الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهيداً، قَالَ الحافظ ابن حجر: ((هَذَا الفن أغمض أنواع الْحَدِيْث وأدقها مسلكاً، ولا يقوم بِهِ إلا مَنْ منحه الله تَعَالَى فهماً غائصاً، واطلاعاً حاوياً وإدراكاً لمراتب الرواة ومعرفة
ثاقبة)) (1).
وَقَالَ ابن رجب الحنبلي: ((حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كُلّ واحد مِنْهُمْ، لَهُمْ فهم خاص يفهمون بِهِ أن هَذَا الْحَدِيْث يشبه حَدِيْث فُلَان، ولا يشبه حَدِيْث فُلَان فيعللون الأحاديث بِذَلِكَ)) (2).
ويشترط فيمن يتكلم في العلل ويكشف عن اختلافات المتون والأسانيد أن يَكُوْن ملماً بالروايات مطلاعاً للكتب واسع البحث كثير التفتيش، لذا قَالَ ابن رجب الحنبلي:((ولابدَّ في هَذَا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة بِهِ فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عَنْهُ كأحمد وابن المديني (3) وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذَلِكَ، وفهمه وفقهت نفسه فِيْهِ وصارت لَهُ فِيْهِ قوة نفس وملكة، صلح لَهُ أن يتكلم فِيْهِ)) (4).ويشترط فيمن يريد الكشف عن الاختلافات الحديثية أن يعرف الأسانيد الصحيحة والواهية. والثقات الذِيْن ضعفوا في بعض شيوخهم، والثقات الَّذِيْنَ تقوّى أحاديثهم بروايتهم عن بعض الشيوخ؛ لأنه مدار الترجيح وبه يعرف تعيين الخطأ من الصَّحِيْح.
وبالإمكان تنظير نقاط ندرك من خلالها الاختلافات سواء أكانت في المتون أم في الأسانيد، يستطاع من خلالها كشف الوهم والاختلافات، وكيفية التعامل مع ذَلِكَ تصحيحاً أَوْ تضعيفاً وكما يأتي:
أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة
(5):
إنّ مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد من الرُّوَاة المكثرين الَّذِيْنَ يكثر تلامذتهم وتتعدد مدارسهم الحديثية، فِيْهِ فائدة عظيمة لناقد الْحَدِيْث الَّذِيْ من همه مَعْرِفَة
(1) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلَاحِ 2/ 711.
(2)
شرح علل الترمذي 2/ 861.
(3)
هُوَ علي بن عَبْد الله بن جعفر السعدي، أبو الحسن البصري، إمام العلل الناقد الهمام، قَالَ البخاري:
((ما استصغرت نفسي عِنْدَ أحد إلا عِنْدَ علي بن المديني))، له:" العلل "، توفي سنة (234 هـ).
الجرح والتعديل 6/ 193، وتهذيب الكمال 5/ 269 (4685)، وتاريخ الإِسْلَام وفيات سنة (234 هـ): 276 فما بعدها
(4)
شرح علل الترمذي 2/ 664.
(5)
الْحَدِيْث المعلل: 50.
الاختلافات وكيفية التوفيق بينها؛ لأن هَذَا يعطي صورة واضحة للأسانيد الشاذة أَوْ المنكرة، واختلاف الناقلين عن ذَلِكَ المصدر.
وإنا نجد علماء الْحَدِيْث الأجلاء يهتمون بهذا أيما اهتمام، فَقَدْ سأل عَبْد الله بن الإمام أحمد (1) أباه:((أيما أثبت أصحاب الأعمش؟ فَقَالَ: سفيان الثوري أحبهم إليَّ، قلت لَهُ: ثُمَّ من؟ فَقَالَ: أبو معاوية (2) في الكثرة والعلم - يعني: عالماً بالأعمش - قلت لَهُ: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فَقَالَ: لكل واحد مِنْهُمْ علة إلا أن يونس (3) وعقيلاً (4) يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة (5)، وليس هم مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد. قلت: فمالك؟ قَالَ: مالك أثبت في كُلّ شيء
…
)) (6).
وَقَدْ اهتم الإمام عَلِيّ بن المديني بهذا الباب، فذكر في علله من يدور عَلَيْهِمْ الإسناد (7)، وبهذا الاهتمام البالغ استطاع العلماء مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد، ومَنْ أَكْثَر الناسِ عَنْهُمْ جمعاً ورواية، وَقَدْ طبقوا هَذَا المنهج عَلَى كافة الرُّوَاة حَتَّى تعرَّفوا عَلَى أوثق الناس فِيْهِ وأدناهم به، كَمَا ثبَّتوا حماد بن سلمة (8) في ثابت
(1) هُوَ عَبْد الله بن أحمد بن حَنْبَل الشيباني، أبو عَبْد الرحمان البغدادي، مولده سنة (213 هـ)، قَالَ الْخَطِيْب: كَانَ ثقة ثبتاً فهماً، وَهُوَ راوي المسند والمسائل عن أبيه، توفي سنة (290 هـ).
تاريخ بغداد 9/ 375، والمنتظم 6/ 39، وتهذيب الكمال 4/ 84 (3145).
(2)
هُوَ مُحَمَّد بن خازم أبو معاوية الكوفي الضرير، عمي وَهُوَ صغير: ثقة من أحفظ الناس لحديث الأعمش، وإذا حدّث عن غيره وهم، توفي سنة (195 هـ).
التاريخ الكبير 1/ 74 (191)، ونكت الهميان: 247، والتقريب (5841).
(3)
هُوَ يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، أحد الأثبات عن الزهري وغيره، مات في سنة (159 هـ).
الجرح والتعديل 9/ 247، والكاشف 2/ 404 (6480)، وتهذيب التهذيب 11/ 450.وقارن بتقريب التهذيب (7919).
(4)
هُوَ عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي، أبو خالد الأموي مولاهم، روى عن الزهري فأجاد، قَالَ يونس بن يزيد: ما أحد أعلم بحديث الزهري من عقيل، توفي سنة (142 هـ).
الكامل في التاريخ 5/ 528، وسير أعلام النبلاء 2/ 301، وتهذيب التهذيب 7/ 255.
(5)
هُوَ شعيب بن أَبِي حمزة - واسم أبيه دينار - الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي: ثقة عابد، قَالَ ابن معين: هُوَ مثل عقيل ويونس في الزهري، مات سنة (162هـ) عَلَى الأصح.
الجرح والتعديل 4/ 344، ومشاهير علماء الأمصار: 182، وتهذيب الكمال 3/ 396 (2733).
(6)
العلل للإمام أحمد برواية عَبْد الله 1/ 382 - 383 (2451).
(7)
انظر: العلل، لابن المديني: 36 - 39.
(8)
هُوَ حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة البزاز. وَهُوَ ابن أخت حميد الطويل، قَالَ ابن معين: أثبت الناس في ثابت البناني حماد بن سلمة، توفي سنة (167 هـ).
الطبقات الكبرى 7/ 282، وتاريخ الإسلام وفيات سنة (167 هـ):144، وبغية الوعاة 1/ 548.