المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمَتْن فيكون بِذَلِكَ مرادفاً للسند، ويكون بمعنى عزو الْحَدِيْث إلى - أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل التمهيديبيان ماهية الاختلاف

- ‌المبحث الأولالاختلاف لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الأولتعريف الاختلاف لغة

- ‌المطلب الثانيتعريف الاختلاف اصطلاحاً

- ‌المبحث الثانيالفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف

- ‌المبحث الثالثأنواع الاختلاف

- ‌المبحث الرابعأسباب الاختلاف

- ‌أولاً. الوهم والخطأ:

- ‌ثانياً. ظروف طارئة

- ‌ثالثاً. الاختلاط:

- ‌رابعاً. ذهاب البصر:

- ‌خامساً. ذهاب الكتب:

- ‌سادساً. عدم الضبط:

- ‌سابعاً. التدليس

- ‌الأول: تدليس الإسناد:

- ‌الثاني: تدليس الشيوخ:

- ‌الثالث: تدليس التسوية

- ‌الرابع: تدليس العطف:

- ‌الخامس: تدليس السكوت:

- ‌السادس: تدليس القطع:

- ‌السابع: تدليس صيغ الأداء:

- ‌ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث:

- ‌أ. ولاية القضاء:

- ‌ب. الاشتغال بالفقه:

- ‌ج. الاشتغال بالعبادة:

- ‌المبحث الخامسمعرفة الاختلاف ودخوله في علم العلل

- ‌المبحث السادسأهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

- ‌المبحث السابعالكشف عن الاختلاف

- ‌أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة

- ‌ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة

- ‌ثالثا. جمع الأبواب

- ‌المبحث الثامنالاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح

- ‌الفصل الأولالاختلاف في السند

- ‌تمهيد

- ‌أ. تعريف السند والإسناد لغة:

- ‌أهمية الإسناد:

- ‌المبحث الأولأثر التدليس في اختلاف الحديث

- ‌أولاً: أقسام التدليس

- ‌ثانياً: حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ

- ‌ثالثاً. حكم الْحَدِيْث المدلس:

- ‌رابعاً. أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث وأثره في اختلاف الفقهاء:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (المقدار الَّذِيْ تدرك بِهِ صلاة الجمعة):

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (نظر الزوج إلى فرج زوجته أو حليلته):

- ‌النموذج الثالث:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم لبس خاتم الفضة للرجال):

- ‌المبحث الثانيأثر التَّفَرُّد في اختلاف الْحَدِيْث، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌الأول: تفرد في الطبقات المتقدمة:

- ‌الثاني: التفرد في الطبقات المتأخرة

- ‌الأول: الفرد المطلق:

- ‌الثاني: الفرد النسبي:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان)

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (الجمع بَيْنَ الصلاتين)

- ‌نموذج آخر للتفرد:

- ‌أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء (حكم المسح عَلَى الجوربين)

- ‌الفصل الثانيالاختلاف في الْمَتْن

- ‌المبحث الأولرِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى

- ‌النموذج الأول: حكم الصَّلَاة عَلَى الجنازة في المسجد

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم المسبوق في الصَّلَاة):

- ‌النموذج الثالث

- ‌أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثانيمخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:حكم القضاء باليمين مَعَ الشاهد

- ‌المبحث الثالثمخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ

- ‌النموذج الأول:مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة:

- ‌المبحث الرابعمخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله

- ‌النموذج الأول:اشتراط الولي في النكاح

- ‌النموذج الثاني:طهارة الإناء من ولوغ الكلب

- ‌المبحث الخامسمخالفة الْحَدِيْث للقياس

- ‌النموذج الأول: الانتفاع بالعين المرهونة

- ‌النموذج الثاني: رد الشاة المصراة

- ‌المبحث السادسمخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة

- ‌النموذج الأول: خيار المجلس

- ‌المبحث السابعمخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة في الفقه الإسلامي

- ‌أثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاءحكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان

- ‌المبحث الثامناختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار

- ‌المبحث التاسعورود حَدِيْث الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى

- ‌النموذج الأول: نقض الوضوء بمس الذكر

- ‌الفصل الثَّالِث: الاختلاف في السَّنَد والمتن

- ‌المبحث الأولالاضطراب

- ‌المطلب الأولتعريف المضطرب لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثَّانِيشرط الاضطراب

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المطلب الثَّالِثحُكْمُ الحَدِيْثِ الْمُضْطَرِبِ

- ‌المطلب الرابعأين يقع الاضطراب

- ‌القسم الأولالاضطراب في السَّنَد

- ‌النَّوع الأول: تعارض الوَصْل والإرسال

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (مَوْضِع سجود السهو)

- ‌النَّوع الثَّانِي: تعارض الوقف والرفع

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال)

- ‌نموذج آخر: وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب)

- ‌النوع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (حكم من أفطر في صيام التطوع)

- ‌النوع الرابعأن يروي الحديث قوم - مثلاً - عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهمعن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه

- ‌النوع الخامس: زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (مقدار التعزير)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النوع السادس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المسألة الأولى: إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر

- ‌المسألة الثانية: إيجاب صدقة الفطر على الفقير والغني

- ‌القسم الثانيالاضطراب في المتن

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النموذج الثَّانِي

- ‌أثر حَدِيثي عَمَّار في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المسألة الأولى: عدد ضربات التيمم

- ‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم

- ‌النموذج الآخر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم الشك في عدد ركعات الصَّلَاة

- ‌المبحث الثاني: الاختلاف في الزيادات

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريفها

- ‌المطلب الثَّانِي: أقسام زيادة الثِّقَة

- ‌المطلب الثَّالِث: حكم زيادة الثقة

- ‌نماذج من زيادة الثِّقَة، وأثرها في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم دفع صدقة الفطر عن الكافر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌‌‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الثانية: هَلْ ترفع اليدان في مَوْضِع آخر، وَهُوَ عِنْدَ القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: رفع اليدين عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الرابعة: إلى أين ترفع اليدان

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم التسمية في ابتداء الوضوء

- ‌أثر زيادة حماد في اختلاف الفقهاءهل يشترط لسجود السهو تكبيرة التحريم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء (اختلاف نية المأموم مع الإمام)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: حكم بيع الكلب المعلم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: كيفية الإقامة

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (موضع اليدين عند القيام في الصَّلَاة)

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (كيف تصلى نافلة النهار)

- ‌المبحث الثالثاختلاف الثقة مع الثقات، وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر رِوَايَة معمر في اختلاف الفقهاء (أكل المحرم من لحم الصيد)

- ‌المبحث الرابعاختلاف الضعيف مع الثقات وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم المسافر)

- ‌المبحث الخامس: الإدراج، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء (حكم التشهد والسلام)

- ‌النوع الثاني: أن يقع الإدراج في السند دون الْمَتْن

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌القسم الخامس:

- ‌المطلب الثالثأسباب وقوع الإدراج

- ‌المطلب الرابعطرق الكشف عن الإدراج

- ‌المطلب الخامس: حكم الإدراج

- ‌المبحث السادسالاختلاف بسبب خطأ الراوي

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث السابع: المقلوب، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: القلب في المتن

- ‌الأول: أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير:

- ‌الثاني: أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ

- ‌ الثالث: أن يقع في الإسناد والمتن معاً

- ‌المطلب الثالثأسباب القلب

- ‌أثر القلب في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثامنالاختلاف بسبب التصحيف والتحريف

- ‌أقسام التصحيف

- ‌القسم الأول: التصحيف في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: التصحيف في الْمَتْن:

- ‌القسم الثالث: تصحيف البصر:

- ‌القسم الرابع: تصحيف السمع:

- ‌القسم الخامس: تصحيف اللفظ

- ‌القسم السادس: تصحيف المعنى دون اللفظ:

- ‌الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

- ‌ثبت المراجع

الفصل: الْمَتْن فيكون بِذَلِكَ مرادفاً للسند، ويكون بمعنى عزو الْحَدِيْث إلى

الْمَتْن فيكون بِذَلِكَ مرادفاً للسند، ويكون بمعنى عزو الْحَدِيْث إلى قائله فهو أعم (1).

والخلاصة: المراد بالسند أَوْ الإسناد هنا: هُوَ سلسلة الرُّوَاة الَّذِيْنَ نقلوا الْحَدِيْث واحداً عن الآخر، حَتَّى يبلغوا بِهِ إلى قائله.

‌أهمية الإسناد:

إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف هَذِهِ الأمة بشرف الإسناد، وَمَنَّ عَلَيْهَا بسلسلة الإسناد واتصاله، فهو خصيصة فاضلة لهذه الأمة وليس لغيرها من الأمم السابقة، وَقَدْ أسند الْخَطِيْب في كتاب "شرف أصحاب الْحَدِيْث" (2) إلى مُحَمَّد بن حاتم بن المظفر قَالَ: ((إنّ الله أَكْرَمَ هَذِهِ الأمة وشرّفها وفضّلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها، قديمهم وحديثهم إسنادٌ، وإنما هِيَ صحف في أيديهم وَقَدْ خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بَيْنَ ما نزل من التوراة والإنجيل مِمَّا جاءهم بِهِ أنبياؤهم، وتمييز بَيْنَ ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار الَّتِيْ أخذوا عن غَيْر الثقات. وهذه الأمة إنما تنُصّ الْحَدِيْث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حَتَّى تتناهى أخبارهم، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حَتَّى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط والأطول مجالسةً

لِمَنْ فوقه ممن كَانَ أقل مجالسةً. ثُمَّ يكتبون الْحَدِيْث من عشرين وجهاً وأكثر حَتَّى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً. فهذا من أعظم نعم الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأمة)).

وَقَالَ أبو علي الجياني (3): ((خصّ الله تَعَالَى هَذِهِ الأمة بثلاثة أشياء لَمْ يعطها مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الأمم: الإسناد، والأنساب، والإعراب)) (4).

وَقَالَ الْحَاكِم النيسابوري: ((فلولا الإسناد وطلب هَذِهِ الطائفة لَهُ، وكثرة مواظبتهم عَلَى حفظه لدرس منار الإِسْلَام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فِيْهِ بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإنَّ الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فِيْهَا كانت مبتراً، كَمَا حَدَّثَنَا

(1) انظر: تيسير مصطلح الْحَدِيْث: 16.

(2)

شرف أصحاب الْحَدِيْث: 40 (76).

(3)

أبو علي الحسين بن مُحَمَّد بن أحمد الجياني، ولد سنة (427 هـ)، كَانَ إماماً في الْحَدِيْث، وبصيراً بالعربية والشعر والأنساب، لَهُ كتب مفيدة مِنْهَا:" تقييد المهمل "، توفي سنة (498 هـ).

انظر: وفيات الأعيان 2/ 195،وتذكرة الحفاظ، للذهبي 4/ 1233 و1234، ومرآة الجنان 3/ 36 - 37.

(4)

قواعد التحديث: 201.

ص: 59

أبو العباس مُحَمَّد بن يعقوب (1)، قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بن مُحَمَّد الدوري (2)، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني (3)، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية، قَالَ حَدَّثَنَا عتبة بن أبي حكيم (4)، أنه كَانَ عِنْدَ إسحاق ابن أبي فروة، وعنده الزهري، قَالَ: فجعل ابن أبي فروة يقول: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك عَلَى الله، ألا (5) تسند حديثك؟ تُحَدِّثُنا بأحاديث ليس لها خُطُم (6)، ولا أَزِمَّة (7))) (8).

هكذا أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ - منذ الصدر الأول - ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية؛ إِذْ هُوَ دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط.

وكذلك أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ أنه لا يمكن نقد الْمَتْن نقداً صحيحاً إلا من طريق البحث في الإسناد، ومعرفة حلقات الإسناد والرواة النقلة، فلا صحة لمتن إلا بثبوت إسناده.

وأعظم مثال عَلَى اهتمام المسلمين بالإسناد هُوَ ما ورثوه لنا من التراث الضخم الكبير الهائل، وما سخروا للإسناد من ثروة علمية في كتب الرجال.

(1) مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف الأصم، أبو العباس الأموي، حّدث بكتاب الأم للشافعي عن الربيع، وَكَانَ ثقة كَثِيْر الرحلة والرواية، مَعَ ضبط الأصول، توفي سنة (346 هـ).

انظر: الأنساب 1/ 187 - 189،وسير أعلام النبلاء 15/ 452، وشذرات الذهب 2/ 473.

(2)

الإمام الحافظ أبو الفضل، عَبَّاس بن مُحَمَّد بن حاتم بن واقد الدوري ثُمَّ البغدادي، مولى بني هاشم، أحد الأثبات المصنفين، ولد سنة (185 هـ)، رَوَى عن الإمام أحمد توفي سُنَّةُ (271 هـ).

تهذيب الكمال 4/ 75 (3129)، وسير أعلام النبلاء 12/ 522، والتقريب (3189).

(3)

إبراهيم بن إسحاق بن عيسى البناني، مولاهم، أبو إسحاق الطالقاني، نزيل مرو، قدم بغداد وحدّث بِهَا، صنف كتاب " الرؤيا " وكتاب " الغرس " وغيرهما، توفي بمرو سنة (215 هـ).

تاريخ بغداد 6/ 24، وتهذيب الكمال 1/ 99 (141)، وتاريخ الإِسْلَام: 51 - 52 وفيات (215 هـ).

(4)

عتبة بن أبي حكيم الهمداني ثُمَّ الشعباني، أبو العباس الشامي الأردني الطبراني: صدوق يخطئ كثيراً، مات بصور سنة (147 هـ). تهذيب الكمال 5/ 93 و 94 (4360)، والتقريب (4427)، وتهذيب التهذيب 7/ 94 و 95.

(5)

وقع في المطبوع: ((لا))، تحريف والتصحيح من نسختنا الخطية المصورة عن الأصل المحفوظة في مكتبة أوقاف بغداد.

(6)

خطم: من الدابة مقدمة أنفها، والخطم: جمع خطام وَهُوَ الحبل الَّذِيْ يقاد بِهِ البعير. لسان العرب 12/ 186، وتاج العروس 8/ 281 الطبعة القديمة مادة (خطم).

(7)

زمّ الشيء يزمه زماً فانزم: شده، والزمام ما زم بِهِ، والجمع أزمة، وزممت البعير خطمته. لسان العرب 12/ 272، وتاج العروس 8/ 328 الطبعة القديمة مادة (زمم).

(8)

مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: 6. وهَذِهِ القصة في أدب الإملاء والاستملاء: 5.

ص: 60

والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اشتد الاهتمام بنظام الإسناد، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق. من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة، وكتاب "الرحلة في طلب الْحَدِيْث"(1) للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ.

وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية (2) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: ((تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم)) (3).

ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ

(1) هُوَ كتاب فريد في بابه، جمع فِيْهِ الْخَطِيْب أخباراً نادرة من أخبار العلماء في رحلاتهم من أجل الْحَدِيْث الواحد، وما أشبه ذَلِكَ. وَقَدْ صدر الكتاب بأحاديث وآثار تدلل عَلَى ذَلِكَ وترغب فِيْهِ، وَقَدْ طبع الكتاب في بيروت بطبعته الأولى عام 1975 في دار الكتب العلمية بتحقيق: د. نور الدين عتر.

(2)

بغية الملتمس: 23.

(3)

أخرجه أحمد 1/ 351، وأبو داود (3659)، وابن حبان (92)، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل": 207 (92)، والحاكم في " المستدرك " 1/ 95، وفي مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: 27 و 60، والبيهقي في " السنن " 10/ 250 وفي " الدلائل " 6/ 539، والخطيب في " شرف أصحاب الْحَدِيْث "(70)، وابن عَبْد البر في " جامع بَيَان العلم " 1/ 55 و2/ 152، والقاضي عياض في " الإلماع ":10. من طرق عن الأعمش، عن عَبْد الله بن عَبْد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عَبَّاسٍ، بِهِ مرفوعاً.

وصححه الْحَاكِم، وَلَمْ يتعقبه الذهبي، وَقَالَ العلائي في " بغية الملتمس ": 24: ((هَذَا حَدِيْث حسن من حَدِيْث الأعمش)).

وأخرجه البزار (146)، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل "(91)، والطبراني في " الكبير "(1321)، والخطيب في "شرف أصحاب الْحَدِيْث "(69)، من حَدِيْث ثابت بن قيس بلفظ:

((تسمعون ويُسمع منكم ويُسمع من الَّذِيْنَ يسمعون منكم ثُمَّ يأتي من بَعْدَ ذَلِكَ قوم سمان يحبون السِّمَن، يشهدون قَبْلَ أن يُسألوا)).

ص: 61

هِيَ مَعْرِفَة صحة الْحَدِيْث أو ضعفه، فمدار قبول الْحَدِيْث غالباً عَلَى إسناده، قَالَ القاضي عياض:((اعلم أولاً أنّ مدار الْحَدِيْث عَلَى الإسناد فِيْهِ تتبين صحته ويظهر اتصاله)) (1). وَقَالَ ابن الأثير (2): ((اعلم أنّ الإسناد في الْحَدِيْث هُوَ الأصل، وعليه الاعتماد، وبه تعرف صحته وسقمه)) (3).

وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين.

قَالَ سفيان الثوري: ((الإسناد سلاح المؤمن، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل؟)) (4).

وهذا أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج (5) يقول: ((إنما يعلم صحة الْحَدِيْث بصحة الإسناد)) (6).

وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك: ((الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)) (7).

وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ من أجل أن لا ينضاف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة رضي الله عنهم إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ.

(1) الإلماع: 194.

(2)

المبارك بن مُحَمَّد بن عَبْد الكريم الشيباني، العلامة مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري، ثُمَّ الموصلي، من مصنفاته:"جامع الأصول" و "النهاية"، ولد سنة (544 هـ)، وتوفي سنة (606 هـ).

وفيات الأعيان 4/ 141، وتاريخ الإِسْلَام: 225 - 226 وفيات (606 هـ)، سير أعلام النبلاء 21/ 488.

(3)

جامع الأصول 1/ 9 - 10.

(4)

أسنده إِلَيْهِ الْخَطِيْب البغدادي في " شرف أصحاب الْحَدِيْث ": 42 (81).

(5)

هُوَ شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثُمَّ البصري: ثقة حافظ متقن، كَانَ الثوري يقول: هُوَ أمير المؤمنين في الْحَدِيْث، وَهُوَ أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وَكَانَ عابداً، مات سنة (160 هـ).

تهذيب الأسماء واللغات 1/ 244 - 246، وسير أعلام النبلاء 7/ 22 و 227، التقريب (2790).

(6)

التمهيد 1/ 57.

(7)

مقدمة صَحِيْح مُسْلِم 1/ 12، وطبعة فؤاد عَبْد الباقي 1/ 15، وشرف أصحاب الْحَدِيْث: 41 (78)، والإلماع:194.

ص: 62

وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ - كَمَا اهتموا بالإسناد - بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء، قَالَ علي بن المديني:((الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه)) (1).

ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث، وتأتي البقية في سند آخر؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل:((الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً)) (2).

وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي (3): ((الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات)) (4).

ويعرف - أَيْضاً - بجمع الطرق: الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح، فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة. قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه "الجامع الصَّحِيْح": ((وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن، ولكن تفصيله ربما

(1) الجامع لأخلاق الرَّاوِي وآداب السامع 2/ 212 (1641)، ومعرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 82، وطبعتنا: 188، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 227، وطبعتنا 1/ 275، وتدريب الرَّاوِي 1/ 253، وتوجيه النظر 2/ 601.

(2)

الجامع لأخلاق الرَّاوِي 2/ 212 (1640).

(3)

هُوَ الإمام العلامة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عَبْد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشَّافِعِيّ، ولد سنة (762 هـ)، وبكر بِهِ والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه جداً، ودرّس في حياته، توفي سنة (826 هـ)، من تصانيفه:"الإطراف بأوهام الأطراف"و"تكملة طرح التثريب" و " تحفة التحصيل في ذكر المراسيل" وغيرها.

انظر: طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 4/ 80، ولحظ الألحاظ: 284،والضوء اللامع 1/ 336،وحسن المحاضرة 1/ 363،ومقدمتنا لكتاب شرح التبصرة والتذكرة 1/ 34.

(4)

طرح التثريب 7/ 181.

ص: 63