الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ مشكوك فِيهِ، فَلَا يترك اليقين للشك.
والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام، أما بول الصبية فَلَا يجزئ فِيهِ إلا الغسل (1).
أما الشَّافِعيّ نَفْسه فَقَدْ نَصَّ عَلَى جواز الرش عَلَى بول الصبي مَا لَمْ يأكل الطعام، واستدل عَلَى ذَلِكَ بالحديث، ثُمَّ قَالَ:((وَلَا يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة، وَلَوْ غسل بول الجارية كَانَ أحب إليَّ احتياطاً، وإن رش عَلَيْهِ مَا لَمْ تأكل الطعام أجزأ، إن شاء الله تَعَالَى)) (2).
وَقَدْ ذكر النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَمْ يذكر عن الشَّافِعيّ غَيْر هَذَا (3)، وَقَالَ البَيْهَقِيّ:((والأحاديث المسندة في الفرق بَيْنَ بول الغلام والجارية في هَذَا الباب إذَا ضُمَّ بعضها إلى بَعْض قويت، وكأنها لَمْ تثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ رحمه الله حِيْنَ قَالَ: ((وَلَا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة)) (4).
وقول الشَّافِعيّ هَذَا مرويٌّ عن النخعي، وَهُوَ رِوَايَة عن الأوزاعي، ووجه لبعض الشافعية، ووصفه النَّوَوِيّ: بأنه ضَعِيْف (5).
وهنا يأتي دور حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه ومثله حَدِيث أبي السمح رضي الله عنه خادم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فهي أحاديث ثابتة، وَقَدْ فرقت بَيْنَ بول الصبي وبين بول الصبية.
وَقَدْ ثبت هَذَا عِنْدَ أحمد؛ لِذلِكَ أخذ بِهِ وفرق بَيْنَهُمَا في الحكم، أما الشَّافِعيّ فَقَدْ صرح بأنه لَمْ يثبت عنده من السُّنَّة مَا يفرق بَيْنَهُمَا؛ لِذلِكَ رأى أن النضح يكفي فِيْهِمَا - وإن كَانَ الأحب إليه غسل بول الصبي احتياطاً -؛ وَلَوْ ثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ هذِهِ الأحاديث لأخذ بِهَا، فهذا هُوَ شأنه وشأن الفُقَهَاء كافة لا يتخطون السُّنَّة الثابتة عندهم إلى غيرها، مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عندهم معارض؛ ولذلك أطبق أصحاب الشَّافِعيّ عَلَى الفرق في الحكم بَيْنَ بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذِهِ الأحاديث (6).
نموذج آخر: وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة
سبق أن ذكرت أن الحكم في اختلاف الرفع والوقف لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية،
(1) المغني 1/ 734، وروضة الطالبين 1/ 31، وحاشية الجمل 1/ 188 - 189.
(2)
المجموع 2/ 590، وحاشية الجمل 1/ 188 - 189.
(3)
المصدر السابق.
(4)
السُّنَن الكبرى 2/ 416.
(5)
المجموع 2/ 590.
(6)
أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء: 216 - 221.
فَقَدْ تترجح الرِّوَايَة الموقوفة، وَقَدْ تترجح الرِّوَايَة المرفوعة؛ وَذَلِكَ حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالرواية، وهذه المرجحات مختلفة متفاوتة؛ إِذْ قَدْ تترجح رِوَايَة الأحفظ، أو الأكثر أو الألزم (1)، وما إلى غَيْر ذَلِكَ من المرجحات الَّتِي يراها نقاد الحَدِيْث وصيارفته، ومما رجحت فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة:
مَا رَواهُ عائذ بن حبيب (2)، قَالَ: حَدَّثَني عامر بن السِّمْط (3)، عن أبي الغَريف (4)، قَالَ: أُتي عَلِيٌّ بوَضوءٍ، فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثُمَّ مسح برأسه، ثُمَّ غسل رجليه، ثُمَّ قَالَ: هكذا رأيت رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثُمَّ قرأ شَيْئاً من القُرْآن، ثُمَّ قَالَ:((هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بجنب، فأما الجنب فَلَا، وَلَا آية)).
رَواهُ: الإِمَام أحمد بن حَنْبَل (5)، والبخاري في "تاريخه"(6)، وَالنَّسَائِيّ في "مُسْنَد عَلِيّ"(7)، وأبو يعلى (8)، والضياء (9) المقدسي (10)؛ جميعهم من طريق عائذ بن حبيب بهذا الإسناد.
والذي يهمنا من هَذَا الحَدِيْث طرفه الأخير.
وَقَدْ خولف عائذ في هَذَا الحَدِيْث، فَقَدْ أخرجه ابن أبي شَيْبَة (11) من طريق
(1) أي الأكثر ملازمة لشيخه.
(2)
هُوَ عائذ بن حبيب بن الملاح - بفتح الميم وتشديد اللام وبمهملة -، أبو أحمد الكوفي، ويقال: أبو هشام، (صدوق رمي بالتشيع)، أخرج حديثه النَّسَائِيّ وابن ماجه. التقريب (3117).
(3)
هُوَ عامر بن السمط - بكسر المُهْمَلَة وسكون الميم وَقَدْ تبدل موحدة -، التميمي، أبو كنانة الكوفي، (ثِقَة). التقريب (3091).
(4)
هُوَ عبيد الله بن خليفة، أبو الغريف - بفتح المُعْجَمَة وآخره فاء - الهمداني المرادي، الكوفي: صدوق رمي بالتشيع، أخرج حديثه النَّسَائِيّ وابن ماجه. التقريب (4286).
(5)
في المُسْنَد 1/ 110، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 4/ 27 (3027).
(6)
التأريخ الكبير 7/ 60 مختصراً لبعض ألفاظه.
(7)
كَمَا في تهذيب الكمال 4/ 27 (3027).
(8)
في مسنده (365).
(9)
هو الحافظ أبو عبد الله ضياء الدين مُحَمَّد بن عبد الواحد بن أحمد السعدي المقدسي، ولد سنة (569هـ)، من مصنفاته " فضائل الأعمال " و " الأحاديث المختارة " و " مناقب المحدثين "، توفي سنة (643 هـ).
تذكرة الحفاظ 4/ 1404، وسير أعلام النبلاء 23/ 126 و 128، والبداية والنهاية 13/ 143.
(10)
المختارة (621) و (622).
(11)
في مصنفه (1091).