الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخي لن تنال العلم إلا بستة
…
سأنبيك عَنْ تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
…
وصحبة أستاذ وطول زمان (1)
فالحرص إذن من أساسيات العلم، وإن قَلَّ حفظ الرَّاوِي أو كلّت ذاكرته، فإن بوسعه الحِفاظ على مروياته بالمذاكرة والمتابعة والتعاهد لمحفوظه ومراجعة أصوله، حفظاً للسنة النبوية من الخطأ فِيْهَا - بزيادة أَوْ نقص أو تغيير -.
ومع هَذَا كله فإننا لَمْ نعدم في تاريخنا الحديثي بعض الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يبالوا بمروياتهم، وَلَمْ يولوها الاهتمام الكافي، سواء أهمل الرَّاوِي نفسه تعاهد محفوظاته أَوْ مراجعته كتابه، أو تدخل عنصر بالعبث بمروياته (2)، أو غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تكون نتيجته وقوع الوهم في حَدِيْث ذَلِكَ الرَّاوِي، ويؤول بالنهاية إلى حدوث الاختلاف مع روايات غيره، عَلَى أن الخطأ والوهم لَمْ يسلم مِنْهُ كبار الحفاظ مع شدة حرصهم وتوقيهم، لذا قَالَ ابن
معين (3): ((لست أعجب ممن يحدّث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب)) (4). غَيْر أنّ الأحاديث الَّتِيْ حصل فِيْهَا الوهم تعد قليلة مغمورة في بحر ما رووه عَلَى الصواب.
وبإمكاننا أن نفصل أسباب الاختلاف بما يأتي:
أولاً. الوهم والخطأ:
الخطأ والوهم أمران حاصلان وواقعان في أحاديث الثقات فضلاً عَنْ وقوعه في أحاديث الضعفاء، ونحن وإن نذكر في حد الصَّحِيْح كون راويه تام الضبط إلا أن ذَلِكَ أمر نسبيٌّ (5)، وإلا فكيف اشترطنا في الصَّحِيْح (6) أن لا يَكُوْن شاذاً ولا معللاً مع كون راويه ثقة فيتخرج عَلَى هَذَا أن الوهم والخطأ يدخل في أحاديث الثقات؛ لأن كلاً من
=
الأصح، وتوفي بمصر سنة (204 هـ). مرآة الجنان 2/ 11 و 12، ووفيات الأعيان 4/ 163 و165.
(1)
ديوان الشَّافِعِيّ: 164.
(2)
كَمَا حصل لسفيان بن وكيع. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 173 (3334).
(3)
يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح
والتعديل، لَهُ:" التاريخ " و " السؤالات " وغيرهما، ولد سنة (158 هـ) وتوفي سنة (233 هـ).
تهذيب الكمال 8/ 89 و 95 (7521)، وميزان الاعتدال 4/ 410، والتقريب (7651).
(4)
تاريخ ابن معين (رِوَايَة الدوري) 3/ 13 (52).
(5)
انظر: مقدمة شرح علل الترمذي، لابن رجب:7.
(6)
هُوَ الَّذِيْ يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عَنْ العدل الضابط إلى منتهاه ولا يَكُوْن شاذاً ولا معللاً. مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث طبعة نور الدين: 10، وفي طبعتنا:79.
الشذوذ والعلة داخل بمعنى الوهم والخطأ. ثُمَّ إن الوهم والخطأ من الأسباب الرئيسة للاختلاف بَيْنَ الأحاديث. وبالسبر والنظر إلى كتب السنة النبوية نجد عدداً كبيراً من الرُّوَاة الثقات قَدْ أخطؤوا في بعض ما رووا، وَهُوَ أمر متفاوت بَيْنَ الرُّوَاة حسب مروياتهم قلة وكثرة وربما كَانَ حظ من أكثر من الرِّوَايَة أكبر خطأً من المقلين؛ لذا نجد غلطات عُدَّتْ عَلَى الأئمة العلماء الحفاظ لكنها لَمْ تؤثر عليهم في سعة ما رووه (1)، قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل (2):((ومن يعرى من الخطأ والتصحيف)) (3). وَقَالَ الإمام مُسْلِم بن الحجاج: ((فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كَانَ من أحفظ الناس وأشدهم توقياً وإتقاناً لما يحفظ وينقل - إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله)) (4).
وَقَالَ الإمام الترمذي (5): ((لَمْ يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)) (6)، ثُمَّ ساق الترمذي عدداً وافراً من الروايات تدلل عَلَى تفاوت أهل العلم بالحفظ وتفاضلهم بالضبط وقلة الخطأ، ثُمَّ قَالَ: ((والكلام في هَذَا والرواية عَنْ أهل العلم تكثر، وإنما بيّنا شيئاً مِنْهُ عَلَى الاختصار ليُستدل بِهِ عَلَى منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم عَلَى بعض في الحفظ والإتقان، ومن تُكلمَ فِيْهِ من أهل العلم لأي شيء تُكلمَ
فِيْهِ)) (7).
ولما كَانَ الخطأ في الرِّوَايَة أمرٌ بدهيٌّ، وأنه لا يسلم إنسان مِنْهُ نجد الأكابر قَدْ
(1) وهكذا فإنا نجد أن الإمام علي بن المديني قَدْ خرّج علل حَدِيْث سفيان بن عيينة في ثلاثة عشر جزءاً. مع أن سفيان بن عيينة من أساطين هَذَا الفن وجهابذته وفحوله؛ لَكِنْ هَذَا الكم الكبير لَمْ يؤثر عَلَيْهِ لسعة ما رَوَى فهو كحبة القمح من البيدر. وانظر: مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث، للحاكم:71.
(2)
هُوَ أحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي ثُمَّ البغدادي، أبو عَبْد الله، أحد الأعلام، صاحب المذهب، لَهُ:" المسند " و " الزهد " و " العلل " وغيرها، ولد سنة (164 هـ)، وتوفي سنة (241 هـ).
حلية الأولياء 9/ 161 و 162، وطبقات الحنابلة 1/ 10، والعبر 1/ 435.
(3)
مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث، لابن الصَّلَاحِ:: 252 طبعة نور الدين، و 448 طبعتنا.
(4)
التمييز: 124.
(5)
هُوَ مُحَمَّد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك التِّرْمِذِيّ، أبو عيسى الضرير الحافظ، صاحب " الجامع " وغيره من المصنفات، وَهُوَ تلميذ البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، توفي سنة (279 هـ). تهذيب الكمال 6/ 468 و 469 (6122)، ومرآة الجنان 2/ 144، والتقريب (6206).
(6)
علل الترمذي الصغير 6/ 240 آخر الجامع.
(7)
علل الترمذي الصغير 6/ 244 آخر الجامع.