الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: الفرد النسبي:
وَهُوَ ما كَانَ التفرد فِيْهِ نسبياً إلى جهة ما (1)، فيقيد بوصف يحدد هَذِهِ الجهة.
وما قِيْلَ من أن لَهُ أقساماً أخر، فإنها راجعة في حقيقتها إلى هذين القسمين.
أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بَلْ تتفاوت أحكامهما، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه؛ وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات - حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة - ما ليس بالقليل.
ومن أمثلة التفرد ما يأتي:
النموذج الأول:
حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان (2)، عن أبيه (3)، عن أبي هُرَيْرَة، أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)).
أخرجه عَبْد الرزاق (4)، وابن أبي شيبة (5)، وأحمد (6)، والدارمي (7)، وأبو داود (8)،
(1) انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحديث: 80 وطبعتنا: 184، والتقريب والتيسير: 73 وطبعتنا: 119 - 120، وفتح المغيث 1/ 239، وظفر الأماني:244.
(2)
هو أبو شبل العلاء بن عَبْد الرحمان بن يعقوب الحرقي المدني: صدوق ربما وهم، توفي سنة (138 هـ). الثقات 5/ 247، وتهذيب الكمال 5/ 526 - 527 (5166)، والتقريب (5247).
(3)
هُوَ عَبْد الرحمان بن يعقوب الجهني المدني، مولى الحرقة: ثقة من الثالثة.
الثقات 5/ 108 - 109، وتهذيب الكمال 4/ 492 (3985)، والتقريب (4046).
(4)
في مصنفه (7325).
(5)
في مسنده (9026).
(6)
في مسنده 2/ 442.
(7)
الحافظ الإمام، أحد الأعلام، أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عَبْد الرحمان بن الفضل بن بهرام التميمي ثُمَّ الدارمي السمرقندي، ولد سنة (181 هـ)، وتوفي سنة (255 هـ). الثقات 8/ 364، تهذيب الكمال 4/ 189 (3371)، وسير أعلام النبلاء 12/ 224.
والحديث في سننه (1747) و (1748).
(8)
في سننه (2337).
وابن ماجه (1)، والترمذي (2)، والنسائي (3)، والطحاوي (4)، وابن حبان (5)، والطبراني (6)، والبيهقي (7)، والخطيب (8)، جميعهم من هَذِهِ الطريق.
قَالَ أبو داود: ((لَمْ يجئ بِهِ غَيْر العلاء، عن أبيه)) (9).
وَقَالَ النسائي: ((لا نعلم أحداً رَوَى هَذَا الْحَدِيْث غَيْر العلاء بن عَبْد الرحمان)) (10).
وَقَالَ الترمذي: ((لا نعرفه إلا من هَذَا الوجه عَلَى هَذَا اللفظ)) (11).
وأورده الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي (12) في أطراف الغرائب والأفراد (13).
وَقَدْ أنكره الحفاظ من حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان:
فَقَالَ أبو داود: ((كَانَ عَبْد الرحمان - يعني: ابن مهدي (14) - لا يحدّث بِهِ. قلت لأحمد: لِمَ؟ قَالَ: لأنَّهُ كَانَ عنده أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يصل شعبان برمضان، وَقَالَ: عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خلافه)) (15).
وَقَالَ الإمام أحمد: ((العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هَذَا)) (16).
وَقَالَ في رِوَايَة الْمَرُّوذِيِّ (17): ((سألت ابن مهدي عَنْهُ فَلَمْ يحدثني بِهِ،
(1) في سننه (1651).
(2)
في جامعه (738).
(3)
في الكبرى (2911).
(4)
في شرح معاني الآثار 2/ 82.
(5)
في صحيحه (3590) و (3592)، وفي طبعة الرسالة (3589) و (3591).
(6)
في الأوسط (6859)، وفي طبعة دار الكتب العلمية (6863).
(7)
في الكبرى 4/ 209.
(8)
في تاريخ بغداد 8/ 48.
(9)
سنن أبي داود 2/ 301 عقب (2337).
(10)
السنن الكبرى 2/ 172 عقب (2911).
(11)
الجامع الكبير 2/ 107 عقب (738).
(12)
الإمام الحافظ الجوال الرحال أبو الفضل مُحَمَّد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي، من مصنفاته:"أطرف الأفراد"، توفي سنة (507 هـ).
تاريخ الإِسْلَام: 169 وفيات (507 هـ)، وسير أعلام النبلاء 19/ 361 و 364، والعبر 4/ 14.
(13)
5/ 218 (5209).
(14)
هُوَ الإمام الحافظ الناقد المجود أبو سعيد عَبْد الرحمان بن مهدي العنبري، وَقِيْلَ: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي، ولد سنة (135 هـ)، وتوفي (198 هـ).
طبقات ابن سعد 7/ 297، والعبر 1/ 326، وسير أعلام النبلاء 9/ 192.
(15)
سنن أبي داود 2/ 301 عقب (2337).
(16)
نصب الراية 2/ 441.
(17)
الإمام القدوة أبو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن الحجاج المروذي، صاحب الإمام أحمد بن حَنْبَل، ولد في حدود المئتين، وتوفي (275 هـ).
=
وَكَانَ يتوقاه. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْد الله: هَذَا خلاف الأحاديث الَّتِيْ رويت عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم)) (1).
واستنكره ابن معين أَيْضاً (2).
وزعم السخاوي (3) أن العلاء لَمْ يتفرد بِهِ وأنّ لَهُ متابعاً في روايته عن أبيه، فَقَدْ رَوَى الطبراني (4) الْحَدِيْث قائلاً:((حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن نافع، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله ابن عَبْد الله المنكدري، حَدَّثَنِي أبي، عن أبيه، عن جده، عن عَبْد الرحمان بن يعقوب الحرقي، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتصف شعبان فأفطروا)).
قَالَ الطبراني عقبه: ((لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عن مُحَمَّد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد بِهِ ابنه: عَبْد الله)).
والحق أن هَذَا الْحَدِيْث لا يصلح للاستشهاد، فضلاً عن أن يشد عضد رِوَايَة العلاء؛ إذ هُوَ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل: بدءاً من شيخ الطبراني وَهُوَ: أحمد بن مُحَمَّد ابن نافع، لَمْ أقف لَهُ عَلَى ترجمة، إلا ما أورده الذهبي في ميزان الاعتدال (5) وَقَالَ:((لا أدري مَنْ ذا؟ ذكره ابن الجوزي مرة وَقَالَ: اتهموه. كَذَا قَالَ لَمْ يزد)) (6).
وعبد الله بن المنكدر - المتفرد بهذا الْحَدِيْث -، قَالَ فِيْهِ العقيلي:((عن أبيه، ولا يتابع عَلَيْهِ)) (7).
وَقَالَ الذهبي: ((فِيْهِ جهالة، وأتى بخبر منكر)) (8). وَقَالَ مرة: ((لا يعرف)) (9).
والمنكدر بن مُحَمَّد - الَّذِيْ لَمْ يرو هَذَا الْحَدِيْث عن أبيه غيره - قَالَ فِيْهِ أبو
=
طبقات الحنابلة 1/ 57، وسير أعلام النبلاء 13/ 173، والعبر 2/ 60.
(1)
علل الْحَدِيْث ومعرفة الرجال: 117 - 118 (تحقيق السامرائي).
(2)
سبل السلام 2/ 642، ونيل الأوطار 4/ 260، والفتح الرباني 10/ 207. وصححه الترمذي وابن حبان وابن حزم وابن عساكر وأبو عوانة والدينوري.
انظر: الجامع الكبير (738) وصحيح ابن حبان (3590) و (3592)، والمقاصد الحسنة: 35، والفتح الرباني 10/ 205، وَلَكِنْ أقول: إن تصحيح هَؤُلَاءِ لا يقف عمدة في وجه استنكار ثلاثة من أساطين التعليل والنقد: ابن مهدي، وابن مَعِيْنٍ، وابن حنبل.
(3)
المقاصد الحسنة: 57.
(4)
في الأوسط (1957) في طبعة دار الكتب العلمية (1936)، وعزاه السخاوي في مقاصده: 35 إلى البيهقي في الخلافيات.
(5)
1/ 146 (569).
(6)
ونحوه في المغني في الضعفاء 1/ 57 (448). وانظر: لسان الميزان 1/ 285.
(7)
الضعفاء الكبير 2/ 303 (880).
(8)
ميزان الاعتدال 2/ 508.
(9)
ديوان الضعفاء والمتروكين 2/ 69.