الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
نماذج من زيادة الثِّقَة، وأثرها في اختلاف الفُقَهَاء
النموذج الأول
مَثَّل ابن الصَّلاح لزيادة الثِّقَة بمثالين
الأول:- قَالَ ابن الصَّلاح-: ((مثاله مَا رَواهُ مَالِك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان عَلَى كُلِّ حرٍ أو عَبْد، ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكاً تفرد من بَيْنَ الثِّقات بزيادة قوله: ((من المُسْلِمِيْنَ)) (1) وروى عبيد الله بن عُمَر، وأيوب، وغيرهما هَذَا الحَدِيْث، عن نافع، عن ابن عُمَر دُوْنَ هذِهِ الزيادة)) (2). ورغم أن لفظة:((من المُسْلِمِيْنَ)) لا تندرج تَحْتَ مَوْضُوْع
(1) الجامع الكبير 2/ 54 عقب (676).
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 78، و 178 طبعتنا، وانظر: كِتَاب العلل للترمذي المطبوع مَعَ الجامع الكبير 6/ 253.
قلتُ: هكذا قال ابن الصلاح مقلّداً في هذا الإمام الترمذي، وفيه نظر، إذ اعترض عليه الإمام النووي فقال في إرشاد طلاب الحقائق 1/ 230 - 231:((لا يصح التمثيل بحديث مالك؛ لأنَّهُ لَيْسَ منفرداً، بَلْ وافقه في هَذِهِ الزيادة عن نافع: عُمَر بن نافع، والضحاك بن عُثْمَان الأول في صَحِيْح البُخَارِيّ، والثاني في صَحِيْح مُسْلِم)). وبنحوه قَالَ في التقريب والتيسير: 72 و118 طبعتنا، وكذا تعقبه ابن جَمَاعَة في المنهل الروي: 58 وابن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث 1/ 192، وابن الملقن في المقنع 1/ 206، والعراقي في التقييد والإيضاح: 112، وَفِي شرح التبصرة والتذكرة 1/ 215، و1/ 265 طبعتنا، والصنعاني في توضيح الأفكار 2/ 22، ولعلّ أقدم مَن تكلَّم في هَذِهِ المسألة وبيّن عدم انفراد الإمام مالك بهذه الزيادة، الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح المشكل 9/ 43 - 44 عقب (3423) فَقَالَ:
((فقال قائل: أفتابع مالكاً على هذا الحرف، يعني: من المسلمين، أحد ممن رواه عن نافع؟
فكان جوابنا لَهُ في ذَلِكَ بتوفيق الله عزّوجلّ وعونه: أنَّهُ قَدْ تابعه عَلَى ذَلِكَ عبيد الله بن عمر، وعمر بن نافع، ويونس بن يزيد)). ثم ساق متابعاتهم، وسنوردها لاحقاً:
وقد بيّن الحافظ العراقي في التقييد: 111 - 112 أنَّ كلام الترمذي لا يفهم مِنْهُ تفرد مالك، بل هو من تصرف ابن الصلاح في كلامه، فقال: ((كلام الترمذي هذا ذكره في العلل التي في آخر الجامع، ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقاً، فقال: ((ورُبَّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس
…
)) فذكر الحديث، ثم قال: وزاد مالك في هذا الحديث ((من المسلمين))، وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه:((من المسلمين)). وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه. انتهى كلام
=
...................................................
=
الترمذي. فلم يذكر التفرد مطلقاً وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرّح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد على حفظه، فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة، بل تابعه عليها جماعة من الثقات)).
وقد وجدنا له تسع متابعات هي:
1 -
عبيد الله بن عمر: وقد اختلف عليه فيه، وعامّة أصحابه لا يذكرون هذه الزيادة في حديثه، ومنهم:
يحيى بن سعيد القطان: عند أحمد 2/ 55، والبخاري 2/ 162 (1512)، وأبي داود (1613)، وابن خزيمة (2403)، والبيهقي 4/ 160، وابن عبد البر 14/ 316.
محمد بن عبيد الطنافسي: عند أحمد 2/ 102، وابن زنجويه في الأموال (2357)، والبيهقي في الكبرى 4/ 159 و 160، وابن عبد البر في التمهيد 14/ 317.
عيسى بن يونس: عند النسائي 5/ 49، وفي الكبرى (2284)، وابن عبد البر 14/ 316.
عبد الله بن نمير: عند مسلم 3/ 68 (984)(13).
أبان بن يزيد العطار: عند أبي داود (1613).
بشر بن المفضل: عند أبي داود (1613)، وابن عبد البر 14/ 316.
حماد بن أسامة: عند ابن أبي شيبة (10355)، ومسلم 3/ 68 (984)(13).
عبد الأعلى بن عبد الأعلى: عند ابن خزيمة (2403).
المعتمر بن سليمان: عند ابن خزيمة (2403).
سفيان الثوري: عند الدارمي (1669)، وابن خزيمة (2409)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 44، وأبي نعيم في الحلية 7/ 136، والبيهقي 4/ 160.
ورواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به. وذكر الزيادة. أخرجه: أحمد 2/ 66، والطحاوي في شرح المشكل (3424) و (3425)، والدارقطني 2/ 145، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 166، وابن عبد البر 14/ 318.
وقال أبو داود عقب (1621): ((رواه سعيد الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، قال فيه: ((من المسلمين))، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه:((من المسلمين))
…
)).
وقال ابن عبد البر: ((وأما عبيد الله بن عمر فلم يقل فيه: ((من المسلمين)) عنه أحد - فيما علمت - غير سعيد بن عبد الرحمان الجمحي)).
أقول: سعيد ليست حاله ممن يحتمل له مثل هذا التفرد لا سيّما مع شدة المخالفة فقد قال الإمام أحمد: ((الجمحي روى حديثين عن عبيد الله بن عمر، حديث منهما في صدقة الفطر. وقال: أُنكر على الجمحي هذين الحديثين)). مسائل صالح لأبيه الإمام أحمد 2/ 458. وقال ابن عدي: ((له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يَهِمُ عندي في الشيء بعد الشيء: يرفع موقوفاً ويوصل مرسلاً، لا عن تعمد)). الكامل 4/ 456.
قال الدكتور بشار في تعليقه على الموطأ 1/ 382، وعلى جامع الترمذي 2/ 54:((في هذا نظر فقد تابع سعيداً سفيان الثوري في روايته هذه عن عبيد الله)).
كذا قال متوهماً!! وأنت خبير بأن تسعة من أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه بلا ذكر لهذه الزيادة البتة، في حين أنه - وهو: سفيان الثوري - رواه أيضاً من غير هذه الزيادة، ومن ادَّعى أنه
=
.................................................
=
رواه عن عبيد الله بهذه الزيادة فقد حمَّل روايته ما لا تحتمله، وإليك البيان:
روى الدارمي هذا الحديث عن الفريابي عن الثوري، ورواه البقيّة من طريق قبيصة عن الثوري، كلاهما الفريابي وقبيصة لم يذكرا فيه هذه الزيادة عن الثوري.
ولكن الرواية التي يدعي الدكتور متابعة سفيان فيها لسعيد الجمحي، أخرجها عبد الرزاق (5763) ومن طريقه الدارقطني 2/ 139، عن الثوري وابن أبي ليلى مقرونين عن عبيد الله.
فأنت ترى أن عبد الرزاق خالف الفريابي وقبيصة في روايته عن الثوري لهذا، لكن روى الدارقطني 2/ 139 من طريق ابن زنجويه، عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبيد الله، به، غير مقرون بابن أبي ليلى وفيه هذه الزيادة. والراجح رواية الفريابي وقبيصة؛ لأن العدد أولى أن يسلّم له بالصواب؛ ولأن عبد الرزاق ضُعِّفَ بالاختلاط، ومن الراجح أن سماع ابن زنجويه كان بعده، فلعلَّ بعض الرواة حمل رواية الثوري على رواية ابن أبي ليلى، ومن هنا قال ابن حجر:((يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى على لفظ عبيد الله)). فتح الباري 3/ 370.
ومن هذا يظهر أن هذه الزيادة في حديث سفيان الثوري عن عبيد الله غير محفوظة، والصحيح أنه روى الحديث كسائر أصحاب عبيد الله بن عمر من غير زيادة.
2 -
كثير بن فرقد: عند الدارقطني 2/ 140، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 162، وابن عبد البر 14/ 319.
3 -
عبد الله بن عمر: عند عبد الرزاق (5765)، وأحمد 2/ 114، والدارقطني 2/ 140. وكذا ابن الجارود في المنتقى (356)؛ لَكِنْ وقع فِيْهِ تحريف، فوقع فِيْهِ ((عبيد الله)) مصغراً. وجاء عَلَى الصواب في غوث المكدود.
4 -
ابن أبي ليلى: عند الدارقطني 2/ 139. ورواه عبد الرزاق (5763) عنه وعن الثوري مقرونين. ورواه الطحاوي في شرح المعاني 2/ 44 من طريق يحيى بن عيسى الفاخوري عن ابن أبي ليلى، وليس فيه الزيادة.
5 -
يونس بن يزيد: عند الطحاوي في شرح المشكل (3427)، وفي شرح المعاني 2/ 44، وابن عبد البر 14/ 319.
6 -
المعلى بن إسماعيل: عند ابن حبان (3293)، والدارقطني 2/ 140.
7 -
عمر بن نافع: عند البخاري 2/ 161 (1503)، وأبي داود (1612)، والنسائي 5/ 84، والطحاوي في شرح المشكل (3426)، وابن حبان (3303)، والدارقطني 2/ 139، والبيهقي 4/ 162، والبغوي (1594).
8 -
أيوب بن أبي تميمة السختياني: عند ابن حبان (2411)، والطحاوي في شرح المشكل (3427).
9 -
الضحاك بن عثمان: عند مسلم 3/ 69 (984)(16).
قال الدارقطني في السنن 2/ 139: ((وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، وقال فيه: ((من المسلمين)). وكذلك رواه مالك بن أنس والضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع والمعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمري وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد، وروى ابن شوذب عن أيوب عن نافع كذلك)).
=