الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((ما فِيْهِ شبهة لا يعارض ما لَيْسَ فِيْهِ شبهة)) (1). ومن ثَمَّ فإنه لا وجه للقول باستوائهما من ناحية الاستدلال، فضلاً عن تعارضهما؛ لذا نجد فقهاء الحنفية (2) وبعض فقهاء المالكية (3) عند معارضة خبر الآحاد للقرآن الكريم يوجبون ردّه، أو تأويله عَلَى وجه يجمع بَيْنَهُمَا.
ويُعلّلون هَذَا الاشتراط: بأنّ ((خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب، والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع، فَلَا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع، بَلْ يخرج عَلَى موافقته بنوع تأويل)) (4).
وبالمقابل فإننا نجد الجُمْهُوْر يلغون هَذَا الاشتراط، ويجوزون تخصيص عموم نصوص الكِتَاب بخبر الواحد عِنْدَ التعارض، كَمَا يجوز تقييد ما أطلق من نصوصه بِهَا (5)؛ وذلك أنّ الحنفية ومن وافقهم يرون الزيادة عَلَى النص نسخاً (6)، وكيف يصح رفع المقطوع بالمظنون؟
والجمهور يقولون: إنّ الزيادة عَلَى النص ليست من باب النسخ دائماً (7)، وإنما قَدْ تَكُوْن بياناً، أو تخصيصاً، أو تقييداً. وفي مسألة البيان لا يشترط تكافؤ الأدلة من حَيْثُ عدد ناقليها.
ونستطيع أن نتلمس أثر هَذَا الخلاف في اختلاف الفقهاء من خلال الأمثلة الآتية:
النموذج الأول:
حَدِيْث فاطمة بنت قيس قالت: ((طلقني زوجي ثلاثاً لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأتيت رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فذكرت لَهُ ذَلِكَ، فقلت لَهُ: إنَّهُ لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، قَالَ: صدق)) (8).
(1) أسباب اختلاف الفقهاء: 300 للزلمي.
(2)
أصول السرخسي1/ 344، والفصول في الأصول 3/ 114، وميزان الأصول: 433، والتلويح2/ 15 - 16.
(3)
إحكام الفصول للباجي 1/ 417 (419).
(4)
ميزان الأصول: 434.
(5)
أسباب اختلاف الفقهاء: 301.
(6)
أصول السرخسي 2/ 81 - 82، والفصول في الأصول 2/ 313، وميزان الأصول:724.
(7)
البحر المحيط 4/ 143.
(8)
ألفاظ الْحَدِيْث مطولة ومختصره، وأثبت رِوَايَة أحمد وأبي داود الطيالسي في مسنده (1645).
رَوَاهُ مالك (1)، والشافعي (2)، وعبد الرزاق (3)، والحميدي (4)، وسعيد (5) بن مَنْصُوْر (6)، وابن سعد (7)، وابن الجعد (8)، وابن أبي شيبة (9)، وأحمد (10)، والدارمي (11)، ومسلم (12)، وأبو داود (13)، وابن ماجه (14)، والترمذي (15)، والنسائي (16)، وابن (17) الجارود (18)، و (19) الطبري (20)، والطحاوي (21)، وابن حبان (22)، وغيرهم (23).
(1) في الموطأ (1697) برواية الليثي.
(2)
في مسنده (1315) بتحقيقنا.
(3)
في مصنفه (12021) و (12022) و (12026) و (12027).
(4)
في مسنده (363).
(5)
الثقة أبو عثمان الخراساني سعيد بن مَنْصُوْر بن شعبة نزيل مكة، توفي سنة (227 هـ).
انظر: تاريخ الإسلام: 184 وفيات (227 هـ)، وسير أعلام النبلاء 10/ 586، والتقريب (2399).
(6)
في سننه (1355) و (1356) و (1357).
(7)
في طبقاته 8/ 273 و 274 و 275.
(8)
في مسنده (623).
(9)
في مصنفه (18659) و (18660) و (18835).
(10)
في مسنده 6/ 373 و 411 و 412 و 413 و 414 و 415 و 416.
(11)
في سننه (2279) و (2280).
(12)
في صحيحه 4/ 195 (1480)(36) و (37)، 4/ 196 (1480)(38) و (39) و (40) و (41) و (42) و (44) و (45) و (47) و (48) و (49) و (50) و (51)، و 8/ 203 (2942)(119).
(13)
في سننه (2284) و (2285) و (2286) و (2287) و (2288) و (2289) و (2290).
(14)
في سننه (1869) و (2035) و (2036).
(15)
في جامعه (1135) و (1180) و (1181).
(16)
في المجتبى 6/ 70 - 71 و 74 و 75 و 144 و 145 و 150 و 207 و 208 و 209 و 210 و211. وفي الكبرى (5351) و (5352) و (5596) و (5597) و (5598) و (5739) و (5740) و (5742) و (5743) و (5745) و (6032) و (9243) و (9244).
(17)
هُوَ الإمام أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عَلِيّ بن الجارود النيسابوري صاحب كتاب " المنتقى من السنن "، ولد سنة (230 هـ) تقريباً، وتوفي سنة (307 هـ).
تذكرة الحفاظ 3/ 794، وسير أعلام النبلاء 14/ 239 و 340، والأعلام 4/ 104.
(18)
في المنتقى (760) و (761).
(19)
هُوَ الإمام مُحَمَّد بن جرير بن يزيد بن كَثِيْر، أَبُو جعفر الطبري صاحب " التفسير "، ولد سنة
(224 هـ)، وتوفي سنة (310 هـ).
الأنساب 4/ 24 و 25، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 78 - 79، وسير أعلام النبلاء 14/ 267.
(20)
في تفسيره 8/ 147.
(21)
في شرح المعاني 3/ 64 و 65 و 66 و 67 و 68 و 69. وفي شرح المشكل (2643).
(22)
في صحيحه (4052) و (4253) و (4254) و (4255).
(23)
انظر تخريجه موسعاً في تحقيقنا لمسند الشافعي (1315).
وَقَد اختلف الفقهاء في المطلقة ثلاثاً (المطلقة غَيْر الرجعية) إذا لَمْ تَكُنْ حاملاً، هَلْ تجب لها النفقة والسكن أم لا؟ عَلَى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنّ المطلقة البائن بينونة كبرى غَيْر الحامل تجب لها النفقة والسكنى عَلَى الزوج المُطَلِّق.
روي ذَلِكَ عن: عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وعائشة (1)، والنخعي، وابن شبرمة (2)، والثوري، والحسن بن صالح، وعثمان البتي (3)، وعبيد الله بن الحسن (4) العنبري (5).
وَهُوَ رِوَايَة عن سعيد بن المسيب (6).
وبه قَالَ الحنفية (7).
واستدلوا: بأنّ الله تبارك وتعالى افتتح سورة الطلاق بقوله - جل ذكره -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (8)، فإنّ الخطاب فِيْهَا شامل للمطلقة الرجعية والمبتوتة، فلما قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بآيات:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (9) كان أمراً شاملاً للجميع، فدخلت تحته البائنة والرجعية واستويتا في الحكم من حَيْثُ وجوب السكن (10).
(1) أم المؤمنين عَائِشَة بنت أبي بكر الصديق زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأمها أم رومان، تزوجها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الهجرة بسنتين، توفيت سنة (57 هـ).
انظر: أسد الغابة 5/ 501، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/ 286 (3429)، والإصابة 4/ 359.
(2)
هُوَ الإمام، فقيه العراق عَبْد الله بن شُبْرُمة بن الطفيل بن حسان الضبي، أبو شبرمة الكوفي الْقَاضِي: ثقة، فقيه، توفي سنة (144 هـ).
تهذيب الكمال 4/ 159 - 160 (3316)، وسير أعلام النبلاء 6/ 347و349، والتقريب (3380).
(3)
هُوَ أبو عَمْرو بياع البتوت عثمان بن مُسْلِم، وَقِيْلَ: أسلم، وَقِيْلَ: سليمان: فقيه، وأصله من الكوفة.
انظر: تهذيب الكمال 5/ 137 (4451)، وسير أعلام النبلاء 6/ 148، والكاشف: 2/ 13 (3740).
(4)
هُوَ عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر بن الخشخاش العنبري التميمي، قاضي البصرة: ثقة، فقيه، توفي سنة (168 هـ).
الأنساب 4/ 218، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 311، والتقريب (4283).
(5)
المغني 9/ 179 - 181، والشرح الكبير 9/ 238.
(6)
شرح معاني الآثار 3/ 73، والاستذكار 5/ 172، وانظر: فقه سعيد بن المسيب 3/ 426.
(7)
المبسوط 19/ 2، وبدائع الصنائع 3/ 209، وفتح القدير 3/ 339، وحاشية رد المحتار 3/ 609.
(8)
الطلاق: 1
(9)
الطلاق: 6.
(10)
أحكام القرآن للجصاص 3/ 459.
وأجابوا عن حَدِيْث فاطمة بأنه مخالف لنص القرآن الصريح، واستناداً إِلَى هَذِهِ المخالفة رد حديثها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فروى الطحاوي عَنْهُ أنَّهُ قَالَ:((لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت)) (1).
القول الثاني: لَيْسَ للمطلقة المبتوتة الحائل نفقة أيّاً كَانَت ولا سكن.
روي ذَلِكَ عن: عَلِيٍّ، وابن عَبَّاسٍ، وجابر (2)، وطاوس، وعمرو بن ميمون (3)، والزهري، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور، وداود (4).
وَهُوَ رِوَايَة عن: الحسن البصري، وعطاء، والشعبي (5).
وإليه ذهب أحمد في المَشْهُوْر من مذهبه (6)، وبه قَالَت الظاهرية (7)، والإمامية (8).
واستدلوا بحديث فاطمة، وقالوا: لا تعارض بينه وبين نصوص الكِتَاب، وَهُوَ
((حَدِيْث صَحِيْح صريح في دلالته وأنه يعتبر مخصصاً لعموم آيات الإنفاق والسكن للمعتدات، وَلَيْسَ بمستغرب أن تَكُوْن السنة النبوية مخصصة لعام القرآن أو مقيدة لمطلقه كَمَا هُوَ معروف في أصول الفقه)) (9).
القول الثالث: لها السكن دُوْنَ النفقة.
روي هَذَا عن الفقهاء السبعة (10)، والأوزاعي، وابن أبي ليلى (11).
وَهُوَ رِوَايَة عن: سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، والشعبي (12).
(1) شرح معاني الآثار 3/ 72 - 73.
(2)
الصَّحَابِيّ الجليل جابر بن عَبْد الله بن عَمْرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي المدني، كَانَ هُوَ وأبوه وخاله من أصحاب العقبة، وَكَانَ أبوه يومئذ أحد النقباء، توفي جابر سنة (74 هـ)، وَقِيْلَ: سنة (79 هـ).
معجم الصَّحَابَة 3/ 1006، وأسد الغابة 1/ 256 و 258، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 73 (683).
(3)
هُوَ أَبُو عَبْد الله وأبو عَبْد الرحمان عَمْرو بن ميمون بن مهران الجزري: ثقة فاضل، توفي سنة (147 هـ)، وَقِيْلَ:(145 هـ).
تهذيب الكمال 5/ 467 (5046)، وسير أعلام النبلاء 6/ 346، والتقريب (5121).
(4)
الحاوي الكبير 14/ 283، والشرح الكبير 9/ 239.
(5)
الاستذكار 5/ 172.
(6)
المغني 9/ 179.
(7)
المحلى 10/ 292.
(8)
تهذيب الأحكام 8/ 123، والاستبصار 3/ 338.
(9)
المفصل في أحكام المرأة 9/ 243 (9554).
(10)
انظر في تعينهم مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 408 مَعَ تعليقنا عَلَيْهِ.
(11)
حلية الْعُلَمَاء 7/ 410 - 411.
(12)
معالم السنن 3/ 284، والشرح الكبير 9/ 239، وانظر: فقه سعيد 3/ 432.