الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر القلب في اختلاف الفقهاء
(المصلي عِنْدَ نزوله من الركوع إلى السجود، هل يَكُوْن عَلَى يديه أم ركبتيه؟)
اختلاف الفقهاء في ذَلِكَ عَلَى قولين:
الأول: توضع الركبتان قَبْلَ اليدين عِنْدَ النّزول إلى السجود.
وبه قَالَ: مُسْلِم (1) بن يسار (2)، وسفيان الثوري (3)، والشافعي (4)، وأحمد في رِوَايَة (5)، وإسحاق بن راهويه (6)، وَهُوَ مذهب أهل الكوفة مِنْهُمْ: أبو حَنِيْفَة (7)، وإبراهيم النخعي (8).
ونقله الترمذي عن أكثر أهل العلم (9)، وَهُوَ مروي عن عمر بن الخطاب (10)، وابنه (11)، واختاره ابن القيم وغيره (12).
وحجتهم في ذَلِكَ: ما رواه يزيد بن هارون، عن شريك القاضي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قَالَ:((رأيت رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قَبْلَ يديه، وإذا نهض رفع يديه قَبْلَ ركبتيه)).
(1) هُوَ مُسْلِم بن يسار البصري، نزيل مكة، أبو عَبْد الله الفقيه، ويقال لَهُ: مُسْلِم سُكّرة، ومسلم المُصْبِح: ثقة عابد، توفي سنة (100 هـ) أو بعدها.
سير أعلام النبلاء 4/ 510، والتقريب (6652)، وطبقات الفقهاء:94.
(2)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2958)، وابن أبي شيبة (2716).
(3)
انظر: مختصر اختلاف العلماء، للجصاص 1/ 211.
(4)
انظر: الأم 1/ 113، والمهذب 1/ 176، والمجموع 3/ 421، وشرح زبد بن ارسلان 1/ 97.
(5)
وَهُوَ المشهور من مذهب الحنابلة. انظر: الكافي 1/ 137، والمبدع 1/ 452، ومنار السبيل 1/ 94، وكشاف القناع 1/ 350.
(6)
انظر: المغني 1/ 554.
(7)
انظر: شرح معاني الآثار 2/ 254، والمبسوط 1/ 131 - 132، وبدائع الصنائع 1/ 215، والبحر الرائق 1/ 335.
(8)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2956) و (2957)، وابن أبي شيبة (2707).
(9)
انظر: جامع الترمذي 2/ 157 طبعة شاكر.
(10)
انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2955)، وابن أبي شيبة (2703) و (2704).
(11)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4705).
(12)
انظر: زاد المعاد 1/ 57، وظفر الأماني:405.
رَوَاهُ: الدارمي (1)، وأبو داود (2)، وابن ماجه (3)، والترمذي (4)، والنسائي (5)، وابن خزيمة (6)، والطحاوي (7)، وابن حبان (8)، والطبراني (9)، والدارقطني (10)، والبيهقي (11)، والخطيب (12)، والحازمي (13).
الثاني: توضع اليدان قَبْلَ الركبتين في السجود
وبه قَالَ: الأوزاعي (14)، ومالك (15)، وأحمد في الرِّوَايَة الأخرى (16)، وَهُوَ مذهب أصحاب الْحَدِيْث (17).
وَقَالَ ابن حزم: وضع اليدين قَبْلَ الركبتين فرض (18). وَهُوَ مذهب العترة (19).
واحتجوا: بما رَوَاهُ عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن (20)، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله
(1) في سننه (1326).
(2)
في سننه (838).
(3)
في سننه (882).
(4)
في الجامع الكبير (268).
(5)
في المجتبى 2/ 206 و 234، وفي الكبرى (676).
(6)
في صحيحه (626) و (629) وتحرف في الأخير إلى (سهل بن هارون). انظر: إتحاف المهرة 13/ 672 (17291) وفات أصحاب المسند الجامع التنبيه على هَذَا التحريف.
(7)
في شرح معاني الآثار 1/ 255.
(8)
في صحيحه (1912)، وتحرف في موارد الظمآن (487) من شريك إلى إسرائيل!!!
(9)
في الكبير 22/ (197).
(10)
في سننه 1/ 345.
(11)
في الكبرى 2/ 98.
(12)
في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 433.
(13)
في الاعتبار: 161.
(14)
المجموع 3/ 421، وانظر: فقه الإمام الأوزاعي 1/ 191.
(15)
انظر: الشرح الكبير 1/ 353، ومواهب الجليل 1/ 541، والتاج والإكليل 1/ 541، والفواكه الدواني 1/ 181، والثمر الداني 1/ 110.
(16)
انظر: المغني 1/ 554، ومجموعة الفتاوى الكبرى 22/ 449.
(17)
انظر: مستدرك الْحَاكِم 1/ 226، والشرح الكبير 1/ 250.
(18)
انظر: المحلى 4/ 129.
(19)
انظر: نيل الأوطار 2/ 282.
(20)
هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن العلوي الهاشمي، أبو عَبْد الله المدني، كَانَ يلقب بـ (النفس الزكية): ثقة، قتل سنة (145 هـ) في نصف رَمَضَان.
تهذيب الكمال 6/ 367 (5929)، والكاشف 2/ 185 (4945)، والتقريب (6010).
- صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كَمَا يبرك البعير، وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه)).
أخرجه أحمد (1)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(2)، وأبو داود (3)، والنسائي (4)، والطحاوي (5)،والدارقطني (6)، والبيهقي (7)،والحازمي (8)، وابن حزم (9)، والبغوي (10).
مناقشة الأدلة:
احتج القائلون بالمذهب الأول بحديث وائل بن حجر، وأجاب بعضهم (11) عن دليل أصحاب القَوْل الثاني بأن أعله بمجموعة علل مِنْهَا:
1 -
إنه معارض (12) لحديث وائل بن حجر، وحديث وائل أثبت، قَالَهُ الخطابي (13).
2 -
إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مقلوب، انقلب لفظه عَلَى بعض الرُّوَاة، والصواب فِيْهِ:((وليضع ركبتيه قَبْلَ يديه)).
فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث أبو بكر بن أَبِي شيبة (14) فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد (15)، عن جده، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إذا سجد أحدكم فليبتدئ بركبتيه قَبْلَ يديه ولا يبرك بروك الفحل)).
ثُمَّ إن ما حكاه أبو هُرَيْرَة عن فعل رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يؤيد ما رَوَاهُ ابن أبي شيبة عَنْهُ،
(1) في مسنده 2/ 381.
(2)
1/ 139.
(3)
في سننه (841).
(4)
في الكبرى (677).
(5)
في شرح المعاني 1/ 254.
(6)
في سننه 1/ 344 - 345.
(7)
في سننه 2/ 99 - 100.
(8)
في الاعتبار: 121.
(9)
في المحلى 4/ 129.
(10)
في شرح السنة 3/ 133.
(11)
هُوَ ابن القيم. انظر: زاد المعاد 1/ 223 - 231، وحاشيته عَلَى سنن أبي داود 3/ 73 - 75.
(12)
ومعلوم لدى أهل الْحَدِيْث أن المعارضة أحد ما يعل بها الحَدِيْث مع التساوي ومع عدم إمكان الترجيح، انظر: أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء: 147 - 160.
(13)
انظر: معالم السنن 1/ 178.
(14)
في مصنفه (2702).
(15)
هُوَ عَبْد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، أَبُو عباد الليثي، مولاهم، المدني، أخو سعد بن سعيد وَكَانَ الأكبر: متروك، وَقَالَ الذهبي: واه.
تهذيب الكمال 4/ 149 (3293)، والكاشف 1/ 558 (2752)، والتقريب (3356).
فرواه ابن أبي داود (1) قَالَ: حَدَّثَنَا يوسف بن عدي (2)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ إذا سجد بدأ بركبتيه قَبْلَ يديه.
3 -
عَلَى فرض التسليم بكون حَدِيْث أبي هُرَيْرَة محفوظاً، فهو منسوخ بحديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه بلفظ:((كنا نضع اليدين قَبْلَ الركبتين، فأُمرنا بوضع الركبتين قَبْلَ اليدين)) (3).
4 -
حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مضطرب في متنه؛ لأن من الرُّوَاة من يقول فِيْهِ: وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه، ومنهم من يقول العكس، ومنهم من يقول: وليضع يديه عَلَى ركبتيه، ومنهم من يحذف هَذِهِ الجملة أصلاً.
5 -
إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة معلٌ، فَقَدْ تَكَلَّمَ النقاد في رواته، قَالَ البخاري:((مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟)) (4).
6 -
إن لحديث وائل بن حجر شواهد، وأما حَدِيْث أبي هُرَيْرَة فليس كذلك.
7 -
إن ركبة البعير ليست في يده وإن أطلقوا عَلَى اللتين في اليدين اسم الركبة فإنما هُوَ للتغليب، أما القَوْل بأن ركبتي البعير في يديه فلا يعرف عن أهل اللغة.
والجواب عَلَى هَذِهِ العلل فِيْمَا يأتي:
1 -
أما قولهم أنه معارض لحديث وائل، فإن حَدِيْث وائل ضعيف، فإنه ليس يروى في الدنيا بإسناد إلا من طريق شريك، وتفرد بِهِ يزيد بن هارون.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((تفرد بِهِ يزيد عن شريك، وَلَمْ يحدث بِهِ عن عاصم بن كليب غَيْر شريك، وشريك ليس بالقوي فِيْمَا يتفرد بِهِ)) (5).
وَقَالَ الترمذي: ((لا نعرف أحداً رَوَاهُ غَيْر شريك)) (6).
وشريك يخطئ كثيراً (7) لا يحتج بتفرده فكيف وَقَدْ خالف هماماً، إِذْ رَوَاهُ همام،
(1) نقله ابن القيم في " الزاد " 1/ 227.
(2)
هُوَ يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل ويقال: يوسف بن عدي بن الصلت بن بسطام التيمي، أبو يعقوب الكوفي، مولى تيم الله، نزيل مصر: ثقة، توفي (232 هـ)، وَقِيْلَ:(233 هـ).
تهذيب الكمال 8/ 194 (7739)، والكاشف 2/ 400 (6441)، والتقريب (7872).
(3)
يأتي تخريجه عِنْدَ الجواب عَنْهُ.
(4)
التاريخ الكبير 1/ 139.
(5)
سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 345.
(6)
الجامع الكبير 1/ 307.
(7)
التقريب (2787).
عن شقيق، قَالَ: حَدَّثَنِي عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بنحو حَدِيْث شريك (1).
قَالَ البيهقي: ((قَالَ عفان: هَذَا الْحَدِيْث غريب)) (2).
وشقيق: مجهول لا يعرف (3)، سكت عَنْهُ ابن أبي حاتم (4)، وَقَالَ ابن حجر:((مجهول)) (5).
ومع ذَلِكَ نجد هماماً خالف شريكاً فأرسل الْحَدِيْث، وأسنده شريك، قَالَ البيهقي:((هَذَا حَدِيْث يُعدُّ في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هَذَا الوجه مرسلاً. هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تَعَالَى)) (6).
لذا قَالَ الحازمي في "الاعتبار": ((والمرسل هُوَ المحفوظ)) (7).
وعليه فحديث وائل فِيْهِ علتان موجبتان لضعفه: الأولى: ضعف شريك، والثانية: مخالفته لهمام في روايته.
2 -
أما قوله بأن الْحَدِيْث مقلوب فما هُوَ إلا من باب التجويز العقلي، وَلَوْ فتحنا هَذَا الباب ما سلم لنا شيء من الأخبار، وَقَدْ رده الشيخ علي القاري فَقَالَ:((وقول ابن القيم أن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة انقلب متنه عَلَى راويه فِيْهِ نظر، إِذْ لَوْ فتح هَذَا الباب لَمْ يَبْقَ اعتماد عَلَى رِوَايَة راوٍ مع كونها صحيحة)) (8).
واستدلاله عليه بما رَوَاهُ ابن أبي شيبة وابن أبي داود لا يصلح سنداً لقوله، ففي كلا إسنادهما: عَبْد الله بن سعيد بن أبي شيبة المقبري، كَانَ القطان وابن مهدي لا يحدّثان عَنْهُ. وَقَالَ يحيى القطان: جلست إلى عَبْد الله بن سعيد بن أبي سعيد مجلساً فعرفت فِيْهِ، يعني: الكذب. وَقَالَ أحمد: منكر الْحَدِيْث متروك الْحَدِيْث. وَقَالَ أبو أحمد الْحَاكِم: ذاهب الْحَدِيْث (9).
3 -
أما القَوْل بالنسخ فَقَدْ سبقه إِلَيْهِ ابن خزيمة (10)، والخطابي (11)، والحديث الَّذِيْ
(1) أخرجه أبو داود عقيب (839)، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 99.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي 2/ 99.
(3)
انظر: ميزان الاعتدال 2/ 279 (3740).
(4)
الجرح والتعديل 4/ 373.
(5)
التقريب (2819).
(6)
السنن الكبرى، للبيهقي 2/ 99.
(7)
الاعتبار: 123.
(8)
مرقاة المفاتيح 1/ 552.
(9)
انظر: تهذيب الكمال 4/ 149 (3293).
(10)
صَحِيْح ابن خزيمة 1/ 318 - 319.
(11)
معالم السنن:1/ 178.
استدلوا بِهِ عَلَى النَّسْخ رَوَاهُ ابن خزيمة والبيهقي من طريق إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن جده، عن سلمة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه فذكره.
وهذا الْحَدِيْث بهذا السند لا يصلح لإثبات حكم فضلاً عن نسخ غيره، إِذْ إن فِيْهِ راويين ضعيفين:
الأول: إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل. قَالَ ابن حبان (1) وابن نمير (2): ((في روايته عن أبيه بعض المناكير)).
الثاني: أبوه إِسْمَاعِيْل بن يحيى. قَالَ الأزدي والدارقطني: ((متروك)) (3).
قَالَ الحازمي: ((أما حَدِيْث سعد ففي إسناده مقال، وَلَوْ كَانَ محفوظاً لدل عَلَى النَّسْخ، غَيْر أن المحفوظ عن مصعب، عن أبيه حَدِيْث نسخ التطبيق)) (4).
وَقَالَ ابن حجر: ((وهذا لَوْ صح لكان قاطعاً للنّزاع، ولكنه من أفراد إِبْرَاهِيْم ابن إِسْمَاعِيْل بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، وهما ضعيفان)) (5).
4 -
وأما قولهم باضطراب متنه، فإن الَّذِيْ اتفقت عليه كلمة الْمُحَدِّثِيْنَ أن شرط الاضطراب تساوي أوجه الرِّوَايَة من غَيْر ترجيح (6)، فإن ترجحت إحدى الروايات بوجه من وجوه الترجيح المعتبرة انتفى الاضطراب (7).
وإذا علمنا مِمَّا مضى أن حَدِيْث مُحَمَّد بن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد، عن أبي هُرَيْرَة، لا تقوم الحجة بِهِ، وذلك لضعف عَبْد الله بن سعيد، فكيف تتساوى وجوه الرِّوَايَة؟!
5 -
أما دعوى إعلال النقاد لَهُ، فليس في كلام الإمام البخاري ما يدل عَلَى إعلاله لَهُ، فغاية مراد الإمام البخاري من قوله هَذَا تشخيص حالة التفرد، وذلك لاهتمامهم بناحية التفرد –كَمَا مضى بنا عِنْدَ كلامنا عن التفرد–.
(1) الثقات 8/ 83.
(2)
انظر: تهذيب الكمال 1/ 101 (145).
(3)
انظر: تهذيب الكمال 1/ 259 (485)، وتهذيب التهذيب 1/ 336.
(4)
الاعتبار: 122.
(5)
فتح الباري 2/ 291.
(6)
انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 84 وفي طبعتنا: 192 - 193، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 240 وفي طبعتنا 1/ 290 - 291.
(7)
انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 84 وفي طبعتنا: 226، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 240 وفي طبعتنا 1/ 291.
ومحمد بن عَبْد الله الملقب بالنفس الزكية (1) ثقة (2)، لذا قَالَ ابن التركماني:((وثّقه النسائي وقول البخاري ((لا يتابع عَلَى حديثه)) ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي)) (3).
وأما قوله: ((لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟)).
فإنما يتأتى الإعلال بِهِ عَلَى شرط الإمام البخاري رحمه الله من عدم الاكتفاء بالمعاصرة، أما الجمهور فعلى مذهب الإمام مُسْلِم من الاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء (4)، وما في أيدينا تطبيق لهذه القاعدة، فأبو الزناد – عَبْد الله بن ذكوان – مدنيٌّ عاش في الْمَدِيْنَة ومات فِيْهَا سنة (130 هـ)(5)، ومحمد بن عَبْد الله مدنيٌّ أَيْضاً عاش في الْمَدِيْنَة، وخرج بالمدينة عَلَى أبي جعفر المنصور، واستولى عَلَى الْمَدِيْنَة سنة (145 هـ) وفيها قتل (6).
فالمعاصرة موجودة، وإمكان اللقاء قريب بَلْ هُوَ شبه المتحقق، حَتَّى إننا نجد الذهبي في "السير" (7) يقول:((حدّث عن نافع وأبي الزناد)).
6 -
دعوى وجود الشواهد لحديث وائل، فهي دعوى عارية عن المفهوم عِنْدَ التحقيق العلمي، إِذْ ذكروا لَهُ أربعة شواهد هِيَ:
الأول: ما روي من طريق العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس:((رأيت رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه)).
رَوَاهُ: الدَّارَقُطْنِيّ (8)، وابن حزم (9)، والحاكم (10)، والبيهقي (11)، والحازمي (12).
(1) انظر: تاريخ خليفة: 421، وتاريخ الطبري 4/ 427، والتحفة اللطيفة في تاريخ الْمَدِيْنَة الشريفة 1/ 43.
(2)
تقريب التهذيب (6010).
(3)
الجوهر النقي 2/ 100.
(4)
انظر: مقدمة صَحِيْح مُسْلِم 1/ 23، والمنهل الروي:48.
(5)
انظر: تهذيب الكمال 4/ 125 - 126.
(6)
انظر: الكامل في التاريخ 5/ 2 فما بعدها.
(7)
سير أعلام النبلاء 6/ 210، وانظر: الكاشف 2/ 185 - 186، وتهذيب التهذيب 9/ 353.
(8)
سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 345.
(9)
المحلى 4/ 129.
(10)
المستدرك 1/ 226.
(11)
السنن الكبرى، للبيهقي 2/ 99.
(12)
الاعتبار: 122.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل، عن حفص بهذا الإسناد)) (1) وبنحوه قَالَ البيهقي (2) والعلاء مجهول لا يعرف (3)، قَالَ ابن حجر:((قَالَ البيهقي في "الْمَعْرِفَة" تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل العطار وَهُوَ مجهول)) (4). وسأل ابن أَبِي حاتم أباه عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ: ((حَدِيْث منكر)) (5).
وأيضاً فَقَدْ خالف العلاء عمر بن حفص (6) –وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه- (7)، فرواه عن أبيه، عن الأعمش، عن إِبْرَاهِيْم، عن أصحاب عَبْد الله: علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بَعْدَ ركوعه عَلَى ركبتيه قَبْلَ يديه (8). فجعله من مسند عمر لا من مسند أنس.
قَالَ ابن حجر: ((وخالفه عمر بن حفص بن غياث – وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه، فرواه عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وغيره، عن عمر موقوفاً عليه، وهذا هُوَ المحفوظ)) (9).
الثاني: حَدِيْث سعد بن أبي وقاص، وَقَدْ قدمنا الكلام عليه (10).
الثالث: ما رواه البيهقي (11) من طريق مُحَمَّد بن حجر، عن سعيد بن عَبْد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل بن حجر:((صليت خلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سجد فكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتاه)).
وَهُوَ سند ضعيف: مُحَمَّد بن حجر، قَالَ البخاري:((فِيْهِ نظر)) (12)، وَقَالَ ابن حبان: ((يروي عن عمه سعيد بن عَبْد الجبار، عن أبيه – وائل بن حجر – بنسخة منكرة، فِيْهَا أشياء لها أصول من حَدِيْث رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، وليس من حَدِيْث وائل بن حجر، وفيها
(1) سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 345.
(2)
السنن الكبرى، للبيهقي 2/ 99.
(3)
انظر: لسان الميزان 4/ 182.
(4)
التلخيص الحبير 1/ 271.
(5)
علل الْحَدِيْث، لابن أبي حاتم 1/ 188.
(6)
هُوَ عمر بن حفص بن غياث أبو حفص الكوفي: ثقة رُبَّمَا وهم، توفي سنة (222 هـ).
تهذيب الكمال 5/ 339 (4806)، والكاشف 2/ 57 (4038)، والتقريب (4880).
(7)
انظر: لسان الميزان 4/ 183.
(8)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 256.
(9)
لسان الميزان 4/ 183.
(10)
الصفحة: 237.
(11)
في السنن الكبرى، لَهُ 2/ 99.
(12)
التاريخ الكبير 1/ 69، وانظر: الضعفاء، للعقيلي 4/ 59، والكامل، لابن عدي 7/ 343.