الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطحاوي (1) وابن حبان (2) وابن عدي (3) والدارقطني (4) والبيهقي (5) والبغوي (6).
وجه الدلالة من هَذَا الْحَدِيْث: أن الأملاك إذا استقلت وتحدد كُلّ مِنْهَا، فَلَا يبقى هناك مجال للشفعة، وهذا حال الجار، إذ مُلْكُهُ بيِّنٌ واضِحٌ (7).
وأجابوا عن الْحَدِيْث الَّذِي استدل بِهِ أصحاب المذهب الثاني بعدة أمور، مِنْهَا:
معارضته لما هُوَ أصح مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيْث جابر الَّذِي استدلوا بِهِ، قَالَ ابن القيم:
((والذين ردوا حَدِيْث عَبْد الملك بن أبي سليمان ظنوا أنَّهُ معارض لحديث جابر الَّذِي رَوَاهُ أبو سلمة عَنْهُ: ((الشفعة فِيْمَا لَمْ يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فَلَا شفعة)).
وفي الحقيقة لا تعارض بَيْنَهُمَا، فإن منطوق حَدِيْث أبي سلمة انتفاء الشفعة عِنْدَ تمييز الحدود وتصريف الطرق، واختصاص كُلّ ذي ملك بطريق، ومنطوق حَدِيْث عَبْد الملك: إثبات الشفعة بالجوار عِنْدَ الاشتراك في الطريق، ومفهومه: انتفاء الشفعة عِنْدَ تصريف الطرق، فمفهومه موافق لمنطوق حَدِيْث أبي سلمة وأبي الزبير، ومنطوقه غَيْر معارض لَهُ،
…
)) (8).
المبحث الرابع
مخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله
وضع الحنفية شروطاً للعمل بخبر الآحاد، يمكن أن تَكُوْن عاضداً للظن الَّذِي يوجبه خبر الواحد (9).
(1) في شرح المعاني 4/ 122.
(2)
(5192) و (5194)، وفي طبعة الرسالة (5184) و (5186).
(3)
في الكامل 5/ 101.
(4)
في سننه 4/ 232.
(5)
في سننه 6/ 102 - 103.
(6)
الشَّيْخ الإمام الحَافِظ، أبو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مسعود بن مُحَمَّد البغوي صاحب التصانيف كـ " شرح السنة " و " معالم التنْزيل "، مات سنة (516 هـ).
سير أعلام النبلاء 19/ 439 و 440 و 442، وتذكرة الحفاظ 4/ 1257 و 1258. والحديث أخرجه في شرح السُّنَّة (2171).
(7)
عون المعبود 3/ 306.
(8)
تهذيب السنن 5/ 167، وانظر: تنقيح التحقيق 3/ 58.
(9)
ميزان الأصول: 431، تح: د. مُحَمَّد زكي عَبْد البر، و 2/ 639 تح: د. عَبْد الملك السعدي.
ومن بَيْن تِلْكَ الشروط: أن لا يعمل الرَّاوِي بخلاف روايته (1)، ووافقهم عَلَى هَذَا بَعْض المالكية (2)؛ لأنَّهُ ما عمل بخلافه إلا وَقَدْ تيقن من طريق صحيحة نسخه، أو صرفه عن ظاهره بتأويله أو تخصيصه، سواء كَانَ هَذَا من معاينة حال رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، أو سَمَاع نصٍ جلي صريح مِنْهُ، أو علم إجماع الصَّحَابَة عَلَى خلاف مضمونه، فأوجب هَذَا عَلَيْهِ القول بمقتضى المتأخر من حَيْثُ علمه (3).
وفصّل أبو بكر الرازي الجصاص من الحنفية، فرأى أن الخبر المروي عَلَى هَذِهِ الصورة لا يخلو عن حالتين:
الأولى: أن يَكُوْن الخبر محتملاً للتأويل، فعند ذَلِكَ لا يؤخذ بتأويل الصَّحَابِيّ فمن دونه، ويبقى الخبر عَلَى ظاهره معمولاً بمنطوقه، إلاّ عِنْدَ قيام دلالة عَلَى وجوب صرفه إِلَى ما يؤوله الرَّاوِي.
الثانية: أن لا يحتمل الخبر تأويلاً، ولا يمكن أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث تعبيراً من الصَّحَابِيّ، فهذا الَّذِي يتوقف في قبوله والعمل بِهِ (4).
وجمهور الفقهاء والأصوليين عَلَى خلافه، إذ لا يلزم من مخالفة الصَّحَابِيّ للحديث الَّذِي يرويه، أن يَكُوْن قَد اطَّلع عَلَى ناسخ لَهُ، أو بدا لَهُ وجه تأويله (5)، ثُمَّ إن المقتضي للحكم هُوَ ظاهر اللفظ في الخبر، وَهُوَ قائم، وما عارضه من فعل الرَّاوِي لا يصلح أن يَكُوْن معارضاً؛ وذلك لأن احتمال تمسكه بِمَا ظنه دليلاً - مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ - قائم، وتَدَيّن الصَّحَابِيّ وإحسان الظن بِهِ، يمنعه من تعمد الخطأ، أما السهو والغلط فممكن عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ ممكن عَلَى غيره (6).
وقول الصَّحَابِيّ - مهما كَانَتْ مكانته - لا تقاوم الوقوف بوجه النص، لا سيما إذا كَانَ النص لا يحتمل التأويل، وإنما يعدُّ هَذَا من اجتهادات ذَلِكَ الصَّحَابِيّ، والأمة ملزمة بالعمل بالنص، وغير ملزمة بالعمل باجتهادات الصَّحَابَة، قَالَ الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ
(1) كشف الأسرار للبزدوي 3/ 61، وأصول السرخسي 2/ 8، وميزان الأصول: 444 وتحقيق د. عَبْدالملك السعدي 2/ 655 - 657، وتيسير التحرير 3/ 71.
(2)
البحر المحيط 4/ 346.
(3)
ميزان الأصول: 445، تح: د. مُحَمَّد زكي عَبْد البر، و 2/ 656 تح: د. عَبْد الملك السعدي، وأصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد:36.
(4)
الفصول في علم الأصول 3/ 203.
(5)
أسباب اختلاف الفقهاء: 304.
(6)
إحكام الفصول للباجي 1/ 352 فقرة (314)، والمحصول 2/ 216.