الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء
قَوْل الإمام ((آمين)) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة:
اختلف العلماء رحمهم الله في هَذِهِ المسألة عَلَى ثلاثة أقوال:
القَوْل الأول: إن الإمام يقول ((آمين)) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة وكذلك المأموم:
وهذا قَوْل جمهور الصَّحَابَة والتابعين (1).
وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة في رِوَايَة وَهِيَ الأشهر (2)، ومالك في رِوَايَة المدنيين عَنْهُ (3)، والشافعي (4)، وأحمد (5)، والظاهرية (6).
واستدلوا بحديث سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عَبْد الرحمان، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إذا أمَّن الإمام، فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه)) وَهُوَ حَدِيْث صَحِيْح، سيأتي تفصيل تخريجه.
القَوْل الثاني: إن الإمام لا يقول ((آمين)) بَلْ يقتصر قولها عَلَى المأموم فَقَطْ:
وهذا قَوْل أبي حَنِيْفَة في رِوَايَة مُحَمَّد بن الحسن عَنْهُ (7)، ومالك في رِوَايَة ابن القاسم والمصريين عَنْهُ (8).
واستدلوا بحديث سُمي مولى أبي بكر بن عَبْد الرحمان (9)، عن أبي صالح، عن
(1) انظر: الجامع الكبير، للترمذي 1/ 289.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 32، وبدائع الصنائع 1/ 207، والهداية 1/ 48، وفتح القدير 1/ 207، والاختيار 1/ 50، وتبيين الحقائق 1/ 113، وتنوير الأبصار 1/ 492.
(3)
انظر: التمهيد 7/ 13 و 22/ 16، والاستذكار 1/ 519، والمنتقى 1/ 162، وإكمال المعلم 2/ 308.
(4)
انظر: الأم 1/ 109 و 7/ 201، والحاوي 2/ 142، والتهذيب 2/ 97، والمجموع 3/ 371، وروضة الطالبين 1/ 247.
(5)
انظر: مسائل عَبْد الله 1/ 258، والمغني 1/ 528، والمحرر 1/ 54، وشرح الزركشي 1/ 303.
(6)
انظر: المحلى 3/ 362.
(7)
انظر: الموطأ ((65) برواية مُحَمَّد بن الحسن الشيباني)، والمبسوط 1/ 32، وتبيين الحقائق 1/ 113.
(8)
انظر: المدونة 1/ 71، والتمهيد 7/ 11 و 22/ 16، والاستذكار 1/ 518، والمنتقى 1/ 162، وإكمال المعلم 2/ 308.
(9)
هُوَ سُمَي القرشي المخزومي، أبو عَبْد الله المدني مولى أبي بكر بن عَبْد الرَّحْمَان: ثقة، توفي سنة (130هـ)، وَقِيْلَ:(131 هـ) مقتولاً بالقديد.
تهذيب الكمال 3/ 314 (2575)، الكاشف 1/ 467 (2151)، والتقريب (2635).
أبي هُرَيْرَة، أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إذا قَالَ الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين، فإنه مَنْ وافق قوله قَوْل الملائكة غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه)).
قَالَ ابن عَبْد البر: ((في هَذَا الْحَدِيْث دليل عَلَى أن الإمام لا يقول: ((آمين)))) (1).
القَوْل الثالث: إن الإمام والمأموم لا يقولان: ((آمين)):
وهذا قَوْل الزيدية (2)، والإمامية (3).
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لِمَنْ شمت العاطس في الصلاة: ((إن هَذِهِ الصلاة لا يصلح فِيْهَا شيءٌ من كلام الناس)) (4).
الجهر بـ ((آمين)) للإمام:
اختلف العلماء رحمهم الله في هَذِهِ المسألة عَلَى قولين:
القَوْل الأول: إن الإمام يجهر بـ ((آمين)):
وهذا قَوْل غَيْر واحد من أهل العِلْم من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم (5).
وإليه ذهب مالك في رِوَايَة المدنيين عَنْهُ (6)، والشافعي (7)، وأحمد (8)، وابن
(1) انظر: التمهيد 22/ 16.
(2)
انظر: البحر الزخار 2/ 250.
(3)
انظر: الاستبصار 1/ 317، وتهذيب الأحكام 2/ 69.
(4)
أخرجه الطيالسي (1105)، وعبد الرزاق (19500)، وابن أبي شيبة (8020)، وأحمد 5/ 447، والدارمي (1510) و (1511)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (69)، ومسلم 2/ 70 (537)، وأبو داود (930) و (931)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1399)، والنسائي 3/ 14 - 18 وفي الكبرى، لَهُ (556) و (1141)، وابن الجارود (212)، وابن خزيمة (859)، وأبو عوانة 2/ 155 - 156، والطبراني في الكبير 19/ (945) و (948)، والبيهقي 2/ 249 - 250 و 250 وفي الأسماء والصفات، لَهُ: 421 - 422، وابن عَبْد البر في التمهيد 22/ 79 - 80، والبغوي (3259) من حَدِيْث معاوية بن الحكم السلمي.
(5)
انظر: الجامع الكبير، للترمذي 1/ 289.
(6)
انظر: الاستذكار 1/ 517 - 518.
(7)
انظر: الأم 1/ 109 و 7/ 201، والحاوي 2/ 142، والتهذيب 2/ 97، والمجموع 3/ 373، وروضة الطالبين 1/ 247.
(8)
انظر: مسائل عَبْد الله 1/ 258، والمغني 1/ 529، والمحرر 1/ 54، وشرح الزركشي 1/ 303.
حزم (1).
واستدلوا بحديث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه مَن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله لَهُ ما تقدم من ذنبه)) (2).
(1) انظر: المحلى 3/ 264.
(2)
هَذَا الْحَدِيْث أخرجه: مالك (232) رِوَايَة يحيى و (253) رِوَايَة الزهري و (434) رِوَايَة عَبْد الرحمان ابن القاسم، والشافعي (214) بتحقيقنا، وأحمد 2/ 459، والبخاري 1/ 198 (782) و 6/ 21 (4475)، وفي القراءة خلف الإمام (233)، ومسلم 2/ 18 (410)(76)، وأبو داود (935)، والنسائي 2/ 144 وفي الكبرى، لَهُ (1001)، من طريق أبي صالح السمان، عن أبي هُرَيْرَة بهذا اللفظ.
وأخرجه النسائي 2/ 144 من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيْرَة باللفظ نفسه.
وأخرجه أحمد 2/ 449، والدارمي (1248)، والبيهقي 2/ 55 من طريق أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة باللفظ نفسه.
وأخرجه أبو يعلى (6411) من طريق كعب، عن أبي هُرَيْرَة باللفظ نفسه.
وأخرجه البخاري في " القراءة خلف الإمام "(236) من طريق علقمة الهاشمي، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام"(237) من طريق عَبْد الرحمان بن يعقوب، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه مالك (231) رِوَايَة يحيى و (252) رِوَايَة أبي مصعب الزهري و (95) رِوَايَة سويد بن سعيد و (18) عَبْد الرحمان بن القاسم و (135) رِوَايَة مُحَمَّد بن الحسن الشيباني، والشافعي (213) بتحقيقنا، وأحمد 2/ 233 و 459، والدارمي (1249)، والبخاري 1/ 198 (780)، ومسلم 2/ 17 (410)(72)(73)، وأبو داود (936)، وابن ماجه (852)، والترمذي (250)، والنسائي 2/ 144 وفي الكبرى، لَهُ (1000)، وابن الجارود (322)، وابن خزيمة (1583)، والبيهقي 2/ 55 و 56 - 57، والخطيب في تاريخه 11/ 327، والبغوي (587)، من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة بلفظ:((إذا أمن الإمام فأمنوا)).
وأخرجه: عَبْد الرزاق (2644)، والحميدي (933)، وابن أبي شيبة (36381)، وأحمد 2/ 238، والبخاري 8/ 106 (6402)، وابن ماجه (851)، والنسائي 2/ 143 وفي الكبرى، لَهُ (998) و (999)، وأبو يعلى (5874)، وابن الجارود (190)، والبيهقي 2/ 55، والبغوي (588) و (589)، من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيْرَة اللفظ نفسه. وجاء في بعض الروايات بلفظ أبي صالح نفسه إلا أنه زاد فِيْهَا:((وإن الإمام يقول آمين)).
وأخرجه ابن خزيمة (570) من طريق أبي صالح السمان، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه النسائي 2/ 143 وفي الكبرى، لَهُ (997)، من طريق أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه مالك (233) رِوَايَة يحيى و (254) رِوَايَة أَبِي مصعب الزهري، والشافعي (215) بتحقيقنا، وأحمد 2/ 459، والبخاري 1/ 198 (781)، ومسلم 2/ 17 (410)(75)، والنسائي 2/ 144 - 145 وفي الكبرى، لَهُ (1002)، من طريق عَبْد الرحمان بن هرمز الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة
=
وحديث بلال رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبقني بآمين)) (1).
وحديث وائل بن حجر: ((أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يجهر بـ: آمين)) (2).
=
بلفظ: ((إذا قَالَ أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين
…
)).
وأخرجه: عَبْد الرزاق (2645)، وأحمد 2/ 312، ومسلم 2/ 18 (410)(75)، والبيهقي 2/ 55 - 56، من طريق همام بن منبه، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه مُسْلِم 2/ 17 (410)(74) من طريق أبي يونس، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ.
وأخرجه أبو داود (93)، وابن ماجه (853) من طريق أبي عَبْد الله ابن عم أبي هُرَيْرَة بلفظ:((ترك الناس التأمين، وَكَانَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم إذا قَالَ: {غَيْر المغضوب عليهم ولا الضالين}، قَالَ: آمين حَتَّى يسمعها أهل الصف الأول)).
أقول:
فأنت ترى الاختلاف في الألفاظ الَّتِيْ جاءت في الطرق عن أبي هُرَيْرَة فإما أن تكون هَذِهِ الألفاظ محفوظة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وإما أن يَكُوْن أبو هُرَيْرَة قَدْ حدّث بِهِ بالمعنى، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك الأخرى فكل رِوَايَة تفسر الرِّوَايَة الأخرى، قَالَ الإمام أحمد:((الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً)) كَمَا نقله الْخَطِيْب في " الجامع " 2/ 270 عَنْهُ. وكذلك قَالَ علي بن المديني:
((الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه)) الجامع 2/ 270. وَقَالَ أبو زرعة أَيْضاً: ((والحديث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات)) طرح التثريب 7/ 181.
وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى الَّذِيْنَ تمسكوا بالرواية الأولى فَقَالَ في " المحلى " 3/ 265: ((وهذا غاية المقت في الاحتجاج، إِذْ ذكروا حديثاً ليس فِيْهِ شريعة قَدْ ذكرت في حَدِيْث آخر، فراموا إسقاطها بِذَلِكَ، ولا شيء في إسقاط جميع شرائع الإِسْلَام أقوى من هَذَا العمل، فإنه لَمْ تذكر كُلّ شريعة في كُلّ آية ولا في كُلّ حَدِيْث.
ثُمَّ من العجب احتجاجهم بأبي صالح في أنه لَمْ يروِ عن أبي هُرَيْرَة لفظاً رَوَاهُ سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هُرَيْرَة!! وَلَوْ انفرد سعيد لكان يعدل جَمَاعَة مثل أبي صالح فكيف وليس في رِوَايَة أبي صالح أن لا يقول الإمام: آمين، فبطل تمويههم بهذا الخبر)).
ونقل صاحب عون المعبود 1/ 352 عن الخطابي تفسير حَدِيْث أبي صالح فَقَالَ: ((معنى قوله عليه السلام إذا قَالَ: ((ولا الضالين)) فقولوا: آمين، أي مع الإمام حَتَّى يقع تأمينكم وتأمينه معاً فأما قوله عليه السلام:((إذا أمن الإمام فأمنوا)) فإنه لا يخالفه، ولا يدل عَلَى أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه، وإنما هُوَ كقول القائل: إذا رحل الأمير فارحلوا يعني إذا أخذ الأمير للرحيل فتهيئوا للارتحال لتكون رحلتكم مع رحلته)).
(1)
أخرجه: عَبْد الرزاق (636)، وأحمد 6/ 12 و 15، وأبو داود (937)، والبزار (1375)، وابن خزيمة (573)، والشاشي في المسند (976)، والطبراني في الكبير (1124) و (1125)، وفي الأوسط (7243)، والحاكم في مستدركه 1/ 219، والبيهقي 2/ 23 و56، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 276 و 277، والبغوي في شرح السنة (591).
(2)
تقدم تخريجه.
القَوْل الثاني: إن الإمام يُسر بِهَا:
وهذا قَوْل عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم (1).
وبه قَالَ أبو حَنِيْفَة (2)، ومالك في رِوَايَة بعض المدنيين عَنْهُ (3).
واستدلوا بحديث وائل بن حجر من طريق شعبة (4).
قَالَ الزيلعي: ((ولأنه دعاء فيكون مبناه عَلَى الإخفاء ولأنه لَوْ جهر به عقيب الجهر بالقرآن لأوهم أنها من القرآن فيمنع مِنْهُ دفعاً للإيهام ولهذا لَمْ تكتب في المصاحف)) (5).
وَقَالَ الشَّافِعِيّ في "الجديد": ((إن المأموم لا يجهر بـ: آمين)) (6).
(1) انظر أقوالهم في: المبسوط 1/ 32، والمحلى 3/ 264.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 32، وبدائع الصنائع 1/ 207، والهداية 1/ 49، وشرح فتح القدير 1/ 207، وتبيين الحقائق 1/ 113.
(3)
انظر: الاستذكار 1/ 519، والمنتقى 1/ 163، وإكمال المعلم 2/ 308.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
انظر: تبيين الحقائق 1/ 114.
(6)
انظر: الأم 1/ 109، والحاوي 2/ 144، والتهذيب 2/ 97، وروضة الطالبين 1/ 247.