الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنسخه
…
الخ كلامه)) (1).
وادَّعى الطحاوي أن هَذِهِ الإباحة كَانَتْ قَبْلَ تحريم الربا، ونسخت بتحريم الربا، فَقَالَ:((فلما حرم الربا، حرمت أشكاله كلها، وردت الأشياء المأخوذة إِلَى أبدالها المساوية لها، وحرم بيع اللبن في الضروع، فدخل في ذَلِكَ النهي عن النفقة الَّتِي يملك بِهَا المنفق لبناً في الضروع، وتلك النفقة فغير موقوف مقدارها، واللبن كَذَلِكَ أيضاً. فارتفع بنسخ الربا أن تجب النفقة عَلَى المرتهن بالمنافع الَّتِي يجب لَهُ عوضاً مِنْهَا، وباللبن الَّذِي يحتلبه فيشربه)) (2).
وأجاب القائلون بالمذهب الأول عن دعوى النسخ هَذِهِ، بأن شرط النسخ مَعْرِفَة التاريخ، حَتَّى يعلم المتقدم من المتأخر والناسخ من المنسوخ، وهذا متعذرٌ هنا، فكان القول بالنسخ قَوْلاً بالاحتمال، والاحتمال لا تؤسس عَلَيْهِ الأحكام (3).
ثُمَّ إن الجمع بَيْنَ هَذِهِ الأحاديث ممكن، وذلك بالقول أن نفقة الرهن تجب عَلَى الراهن مقابل الملك، فإذا امتنع عن النفقة كَانَ من حق المرتهن أن ينفق عَلَى الرهن حفظاً لَهُ من التلف، الَّذِي هُوَ إضاعة للمال، وَقَدْ نهى الشرع عَنْهُ، وبما أن نفقة المرتهن مال لَهُ، فيستحق العوض عَنْهُ، ومادام الراهن يمتنع عن النفقة، فإن للمرتهن أخذ العوض من مال الراهن وَلَوْ بغير إذنه، والركوب وشرب اللبن والمنافع الَّتِي لا تلحق نقصاً أو ضرراً بالعين المرهونة عوض، يستحقه المرتهن بدلاً عن نفقته (4).
النموذج الثاني: رد الشاة المصراة
اختلف الفقهاء في جواز رد الشاة المصراة إذا اطلع الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا العيب بَعْدَ الشراء عَلَى قولين:
الأول: لا يجوز رد الشاة المصراة، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ومحمد، وأبو يوسف في رِوَايَة عَنْهُ (5).
الثاني: يجوز ردها بعيب التصرية، وبه قَالَ جمهور الفقهاء، ومنهم: الشافعية (6)،
(1) التمهيد 14/ 215 - 216، وانظر شرح السنة 8/ 183 - 184.
(2)
شرح معاني الآثار 4/ 99.
(3)
مسائل من الفقه المقارن 2/ 48.
(4)
إعلام الموقعين 2/ 22 و 392.
(5)
شرح معاني الآثار 4/ 19، والمبسوط 13/ 139، وحاشية رد المحتار 5/ 44.
(6)
الحاوي الكبير 6/ 286، والمهذب 1/ 289، والتهذيب 3/ 420، ونهاية المحتاج 4/ 70 - 71.
والمالكية (1)، والحنابلة (2)، وجمهور أهل الْحَدِيْث (3).
واختلفوا في تعيين وجوب رد الصاع، أو ما ينوب عَنْهُ (4).
واستدل القائلون بالجواز بحديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بَعْد فإنه بخير النظرين بَعْدَ أن يحتلبها: إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) (5).
وأجاب من قَالَ بعدم الجواز: بأن هَذَا الْحَدِيْث مخالف للقياس من وجوه:
1 -
إن رد المبيع بلا عيب ولا خلاف في صفة لا تقره أصول الشريعة؛ وذلك لأن التصرية ليست من العيوب فإن البيع يقتضي سلامة المبيع، وقلة اللبن لاتعدُّ من العيوب الَّتِي تعدم السلامة؛ لأن اللبن ثمرة وبعدمه لا تنعدم صفة السلامة، فبقلته من باب أولى.
2 -
القاعدة أن الخراج بالضمان، فاللبن الحادث عِنْدَ الْمُشْتَرِي غَيْر مضمون، وَقَدْ نُصَّ عَلَى ضمانه.
3 -
إن الشيء المضمون (اللبن) مثلي، والقاعدة أن المثليات تضمن بمثلها، وَقَدْ ضمنه بغير المثل.
4 -
في الضمان إذا انتقل من المثل فإنه ينتقل إِلَى القيمة، والتمر المذكور في الْحَدِيْث لَيْسَ قيمة ولا مثْلاً.
5 -
أن المال المضمون يقدر بقدره قلة وكثرة، والقدر منصوص عَلَيْهِ هنا وَهُوَ الصاع (6).
وأجيب عن الأول بأنه لَيْسَ في أصول الشريعة ما يدل عَلَى انحصار أسباب الرد بهذين الأمرين، بَلْ إن الخيار يثبت للمشتري بالتدليس، وذلك لأن الْمُشْتَرِي رأى الضرع مملوءاً باللبن، فظن أن ذَلِكَ عادتها، فكأن البائع قَدْ شرط لَهُ ذَلِكَ، فإذا تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ثبت لَهُ الرد، لفقد الشرط المعنوي الَّذِي نوهنا بهُ.
(1) المدونة 4/ 286، والكافي في فقه أهل المدينة 2/ 60، والمنتقى 5/ 105، وأوجز المسالك 11/ 376.
(2)
المغني 4/ 233.
(3)
التمهيد 18/ 202، والإستذكار 5/ 546.
(4)
التمهيد 18/ 202، والمغني 4/ 234، وفتح الباري 4/ 364.
(5)
متفق عَلَيْهِ من حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ البُخَارِيّ 3/ 92 (2149) و (2150)، ومسلم 5/ 4 (1515).
(6)
المبسوط 13/ 139، وإعلام الموقعين 2/ 19، وفتح الباري 4/ 366.