الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعبدالصمد بن عَبْد الوارث، عن هشام، ووقفه غيرهما عن هشام)) (1).
والرواية الموقوفة: رواها يَحْيَى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عَلِيّ، فذكره موقوفاً (2).
فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة (3)، وابن حبان (4)، والحاكم (5) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي -، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري (6) قَالَ:((قَالَ البُخَارِيّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه، وَهُوَ حافظ)) (7).
أقول: هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه، ووقفه، فإن الحكم عندهم للرفع، وَلَا تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ.
أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال)
وما دمت قَدْ فصلت القَوْل في حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً فسأذكر اختلاف الفُقَهَاء في كيفية التطهر من بول الأطفال (8).
(1) علل الدَّارَقُطْنِيّ 4/ 184 - 185 س (495).
تنبيه: مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من أن غَيْر معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفاً فإني لَمْ أجد هَذَا في شيء من كتب الحَدِيْث، ولعله وهمٌ من الدَّارَقُطْنِيّ يفسر ذَلِكَ قوله في السُّنَن 1/ 129 لما ساق رِوَايَة معاذ:((تابعه عَبْد الصمد، عن هشام، ووقفه ابن أبي عروبة، عن قتادة)). فلو كَانَتْ ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رِوَايَة ابن أبي عروبة، والله أعلم.
(2)
وهذه الرِّوَايَة الموقوفة أخرجها عَبْد الرزاق (1488)، وابن أبي شَيْبَة (1292)، وأبو دَاوُد (377)، والبيهقي 2/ 415.
(3)
صَحِيْح ابن خزيمة (284)، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يحكم عَلَيْهِ بلفظه، إلا انا قلنا ذَلِكَ عَنْهُ لالتزامه الصحة في كتابه قَالَ العماد بن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث: 27، وطبعة العاصمة 1/ 109:((وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة، وابن حبان)). وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح 1/ 291: ((حكم الأحاديث الَّتِي في كِتَاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بِهَا)). عَلَى أن الكِتَاب فِيهِ بَعْض مَا انتقد عَلَيْهِ.
(4)
صحيحه (1372)، وطبعة الرسالة (1375)، وانظر الهامش السابق.
(5)
المستدرك 1/ 165 - 166.
(6)
هو أبو مُحَمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشامي الأصل، ولد سنة (581 هـ)، من مصنفاته " المعجم "، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود "، توفي سنة (656هـ).
سير أعلام النبلاء 23/ 319 و 320، والعبر 5/ 232، وتذكرة الحفاظ 4/ 1436.
(7)
عون المعبود 1/ 145.
(8)
عَلَى أني قَدْ ذكرت هذِهِ المسألة في: "أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء": 216 - 222
=
وقبل أن أذكر آراء الفُقَهَاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عَلَيْهَا عِنْدَ الإشارة إلى الأدلة طلباً للاختصار.
فأقول:
1 -
صَحَّ عن عائشة زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: ((أتي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال عَلَى ثوبه، فدعا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه إياه)). رَواهُ مَالِك (1)، وزاد أحمد وَمُسْلِم وابن ماجه في روايتهم:((وَلَمْ يغسله)) (2).
2 -
صَحَّ عن أم قيس (3) بنت محصن ((أَنَّهَا أتت بابن صَغِير لَهَا -لَمْ يأكل الطعام- إلى رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجلسه في حجره، فبال عَلَى ثوبه؛ فدعا رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ، فنضحه وَلَمْ يغسله)). رَواهُ مَالِك، والشيخان: البُخَارِيّ وَمُسْلِم (4).
3 -
حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه وَقَدْ سبق: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية)).
4 -
صَحَّ عن أبي السمح (5) رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)).
=
بتفصيل أخصر من هَذَا.
(1)
الموطأ برواية الليثي 1/ 109 (164)، ومن طريق مَالِك أخرجه البُخَارِيّ 1/ 65 (222)، وأخرجه الحميدي (164)، وأحمد 6/ 46 و 212، والبخاري 7/ 108 (5468)، وَمُسْلِم 1/ 164 (286)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 157، وَفِي الكبرى (284)(292)، والطحاوي 1/ 93، والبيهقي 2/ 414.
(2)
مُسْنَد أحمد 6/ 52 و 210، وصحيح مُسْلِم 1/ 164 (286)، وسنن ابن ماجه (523).
(3)
هي أم قيس بنت محصن بن حرثان الأسدية أخت عكاشة بن محصن أسلمت بمكة وهاجرت.
أسد الغابة 5/ 609 - 610، وتهذيب الكمال 8/ 600 (8595)، والإصابة 4/ 485.
(4)
موطأ الإِمَام مَالِك برواية الليثي (165)، وأخرجه أيضاً البُخَارِيّ 1/ 66 (223) و 7/ 161 (5693)، وَمُسْلِم 1/ 164 (287) و 7/ 24 (287)(86)، والحميدي (343)، وأحمد 6/ 355 و 356، والدارمي (747)، وأبو دَاوُد (374)، وابن ماجه (524)، والترمذي (71)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 157، وَفِي الكبرى (291)، وابن خزيمة (285) و (286)، وأبو عوانة 1/ 202، والطحاوي 1/ 92، والطبراني في الكبير 25/ (436) و (437) و (438) و (439) و (440) و (441) و (443) و (444)، والبيهقي 2/ 414.
(5)
هُوَ أبو السمح، خادم رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، قِيلَ اسمه: زياد، صَحَابِيّ، حديثه عند أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ وابن ماجه. تهذيب الكمال 8/ 328 (8009)، وتجريد أسماء الصحابة 2/ 175، والتقريب (8147).
أخرجه: أبو دَاوُد (1)، وابن ماجه (2)، وَالنَّسَائِيّ (3)، وابن خزيمة (4)، والدارقطني (5)، والمزي (6).
وَقَد اختلف الفُقَهَاء في الأحكام المستفادة من هذِهِ الأحاديث عَلَى مذاهب أشهرها مَا يأتي:
المذهب الأول:
يرى أن التطهير من بول الرضيع - كالتطهير من بول الكبير - إنما يَكُون بغسله، وَلَا فرق في ذَلِكَ بَيْنَ بول رضيع أكل الطعام أو لَمْ يأكل، كَمَا أَنَّهُ لا فرق في ذَلِكَ بَيْنَ الذكر والأنثى. وإلى ذَلِكَ ذهب أبو حَنِيْفَة، وَهُوَ المشهور عن مَالِك عَلَى خِلَاف بَيْنَهُمَا في كيفية الغسل الَّذِي يجزئ في التطهير من النجاسة، فإن أبا حَنِيْفَة يشترط لتطهير النجاسة غَيْر المرئية تعدد مرات غسلها - ثلاثاً أو سبعاً والعصر بَعْدَ كُلّ غسلة (7)، وَلَمْ يشترط مَالِك أكثر من صب الماء عَلَى النجاسة بحيث يغمرها، ويذهب لونها وطعمها ورائحتها وَلَا يشترط لإزالة النجاسة إمرار اليد والعصر، ونحو ذَلِكَ (8).
وَقَدْ حملوا: ((إتباع الماء)) و ((نضحه)) و ((رشه))، هذِهِ الألفاظ كلها حملوها عَلَى مَعْنَى الغسل، وَقَدْ أفاض الطحاوي في إيراد الآثار الدالة عَلَى أن هذِهِ الألفاظ قَدْ تطلق ويراد بِهَا الغسل (9).
لَكِن هَذَا يؤخذ عَلَيْهِ: ان هذِهِ الألفاظ، وإن كَانَتْ تطلق أحياناً عَلَى الغسل فإن الحال في مسألتنا هذِهِ لا يحتمل ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ يؤدي إِلَى تناقض تتنَزه عَنْهُ نصوص
(1) في سننه (376).
(2)
في سننه (526).
(3)
في المجتبى 1/ 158، وَفِي الكبرى (293).
(4)
صحيحه (283).
(5)
في سننه 1/ 130.
(6)
هو جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمان بن يوسف القضاعي الكلبي، ولد سنة (654هـ)، من مصنفاته " تهذيب الكمال " و " الأطراف "، توفي سنة (742 هـ).
تذكرة الحفاظ 4/ 1498 و 1500، والدرر الكامنة 4/ 457، وشذرات الذهب 6/ 136.
والحديث أخرجه في تهذيب الكمال 8/ 328
(7)
المبسوط 1/ 92 - 93، وبدائع الصنائع 1/ 87، والاختيار 1/ 36، وفتح القدير 1/ 134، وحاشية الدر المختار 1/ 310.
(8)
المدونة الكبرى 1/ 24، والمنتقى 1/ 44 - 45، والاستذكار 1/ 402 - 403، وبداية المجتهد 1/ 61 - 62.
(9)
شرح معاني الآثار 1/ 92، وما بعدها.
الشريعة؛ فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَدْ جاء بلفظ: ((فدعا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بماءٍ فأتبعه وَلَمْ يغسله)) فإذا جَعَلَ أتبعه بمعنى غسله فإن المَعْنَى حينئذ يَكُون فغسله وَلَمْ يغسله.
وَكَذَلِكَ حَدِيث أم قيس بنت محصن قَدْ جاء بلفظ: ((فنضحه وَلَمْ يغسله)) فلو حمل النضح عَلَى مَعْنَى الغسل لكان التقدير: فغسله وَلَمْ يغسله، وهذا تناقض غَيْر معقول.
وأيضاً فإن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عطف الغسل عَلَى النضح في حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه، وعطف الرش عَلَى الغسل في حَدِيث أبي السمح رضي الله عنه، والعطف يَقْتَضِي المغايرة. فلو أريد بهما مَعْنَى واحدٌ، لكان عبثاً يتنَزه عَنْهُ الشارع (1).
المذهب الثَّانِي:
نُسِبَ إلى الشَّافِعيّ قَوْلٌ: بأن بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام طاهر. ونسبت رِوَايَة إلى الإمام مَالِك: أَنَّهُ لا يغسل بول الجارية وَلَا الغلام قَبْلَ أن يأكلا الطعام.
لَكِنْ ذكر الباجي (2) أن هذِهِ الرِّوَايَة عن مَالِك شاذة (3). وذكر النَّوَوِيّ أن نقل هَذَا القَوْل عن الشَّافِعيّ باطل (4).
لِذلِكَ لا حاجة للتعليق عَلَى هَذَا المذهب.
المذهب الثَّالِث:
ينضح بول الطفل الرضيع الَّذِي لَمْ يأكل الطعام، فإذا أكل الطعام كَانَ حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل.
وَقَدْ فسّر هَذَا المذهب النضح: بأنه غمر مَوْضِع البول ومكاثرته بالماء مكاثرة لا يَبْلُغ جريانه وتردده وتقطره. فَهُوَ بمعنى الغسل الَّذِي سبق ذكره عن مَالِك (5).
وَقَدْ اعتمد هَذَا المذهب حَدِيث أم قيس بنت محصن، فَقَدْ جاء بلفظ: ((أَنَّهَا أتت بابن لَهَا صَغِير لَمْ يأكل الطعام
…
الخ)).
(1) فقه الإمام سعيد بن المسيب 1/ 37
(2)
هو الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد التجيبي الذهبي الباجي ولد سنة (403 هـ) من مصنفاته " المنتقى في الفقه " و " المعاني في شرح الموطأ " و " الاستيفاء "، توفي سنة (474 هـ).
وفيات الأعيان 2/ 408، وتذكرة الحفاظ 3/ 1178 و 1180، وشذرات الذهب 3/ 344.
(3)
المنتقى شرح الموطأ 1/ 128.
(4)
شرح صَحِيْح مُسْلِم 1/ 583 - 584.
(5)
المغني 1/ 734 - 735، والحاوي 2/ 320 - 321، والتهذيب 1/ 206.
وَقَد اعترض ابن حزم - القائل: بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيراً أو صغيراً -: بأن تخصيص ذَلِكَ بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل لَيْسَ من كلام النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، لِذلِكَ فالحديث لا دلالة فِيهِ عَلَى هَذَا التحديد (1).
ويجاب عَلَى ذَلِكَ: بأنه نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها، كُلّ ذَلِكَ مستيقن بالأحاديث العامة الدالة عَلَى ذَلِكَ، كحديث ابن عَبَّاس في القبرين اللذين أخبر رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم أن صاحبيهما يعذبان، وَقَالَ:((أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنْزه من البول)). أخرجه البُخَارِيّ وَمُسْلِم (2).
وحديث أبي هُرَيْرَة مرفوعاً: ((استنْزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر مِنْهُ)). رَواهُ أحمد (3)، وابن ماجه (4)، وابن خزيمة (5)، والدارقطني (6)، والحاكم (7)، وصححه البُخَارِيّ (8).
وحديث ابن عَبَّاس مرفوعاً: ((تَنَزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبْر مِنْهُ)). أخرجه: البزار (9)، والطبراني (10)، والدارقطني (11)، والحاكم (12).
فنجاسة بول الآدمي ووجوب غسله كُلّ ذَلِكَ متيقن بهذه الأحاديث، وتخصيص بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن، وما عدا
(1) المحلى 1/ 101.
(2)
صَحِيْح البخاري 1/ 65 (218) و 2/ 119 (1361) و 2/ 124 (1378) و 8/ 20 (6052)، وصحيح مُسْلِم 1/ 166 (292). وأخرجه أحمد 1/ 225، وعبد بن حميد (620)، والدارمي (745)، وأبو دَاوُد (20)، والترمذي (70)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 28 و 4/ 116 وَفِي الكبرى (27) و (2195) و (2196) و (11613)، وابن ماجه (347)، وابن خزيمة (55) و (56).
(3)
المُسْنَد 2/ 326 و 388 و 389.
(4)
في سننه (348).
(5)
كَمَا ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح 1/ 336، وَهُوَ لَيْسَ في المطبوع من صَحِيْح ابن خزيمة، فلعله مِمَّا سقط من المطبوع، لَكِنْ الحافظ ابن حجر فاته أن يعزوه لابن خزيمة في " إتحاف المهرة " 14/ 485 و15/ 520 وَلَمْ يتنبه المحققون عَلَى ذَلِكَ.
(6)
في سننه 1/ 128.
(7)
المستدرك 1/ 183.
(8)
نقله عَنْهُ التِّرْمِذِي في علله الكبير: 45 (37).
(9)
كشف الأستار (243).
(10)
في الكبير 11/ (11104) و (11120).
(11)
في سننه 1/ 128.
(12)
المستدرك 2/ 183 - 184.