الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمعمر بن راشد (1) قَالَ ابن رجب (2): ((حديثه بالبصرة فِيْهِ اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد)) (3)، وَقَالَ الإمام أحمد في رِوَايَة الأثرم (4):((حَدِيْث عَبْد الرزاق عَنْ معمر أحب إليّ من حَدِيْث هؤلاء البصريين، كَانَ يتعاهد كتبه وينظر، يعني باليمن، وَكَانَ يحدّثهم بخطأٍ بالبصرة)) (5). وَقَالَ يعقوب بن شيبة (6): ((سَمَاع أهل البصرة من معمر، حين قدم عليهم فِيْهِ اضطراب؛ لأن كتبه لَمْ تَكُنْ مَعَهُ)) (7).
ومن هَؤُلَاءِ أَيْضاً: إسماعيل بن عياش (8) قَالَ مُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة (9):
((سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ يَقُوْل: إسماعيل بن عياش ثقة فِيْمَا رَوَى عَنْ الشاميين، وأما روايته عَنْ أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عَنْهُمْ)) (10).
سادساً. عدم الضبط:
سبق الكلام أن الضبط من شروط صحة الْحَدِيْث الأساسية؛ ولكن بعض الرُّوَاة
-وإن كانوا ضابطين - إلا أنهم في بعض الأحايين يخف ضبطهم لبعض الأحاديث
(1) هُوَ معمر بن راشد، أبو عروة بن أبي عمرو الأزدي، مولاهم البصري: ثقة ثبت فاضل أحد الأعلام الثقات، توفي سنة (153هـ). طبقات ابن سعد 5/ 546، تاريخ البخاري 7/ 378، والتقريب (6809).
(2)
هُوَ عَبْد الرحمان بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي، ثُمَّ الدمشقي، ولد سنة (736 هـ)، من حفاظ الْحَدِيْث، من مصنفاته " فضائل الشام" و " شرح جامع الترمذي "، توفي سنة (795 هـ). الدرر الكامنة 2/ 321، والمنهج الأحمد 3/ 263، والأعلام 3/ 295.
(3)
شرح علل الترمذي 2/ 767.
(4)
هُوَ الإمام أبو بكر، أحمد بن مُحَمَّد بن هانئ الإسكافي الأثرم، أحد الأعلام، ومصنف " السنن "، توفي بَعْدَ سنة (271 هـ).
الجرح والتعديل 2/ 72،، وسير أعلام النبلاء 12/ 623، والمنهج الأحمد 1/ 131.
(5)
شرح علل الترمذي 2/ 767.
(6)
هُوَ يعقوب بن شيبة بن الصلت، أبو يوسف السدودسي: ثقة حافظ، صنف " المسند الكبير "، ولد في حدود سنة (180 هـ)، وتوفي سنة (262 هـ).
تاريخ بغداد 14/ 281، وتذكرة الحفاظ 2/ 577، والنجوم الزاهرة 3/ 47.
(7)
شرح علل الترمذي 2/ 767.
(8)
هُوَ إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة الحمصي: صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، مات سنة (181 هـ).
تهذيب الكمال 1/ 247 (465)، والكاشف 1/ 248 - 249 (400)، والتقريب (473).
(9)
هُوَ مُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة، أبو جعفر العبسي الكوفي، كَانَ كثير الْحَدِيْث واسع الرِّوَايَة، توفي سنة (297 هـ). تاريخ بغداد 3/ 42، والأنساب 4/ 116، وتذكرة الحفاظ 2/ 661.
(10)
تهذيب الكمال 1/ 250، وانظر: الكواكب النيرات: 98.
خاصة، وَهُوَ أمرٌ اعتيادي يحصل لبني الإنسان؛ لأن الضبط كَمَا سبق أمرٌ نسبيٌّ. وهذا الباب الَّذِيْ يمكن من خلاله دخول الوهم في بَعْض أحاديث الثقات يعدُّ سبباً من أسباب اختلاف الروايات متناً وإسناداً مِمَّا يؤدي بالمحصلة النهائية إِلَى حصول بَعْض الاختلافات في بَعْض الأحاديث. وهذا الأمر نراه جلياً في أحاديث الثقات الَّتِيْ أخطؤوا فِيْهَا. وما يأتي في كَثِيْر من الأمثلة اللاحقة دليل لما أصّلناه في أن الضبط أمرٌ نسبيٌّ ينفك عَنْ بعض الثقات أحياناً في بعض الأحاديث.
وَكَانَ هناك رواة، لَهُمْ كتب صحيحة متقنة وفي حفظهم شيء وهؤلاء كانوا أحياناً إِذا حدثوا من حفظهم غلطوا وإذا حدثوا من كتابهم أصابوا، وهذا أمر أولاه العلماء عناية؛ لأن فِيْهِ مزيد ضبط في رِوَايَة هَذَا الرَّاوِي خاصة، ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ شريك القاضي وَهُوَ شريك بن عَبْد الله النخعي، الكوفي، القاضي بواسط، ثُمَّ الكوفة، أبو عَبْد الله: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة (1).
قَالَ فِيْهِ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عمار الموصلي (2): ((شريك كتبه صحاح فمن سَمِعَ مِنْهُ من كتبه فهو صَحِيْح، قَالَ: وَلَمْ يَسْمَع من شريك من كتابه إلا إسحاق الأزرق (3))) (4). وَقَالَ فِيْهِ يعقوب بن شيبة: ((كتبه صحاح)) (5). وفي رِوَايَة الْخَطِيْب البغدادي (6) عَنْ يعقوب في شريك: ((ثقة صدوق، صَحِيْح الكتاب، رديء الحفظ مضطربه)) (7).
ومن الأمور الَّتِيْ يدخل الاختلاف بسببها لعدم الضبط، هُوَ عدم الضبط في بلد معين، وَهُوَ أن يَكُوْن الرَّاوِي ضابطاً إلا أنه في سماعه لحديث أهل بلدٍ معين لا يَكُوْن
(1) التقريب (2787).
(2)
هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عمار، أبو جعفر الموصلي، محدث الموصل، ولد بَعْدَ الستين ومئة: ثقة صاحب حَدِيْث، توفي سنة اثنتين وأربعين ومئتين. سير أعلام النبلاء 11/ 469 - 470.
(3)
هُوَ أبو مُحَمَّد إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي الواسطي المخزومي المعروف بالأزرق: ثقة، ولد سنة (117 هـ)، وتوفي سنة (195 هـ).
تهذيب الكمال 1/ 203 (389)، وسير أعلام النبلاء 9/ 171، والتقريب (396).
(4)
شرح علل الترمذي 2/ 759.
(5)
شرح علل الترمذي 2/ 759.
(6)
أبو بكر أحمد بن عَلِيّ بن ثابت البغدادي، (الحَافِظ الناقد)، ولد سنة (392 هـ)، رحل إِلَى البصرة ونيسابور وأصبهان ومكة ودمشق والكوفة والري وصنف قريباً من مئة مصنف مِنْهَا:" تاريخ بغداد " و " الجامع لأخلاق الرَّاوِي "، توفي سنة (463 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 270، ومرآة الجنان 3/ 67، والبداية والنهاية 12/ 91.
(7)
تاريخ بغداد 9/ 284.
ضابطاً لحديثهم لعدم تأهبه لِذَلِكَ؛ لأن الضبط كَمَا يَكُوْن في الأداء يَكُوْن في التحمل فإن لَمْ يتحمل جيداً -لاختلال في السَّمَاع، أو عدم جودةٍ في تقييد الكتاب- لَمْ يؤد جيداً، ومثل هَذَا قَدْ حصل لعدد من الرُّوَاة، فتجد أحاديثهم جياداً في روايتهم عَنْ أهل بلد معين، وتجدها دون ذَلِكَ عِنْدَ أهل بلد آخر لخلل طرأ في السَّمَاع والتحمل.
ومن أولئك الرُّوَاة الَّذِيْنَ تضعّف روايتهم في بلد دون آخر إسماعيل بن عياش، وَهُوَ إسماعيل بن عياش بن سليم العَنْسيُّ - بالنون - أبو عتبة الحمصي: صدوق في روايته عَنْ أهل بلده مُخَلِّط في غيرهم (1). قَالَ يعقوب بن سفيان (2): ((تكلَّم قومٌ في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدلٌ، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يُغرِبُ عَنْ ثقات المدنيين والمكيين)) (3). وَقَالَ أبو بكر بن أبي خيثمة: سُئِلَ يحيى بن معين عَنْ إسماعيل بن عياش، فَقَالَ:((ليس بِهِ بأس في أهل الشام. والعراقيون يكرهون حديثه)) (4). وَقَالَ مضر بن مُحَمَّد الأسدي (5)، عَنْ يَحْيَى:((إذا حدَّث عَنْ الشاميين وذكر الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدّث عَنْ الحجازيين والعراقيين، خلّط ما شئت)) (6). وَقَالَ أبو داود: سألت أحمدَ عَنْ إسماعيلَ بنِ عياش فَقَالَ: ((ما حدّث عَنْ مشايخهم. قلت: الشاميين؟ قَالَ: نعم. فأما ما حدث عَنْ غيرهم، فعنده مناكير)) (7). وَقَالَ أبو طَالِب أحمد بن حميد (8): سَمِعْتُ أحمد بن حَنْبَل يَقُوْل: ((إسماعيل بن عيّاش ما رَوَى عَن الشاميين صَحِيْح، وما رَوَى عَنْ أهل الحجاز فليس بصحيح)) (9)
(1) التقريب (473).
(2)
هُوَ أبو يوسف، يعقوب بن سُفْيَان بن جوان الفارسي، الفسوي، من أهل مدينة فسا، ويقال لَهُ: يعقوب بن أبي معاوية: ثقة حافظ، ولد في حدود سنة (190 هـ)، وتوفي سنة (277 هـ).
الثقات 9/ 287، وسير أعلام النبلاء 13/ 180، والتقريب (7817).
(3)
الْمَعْرِفَة والتاريخ 2/ 423، ونقله المزي في تهذيب الكمال 1/ 249.
(4)
تهذيب الكمال 1/ 250.
(5)
هُوَ مضر بن مُحَمَّد بن خالد بن الوليد بن مضر، أبو مُحَمَّد الأسدي، القاضي ولي قضاء واسط، توفي سنة (277 هـ). طبقات الحنابلة 1/ 339.
(6)
تهذيب الكمال 1/ 250.
(7)
سؤالات أبي داود للإمام أحمد: 264 (300)، وتهذيب الكمال 1/ 250.
(8)
هُوَ أحمد بن حميد أبو طالب المشكاني، المتخصص بصحبة الإمام أحمد، توفي سنة (244 هـ).
تاريخ بغداد 4/ 122، وطبقات الحنابلة 1/ 40، والمنهج الأحمد 1/ 100.
(9)
الكامل، لابن عدي 1/ 472.