الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرسل (1)، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (2)، إلا أنه لا يفرح به لتفرد عباد بن كثير الثقفي به؛ وَهُوَ متروك (3).
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (مقدار التعزير)
وما دمنا قَدْ تكلمنا عن حديث أبي بردة بتفصيل، وبينا الزيادة الواردة في بعض أسانيده، وبينا أن هذه الزيادة لم تقدح عند الشيخين -وهما من هما في الحفظ والإتقان-؛ فسنذكر أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء.
فأقول أولاً: الْحَدِيْث أصلٌ في حد عقوبة التعزير المعينة بالجلد (4).
والتعزير لغة: مصدر عَزَرَ من العَزْر، وهو الرد والمنع، ويقال: عزر أخاه بمعنى نصره؛ لأنَّهُ منع عدوه من أن يؤذيه، ويقال: عزرته بمعنى: وقرّته، وبمعنى أدبته، فَهُوَ من أسماء الأضداد. وسميت العقوبة تعزيراً؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها (5).
وفي الاصطلاح: هو عقوبة غير مقدرة شرعاً، تجب حقاً لله، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حدٌ ولا كفارة غالباً (6). وقد اختلف الفقهاء في أعلى المقدار الذي يعاقب به من استحق التعزير بالجلد على أقوالٍ:
القول الأول: أن لا يزاد على عشر جلدات. وهو قول كثير من أهل العلم، وبه قال الليث (7)، وأحمد في المشهور عَنْهُ (8) وإسحاق (9) ووجه عند الشافعية (10) وبه قال الظاهرية (11).
(1) فتح الباري 12/ 177.
(2)
سنن ابن ماجه (2602).
(3)
التقريب (3139).
(4)
للتعزير عقوبات متنوعة غير الجلد يعود تحديد نوعها إلى القاضي. انظر: المحلى 11/ 401، والمبسوط 24/ 35، والكافي 4/ 242، وروضة الطالبين 10/ 174، وشرح الدردير 4/ 354، والتعاريف: 186، وأنيس الفقهاء:174.
(5)
انظر: مقاييس اللغة 4/ 311، ولسان العرب 4/ 561، وتاج العروس 13/ 20 ((عزر)).
(6)
انظر: شرح فتح القدير 4/ 211، وكشاف القناع 6/ 121، والأحكام السلطانية للماوردي: 293، والبحر الزخار 6/ 210، والموسوعة الفقهية 12/ 254
(7)
شرح مشكل الآثار 6/ 234 عقيب (2446)، والمحلى 11/ 402 وهو رواية عنه.
(8)
المغني 10/ 347.
(9)
الإشراف 3/ 22.
(10)
إحكام الأحكام لابن دقيق 2/ 251 ط عالم الكتب، و 4/ 137 ط العلمية، والمحلى 11/ 402.
(11)
المحلى 11/ 402.
وحجة أصحاب هذا القول هو حديث أبي بردة الذي سبق تفصيله وهو حديث صحيح، ولم يقدح فيه إعلال الأصيلي وابن المنذر (1)، وقد أجاب عن الحديث وأظهر صحته الرافعي (2) وابن حجر (3).
وقد زعم بعض الشافعية: بأن الحديث منسوخ بإجْماع الصحابة على خلاف الْحَدِيْث (4). وقد أجاب عن ذلك ابن دقيق العيد، فقال:((وهذا ضعيف جداً، لأنه يتعذر عليه إثبات إجماع الصحابة على العمل بِخلافه، وفعل بعضهم أو فتواه لا يدل على النسخ)) (5).
القول الثاني: لا يبلغ به الحد.
وفي تحديد المقصود من "لا يبلغ به الحد"، مذاهب:
المذهب الأول: أن لا يبلغ بالتعزير أدنى حد مشروع، فعلى هذا لا ينبغي أن يزاد الحد على تسعة وثلاثين سوطاً؛ لأن حد العبد في الخمر والقذف أربعون سوطاً. وإلى هَذَا ذهب أبو حَنِيْفَةَ (6).
المذهب الثاني: يجب أن ينقص الجلد عن أقل حدود المعزَّر فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطاً، وللحر أن لا يزاد على تسعة وثلاثين سوطاً. وهذا هو المعتبر عند الشافعية (7).
المذهب الثالث: أدنى حد مشروع بالنسبة للحرِّ هو ثمانون سوطاً، فلا يبلغ بالتعزير هذا المقدار، وله أن يبلغ به تسعة وسبعين سوطاً.
وبه قال القاضي أبو يوسف (8) في رواية النوادر عنه، وزفر (9)، وحجته: أن اعتبار
(1) فتح الباري 12/ 177.
(2)
الإمام شيخ الشافعية، أَبُو القاسم عَبْد الكريم بن مُحَمَّد بن عَبْد الكريم الرافعي القزويني، صاحب التصانيف مِنْهَا:" الفتح العزيز في شرح الوجيز " و " شرح مسند الشَّافِعِيّ "، توفي سنة (623 هـ).
تهذيب الأسماء واللغات 2/ 264، وسير أعلام النبلاء 22/ 252 و 254، ومرآة الجنان 4/ 45.
(3)
فتح الباري 12/ 177، ونيل الأوطار 7/ 150.
(4)
إحكام الأحكام لابن دقيق 2/ 251 ط عالم الكتب، و 4/ 137 ط العلمية، وروضة الطالبين 10/ 175، ونيل الأوطار 7/ 150.
(5)
إحكام الأحكام 2/ 251 ط عالم الكتب، و 4/ 137 ط العلمية.
(6)
بدائع الصنائع 7/ 64.
(7)
المهذب 2/ 289، وحلية العلماء 8/ 101، ونهاية المحتاج 8/ 18 فما بعدها.
(8)
بدائع الصنائع 7/ 64، والمحلى 11/ 401، والهداية 2/ 117.
(9)
انظر: الهداية 2/ 117.