وهذا من الحافظ ابن الصَّلاح نظر دقيق وعميق إذَ لَيْسَ في الحَدِيْث زيادة ذكرها راوٍ لَمْ يذكرها بقية الرواة عن نَفْس المدار واتحاد المخرج. إذ إن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة الحَدِيْث عن ربعي، وتفرد ربعي (2) عن حذيفة بِهِ، إلا أن في هَذَا الحَدِيْث زيادة عَلَى مَا ذكر في أحاديث أخر عن صحابة آخرين وللحافظ ابن حجر تعقيب عَلَى صنيع ابن الصَّلاح فَقَدْ قَالَ:((هَذَا التمثيل لَيْسَ بمستقيم أيضاً؛ لأن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة الحَدِيْث عن ربعي بن حراش رضي الله عنه كَمَا تفرد برواية جملته ربعي عن حذيفة رضي الله عنه. فإن أراد أن لفظة (تربتها) زائدة في هَذَا الحَدِيْث عَلَى باقي الأحاديث في الجملة، فإنه يرد عَلَيْهِ: أَنَّهَا في حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه أيضاً
…
وإن أراد: أن أبا مَالِك تفرد بِهَا، وأن رفقته عن ربعي رضي الله عنه لَمْ يذكروها كَمَا هُوَ ظاهر كلامه، فليس بصحيح)) (3).
ومع مراد ابن الصَّلاح أياً كَانَ فإن لهذا الحَدِيْث وزيادته أثراً في الفقه الإسلامي.
اختلف الفُقَهَاء فِيْمَا يجوز بِهِ التيمم عَلَى قولين:
1 -
لا يصح إلا بتراب لَهُ غبار يعلق باليد، وبهذا قَالَ ابن عَبَّاس (4)، والشَّافِعيّ (5)، وأحمد (6)، وإسحاق (7)، وأبو يوسف (8)،
=
البزار في كشف الاستار (311)، والطبراني في الكبير (13522)، وغيرهم. وانظر: شرح السيوطي: 188 - 189، وأثر علل الحَدِيْث 264 - 265.
(1)
معرفة أنواع علم الحديث: 78 - 79، 182 - 183 طبعتنا.
(2)
هُوَ ربعي بن حراش، أبو مريم العبسي، الكوفي: ثقة عابد مخضرم، يروي عن الصَّحَابَة، توفي سنة (100 هـ). أسد الغابة 2/ 162، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 176 (1824)، والتقريب (1879).
(3)
النكت عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح 2/ 700 - 701.
(4)
انظر: حلية العُلَمَاء 1/ 232، والمجموع 9/ 218.
(5)
انظر: الأم 6/ 50، ومختصر المزني:6،والأوسط 2/ 38 - 40، والحاوي الكبير 1/ 287 - 289، والمهذب 1/ 39، والمجموع2/ 213، وروضة الطالبين1/ 108 - 109، وفتح العلام1/ 66، وحاشية الجمل1/ 195.
(6)
انظر: المغني 1/ 249، والمحرر 1/ 22، والشرح الكبير 1/ 254، وشرح الزَّرْكَشِيّ 1/ 171، والانصاف 1/ 284.
(7)
انظر: الأوسط 2/ 41، وحلية الْعُلَمَاء 2/ 233، والمجموع 2/ 218.
(8)
انظر: تحفة الفُقَهَاء 1/ 79.
وابن المنذر (1)، ودَاوُد (2)، والزيدية (3). وروي عن ابن عَبَّاس، وإسحاق اشتراط أن يَكُون التراب عذباً (4).
2 -
يجوز التيمم بكل ماكان من جنس الأرض: وبهذا قَالَ حماد بن سليمان (5)، وأبو حَنِيْفَة (6)، ومُحَمَّد (7)، ويحيى بن سعيد (8)، وَقَالَ مَالِك: يجوز بكل مَا كَانَ وجه الأرض (9). وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ: إن كَانَ في ثوبك أو سرجك أو بردعتك تراب أو عَلَى شجر فتيمم بهِ (10).
3 -
يصح حَتَّى بالثلج: وبه قَالَ كُلّ من مَالِك (11)، والأوزاعي (12)، والثَّوْرِيّ (13)، وَفِي رِوَايَة عن مَالِك يصح بكل مَا كَانَ متصلاً بالأرض من النبات (14).
4 -
يجوز التيمم بالرمل: وَهُوَ رِوَايَة عن الشَّافِعيّ (15)، وأبي يوسف (16)، وأحمد (17)، والأوزاعي (18)، وأبي ثور (19).
5 -
ومذهب ابن حزم أن الأرض قسمان تراب وغير تراب فأما التراب فالتيمم بِهِ جائز إن كَانَ في موضعه من الأرض أما غَيْر التراب من الحصى أو الصفا أو
(1) انظر: الأوسط 2/ 38 والمجموع 2/ 213.
(2)
انظر: المجموع 2/ 213.
(3)
انظر: السيل الجرار 1/ 130.
(4)
انظر: الحاوي 1/ 290.
(5)
انظر: المغني 1/ 248.
(6)
انظر: المبسوط 1/ 109، والهداية 1/ 25، والاختيار 1/ 2، وتبيين الحقائق 1/ 38 - 39، وحاشية رد المحتار 1/ 239.
(7)
انظر: تحفة الفُقَهَاء 1/ 79، والهداية 1/ 25.
(8)
انظر: المدونة 1/ 46.
(9)
انظر: المدونة 1/ 46، والاستذكار 3/ 352، والمنتقى للباجي 1/ 116 وبداية المجتهد 1/ 51، وشرح منح الجليل 1/ 90، وسراج السالك 1/ 85، وأسهل المدارك 1/ 127.
(10)
انظر: المحلى 2/ 161.
(11)
انظر: المدونة 1/ 46، والاستذكار 1/ 352، والمنتقى للباجي 1/ 116، وبداية المجتهد 1/ 51.
(12)
انظر: المجموع 2/ 213، وفقه الإِمَام الأوزاعي 1/ 75.
(13)
انظر: المجموع 2/ 213.
(14)
انظر: بداية المجتهد 1/ 51، وحلية العُلَمَاء 1/ 232، والاستذكار 1/ 352.
(15)
انظر: الحاوي 1/ 291، وحلية العُلَمَاء 1/ 232، والمجموع 2/ 214.
(16)
انظر: حلية العُلَمَاء 1/ 232 والهداية 1/ 25.
(17)
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 9ب، والمغني 1/ 249، والشرح الكبير 1/ 255، والانصاف 1/ 284.
(18)
انظر: الأوسط 2/ 39، والمغني 1/ 248.
(19)
انظر: الأوسط 2/ 39، والاستذكار 1/ 353.
الرخام أو الرمل أو الزرنيخ أو الجص أو الثلج فإن كَانَ في الأرض غَيْر مزال عَنْهَا إلى شيء آخر فجائز التيمم بِهِ وإن كَانَ مزالاً عَنْهَا فَلَا يجوز التيمم به (1).
مثال آخر للزيادة المقبولة بسبب كثرة الرواة
رَوَى عَبْد الأعلى (2)، عن عبيد الله (3) بن عُمَر، عن نافع أن عَبْد الله بن عُمَر كَانَ إذَا دخل في الصَّلَاة كبر ورفع يديه، وإذَا ركع رفع يديه، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حمده رفع يديه، وَإِذَا قام من الركعتين رفع يديه، رفع (4) ذَلِكَ ابن عُمَر إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
هكذا رَواهُ الإِمَام البُخَارِيّ (5) وابن حزم (6) من طريق عياش (7)، وأبو دَاوُد (8)، والبيهقي (9) من طريق نصر بن عَلِيّ (10)، والبيهقي (11)، والبغوي (12) من طريق إسماعيل بن بشر بن مَنْصُوْر (13)؛ ثلاثتهم (عياش، ونصر بن عَلِيّ، وإسماعيل بن بشر) رووه عن عَبْد الأعلى من هَذَا الوجه.
وَقَدْ خولف عَبْد الأعلى في هَذَا الحَدِيْث مرتين: خولف في رفعه وخولف بذكر
(1) انظر: المحلى 2/ 158.
(2)
هُوَ عَبْد الأعلى بن عَبْد الأعلى البصري السامي: ثِقَة، مات سنة تسع وثمانين ومئة.
تهذيب الكمال 4/ 336 (3675)، والكاشف 2/ 611 (3078)، وتقريب التهذيب:(3734).
(3)
هُوَ عبيد الله بن عُمَر بن حفص بن عاصم بن عُمَر بن الخطاب: ثِقَة ثبت مات سنة (147هـ).
تهذيب الكمال 5/ 54 (4257)، والكاشف 1/ 685 (3576)، وتقريب التهذيب (4324).
(4)
وهذه إحدى صيغ الرفع عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ، انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 46، وَفِي طبعتنا:125.
(5)
في صحيحه 1/ 188 (739) وَفِي رفع اليدين (49).
(6)
في المحلى 4/ 90.
(7)
هُوَ: عياش بن الوليد الرقام، أبو الوليد البصري: ثِقَة مات سنة ست وعشرين ومئتين.
الثقات 8/ 509، وتهذيب الكمال 5/ 536 (5192)، وتقريب التهذيب:(5272).
(8)
في سننه (741).
(9)
في سننه الكبرى 2/ 70.
(10)
هُوَ نصر بن عَلِيّ الجهضمي: ثِقَة ثبت طلب للقضاء فامتنع، توفي سنة (250 هـ)، وَقِيْلَ:(251 هـ).
تهذيب الكمال 7/ 325 (7001)، والكاشف 2/ 319 (5819)،وتقريب التهذيب (7120).
(11)
في سننه الكبرى 2/ 136.
(12)
في شرح السُّنَّة (560).
(13)
هُوَ إسماعيل بن بشر بن منصور السليمي: بصري يكنى أبا بشر: صدوق تكلم فِيهِ للقدر، مات سنة خمس وخمسين ومئتين. تهذيب الكمال 1/ 222 (420)، والكاشف 1/ 244 (359)، وتقريب التهذيب (426).
زيادة: ((وَإِذَا قام من الركعتين رفع يديه)) (1).
فَقَدْ خالفه عَبْد الله بن إدريس (2) وعَبْد الوهاب الثقفي (3)، والمعتمر بن سليمان (4) فرووه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عُمَر موقوفاً.
وَقَدْ خولف عَبْد الأعلى لعدم ذكر الزيادة خالفه الإِمَام مَالِك (5) فرواه عن نافع، عن ابن عُمَر موقوفاً، بدون ذكر الزيادة.
وخالفه أيضاً حماد بن سلمة (6) وإبراهيم بن طهمان (7) فروياه عن أيوب السختياني، ورواه ابن طهمان عن موسى بن عُقْبَة (8).
ورواه صالح بن كيسان (9)؛ ثلاثتهم (أيوب، وموسى، وصالح)، عن نافع، عن ابن
(1) والمختار قبول الرفع وصحة الزيادة، فَقَدْ صححهما إمام المُحَدِّثِيْنَ أبو عَبْد الله البُخَارِيّ إِذْ أودعهما في صحيحه، وَقَدْ حكى الدَّارَقُطْنِيّ في العلل الاختلاف في وقفة ورفعه وَقَالَ:((الأشبه بالصواب قَوْل عَبْد الأعلى)) (نقله عَنْهُ الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/ 222).
(2)
هُوَ: عَبْد الله بن إدريس بن يزيد بن عَبْد الرحمان الأودي: ثِقَة فقيه عابد، توفي سنة (192 هـ).
تهذيب الكمال 4/ 86 (3147)، والكاشف 1/ 538 (2627)،وتقريب التهذيب (3207).
وحديثه أشار إِليهِ الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن الإسماعيلي (فتح الباري 2/ 222).
(3)
هُوَ عَبْد الوهاب بن عَبْد المجيد الثقفي: ثِقَة تغير قَبْلَ موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وتسعين ومئة.
تهذيب الكمال 5/ 18 (4192)، والكاشف 1/ 674 (7519)، وتقريب التهذيب (4261)، وروايته لَمْ أقف عَلَيْهَا، لَكِنْ ذكرها ابن حجر في فتح الباري 2/ 222.
(4)
هُوَ: المعتمر بن سليمان التيمي يلقب الطفيل: ثِقَة مات سنة سبع وثمانين ومئتين.
تهذيب الكمال 7/ 169 (6673)، والكاشف 2/ 279 (5546)، وتقريب التهذيب (6785)، وروايته لَمْ أقف عَلَيْهَا، وذكرها ابن حجر في فتح الباري 2/ 222.
(5)
موطأ الإِمَام مَالِك (100) رِوَايَة مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني، و (80) رِوَايَة سويد بن سعيد، و (210) رِوَايَة أبي مصعب الزُّهْرِيّ، و (201) رِوَايَة يَحْيَى الليثي.
(6)
حديثه أخرجه أحمد 2/ 100، وأشار إِليهِ البُخَارِيّ 1/ 188 عقب (739)، وفي جزء رفع اليدين (52) و (53) والطحاوي في شرح المشكل (5832)، والبَيْهَقِيّ 2/ 70، وابن حجر في تغليق التعليق 2/ 305 مرفوعاً من غَيْر ذكر الزيادة.
(7)
هُوَ إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد سكن نيسابور ثُمَّ مكة: ثِقَة يغرب وتكلم فِيهِ للارجاء، ويقال: رجع عَنْهُ، مات سنة ثمان وستين ومئة.
تهذيب الكمال 1/ 115 (182) والكاشف 1/ 214 (148)، وتقريب التهذيب (189).
وحديثه عِنْدَ البُخَارِيّ أشار إِليهِ في صَحِيْحه 1/ 188 عقب حَدِيث (739)، وأخرجه البَيْهَقِيّ 2/ 70 - 71، وابن حجر في تغليق التعليق 2/ 306.
(8)
حديثة أخرجه البَيْهَقِيّ 2/ 70 - 71، وابن حجر في تغليق التعليق 2/ 306
(9)
هُوَ صالح بن كيسان المدني: مؤدب ولد عُمَر بن عَبْدالعزيز: ثِقَة ثبت فقيه، مات سنة ثلاثين ومئة
=
عُمَر مرفوعاً، بدون ذكر الزيادة.
إلا أن عَبْد الأعلى لَمْ ينفرد بالحديث، فَقَدْ توبع عَلَيْهِ متابعات تامة ونازلة، تابعه عَلَى الرفع والزيادة محارب بن دثار (1) فرواه عن عَبْد الله بن عُمَر. وتوبع عَلَى ذكر الزيادة أيضاً، لَكِنْ من طرق موقوفة عَلَى ابن عُمَر، تابعه ابن جريج (2)، والليث بن سعد (3) متابعة نازلة عن نافع إلا أنهم رووه موقوفاً. وَقَدْ توبع عَبْد الأعلى بذكر الزيادة والرفع فرواه معتمر بن سليمان (4)، عن عبيد الله بن عَبْد الله، عن الزُّهْرِيّ، عن سالم، عن ابن عُمَر، بِهِ.
وعبد الوهاب الثقفي (5)، عن عبيد الله، عن الزُّهْرِيّ، عن نافع، عن ابن عمر، بِهِ. ثُمَّ إن لحديث عَبْد الأعلى بزيادته شواهد من حَدِيث أبي حميد الساعدي (6)، والإِمَام
=
أو بعد الأربعين. تهذيب الكمال 3/ 434 (2820)، والكاشف 1/ 498 (2358)، وتقريب التهذيب (2884).
وحديثه أخرجه الإِمَام أحمد 2/ 132، وأحاله عَلَى الحَدِيْث الَّذِي قبله، والدَّارَقُطْنِيّ 1/ 295 - 296 وفي رِوَايَة أَحْمَد زاد (وحين يسجد).
(1)
وَهُوَ: ثِقَة إمام زاهد، مات سنة ست عَشْرَة ومئة (تقريب التهذيب: 6492)، وحديثه عِنْدَ ابن أبي شَيْبَة (2439)، والبُخَارِيّ في جزء رفع اليدين (26)، وأبي دَاوُد (743)، وابن حزم في المحلى 4/ 90 من طرق عن عاصم بن كليب عن محارب بن دثار عن عَبْد الله بن عُمَر بلفظ:((كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا قام في الركعتين كبر ورفع يديه))، وَفِي بَعْض الكُتُب:((من الركعتين)) إلا أن البُخَارِيّ أخرجه في ((جزء رفع اليدين)) (48) من طريق أخرى عن عَبْد الواحد بن زياد، قَالَ: حَدَّثَنَا محارب بن دثار، قَالَ: رأيت عَبْد الله افتتح الصَّلَاة كبر ورفع يديه وَإِذَا أراد أن يركع رفع يديه وَإِذَا رفع رأسه من الركوع)). هكذا رَواهُ موقوفاً عَلَى ابن عُمَر من غَيْر ذكر للزيادة.
(2)
حديثه عِنْدَ عَبْد الرزاق (2520)، والبُخَارِيّ في جزء رفع اليدين (40).
(3)
حديثه عِنْدَ البُخَارِيّ في جزء رفع اليدين (51).
(4)
عِنْدَ النَّسَائِيّ 3/ 3، وَفِي الكبرى (1105)، وابن خزيمة (693)، والطحاوي في شرح المشكل (5829) و (5830) وانظر: تحفة الأشراف 5/ 381 (6876).
(5)
أخرجه البُخَارِيّ في جزء رفع اليدين (80).
(6)
الصَّحَابِيّ الجليل أبو حميد الساعدي، اختلف في اسمه فقيل: المنذر بن سعد، وَقِيْلَ: عَبْد الرَّحْمَان، وَقِيْلَ: عَمْرو، واختلف في اسم أبيه أَيْضاً، عاش إِلَى أول خلافة يزيد سنة ستين هجرية.
أسد الغابة 4/ 417، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/ 95 (1070)، والتقريب (8065).
وحديثه أخرجه أحمد 5/ 424، والدارمي (1363)، والبُخَارِيّ في ((جزء رفع اليدين)) (3) و (4)، وأبو دَاوُد (730)، وابن ماجه (862)، والتِّرْمِذِي (304) و (305)، والنَّسَائِيّ 3/ 2 - 3، وَفِي الكبرى، لَهُ (1104)، وابن الجارود (192) و (193)، وابن خزيمة (587)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 223، وابن حبان (1863) و (1866) و (1872) وَفِي ط الرسالة (1867) و (1870)
=
عَلِيّ (1)، وأبي هُرَيْرَةَ (2).
وهناك شاهد أخرجه أبو داود (3)، قَالَ: حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن لهيعة، عن أبي هبيرة (4)، عن ميمون المكي (5)، أَنَّهُ رأى عَبْد الله بن الزُّبَيْر وصلى بهم يشير بكفيه حِيْنَ يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فيقوم فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عَبَّاس فقلت: إني رأيت ابن الزُّبَيْر صلى صلاة لَمْ أر أحداً يصليها، فوصفت لَهُ هذِهِ الإشارة، فَقَالَ: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة عَبْد الله بن الزُّبَيْر.
وابن لهيعة وإن كَانَ فِيهِ مقال، إلا أن رِوَايَة قتيبة بن سعيد عَنْهُ جيدة، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل (6).
وَقَدْ اعترض عَلَى هَذَا الحَدِيْث صاحب عون المعبود فَقَالَ: ((هَذَا يدل عَلَى مشروعية الرفع عِنْدَ القيام من السجود، لَكِنَّهُ مَعَ ضعفه معارض بحديث ابن عُمَر المروي في صَحِيْح البُخَارِيّ، وفيه: ((ولايفعل ذَلِكَ حِيْنَ يسجد وَلَا حِيْنَ يرفع رأسه من السجود)))) (7).
لَكِن الَّذِي يبدو لي: أن لا معارضة بَيْنَ الحديثين فيحمل حَدِيث ابن الزُّبَيْر عَلَى العموم، وحديث ابن عُمَر مخصص لَهُ فخرج من العموم إلى الخصوص، وهذا أولى من ادعاء التعارض.
=
و (1876)، والبَيْهَقِيّ 2/ 72.
(1)
أخرجه أحمد 1/ 93، والبُخَارِيّ في ((جزء رفع اليدين)) (1) و (9)، وأَبُو دَاوُد (744) و (761)، وابن ماجه (864)، والتِّرْمِذِي (3423)، وابن خزيمة (584)،والدَّارَقُطْنِيّ 1/ 287، وذكر الخلال في ((علله)) عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي قَالَ: سئل أحمد عن حَدِيث عَلِيّ هَذَا فَقَالَ: صَحِيْح. انظر: (نصب الراية 1/ 412).
(2)
أخرجه أبو دَاوُد (738)، وابن خزيمة (694).
(3)
في سننه (739).
(4)
هُوَ عَبْد الله بن هبيرة بن أسعد السبئي الحضرمي، أَبُو هبيرة المصري: ثقة، توفي سنة (126 هـ).
تهذيب الكمال 4/ 310 (3616)، والكاشف 1/ 605 (3033)، والتقريب (3678).
(5)
وَهُوَ مجهول من الرابعة. تهذيب الكمال 7/ 297 (6938)، والتقريب (7054).
(6)
سير أعلام النبلاء 8/ 17 إلا أن الحَدِيْث من معنعنات ابن لهيعة.
(7)
عون المعبود 1/ 269، ومما ينبغي التنبيه عَلَيْهِ أن صاحب عون المعبود قَدْ توهم في تعيين شيخ ابن لهيعة، فزعم أن أبا هبيرة مُحَمَّد بن الوليد بن هبيرة الهاشمي الدِّمَشْقِيّ، وَهُوَ خطأ محض، صوابه: عَبْد الله بن هبيرة بن أسعد: وهو ثِقَة (التقريب:3678)، وَقَدْ نبه عَلَى هَذَا الوهم صاحب بذل المجهود 4/ 459، وَقَدْ بذل الجهد في بيان الخطأ من الصَّوَاب.