الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها - (1).
والحديث من هذا الوجه منكر أنكره الإمام أحمد وغيره (2).
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء
لحديث أبي معاوية أثر كبير في الفقه الإسلامي؛ فَهُوَ أصل لِمَنْ أجاز الرمي ليلاً، وسأتكلم عن الرمي وبعض أحكامه، ثُمَّ أفصل القول في حكم رمي جمرة العقبة ليلاً.
الرمي لغةً: يطلق بمعنى القذف، وبمعنى الإلقاء، يقال: رميت الشيء وبالشيء، إذا قذفته (3).
أما اصطلاحاً: فرمي الجمار، وهو رمي الحصيات المعينة العدد في الأماكن
الخاصة بالرمي في منى - الجمرات -، وليست الجمرة هي الشاخص - العمود - الذي يوجد في منتصف المرمى، بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك الشاخص، والجمرات التي ترمى ثلاث، هي:
1 -
الجمرة الأولى: وتسمى الصغرى، أو الدنيا، وهي أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، سميت ((دنيا)) من الدنو، لأنها أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف.
2 -
الجمرة الثانية: وتسمى الوسطى، بعد الجمرة الأولى، وقيل جمرة العقبة.
3 -
جمرة العقبة: وهي الثالثة، وتسمى أيضاً:((الجمرة الكبرى))،وتقع في آخر منى تجاه الكعبة.
وقد اتفق الفقهاء على أنّ رمي الجمار واجب من واجبات الحج قال الكاساني:
=
لاسيما وقد نص على ذلك الإمام أحمد.
وَقَالَ ابن عبد البر: ((كان كثير الخطأ ليس بحجة)) (تهذيب التهذيب 4/ 447)، وَقَالَ الذهبي في المغني 1/ (2911):((لينه القطان))، وَقَالَ في الميزان 2/ (3931):((قال يعقوب بن شيبة: صدوق في حفظه ضعف)). على أن بعضهم أطلق القول بتوثيقه، انظر: تهذيب الكمال 3/ 476، والتعليق عليه.
(1)
أخرجه أبو داود (1942)، والحاكم 1/ 469، والبيهقي 5/ 133، وابن عبد البر في الاستذكار 3/ 593.
(2)
زاد المعاد 2/ 249.
(3)
لسان العرب 14/ 335 مادة (رمي).
((إن الأمة أجمعت على وجوبه)) (1).
ووقت رمي الجمار أربعة أيام لمن لم يتعجل، هي: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، وتسمى أيام التشريق.
ويوم النحر ترمى جمرة العقبة وحدها، وهنا يأتي دور حديث أبي معاوية، وهو من أين يبدأ أول وقت الرمي ليوم النحر.
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أول وقت الرمي يوم النحر الذي يجوز فيه الرمي، هو نصف الليل من ليلة النحر، وهو قول عطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة (2) بن خالد (3)، والشافعي (4)، وأحمد بن حنبل في أرجح الروايتين عنه (5).
وحجة هذا القول:
أولاً: حديث أبي معاوية السابق
قال الإمام الشافعي: ((أحب أن لا يرمي أحدٌ حتى تطلع الشمس، ولا بأس عليه أن يرمي قبل طلوع الشمس، وقبل الفجر إذا رمى بعد نصف الليل؛ أَخْبَرَنَا داود (6) بن عَبْد الرحمان وعبد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قَالَ: دار رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر إِلَى أم سلمة فأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حَتَّى ترمي الجمرة، وتوافي صلاة الصبح بمكة، وَكَانَ يومها فأحب أن توافيه. أَخْبَرَنَا الثقة (7)، عن
(1) بدائع الصنائع 2/ 136.
(2)
هُوَ عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام القرشي المخزومي: ثقة، وَقَالَ النووي: المكي التابعي المتفق عَلَى توثيقه. تهذيب الأسماء واللغات 1/ 340، وتهذيب الكمال 5/ 207 (4594)، والتقريب (4668).
(3)
المغني 3/ 449.
(4)
انظر: الأم 2/ 213، ومختصر المزني المطبوع مع الأم 8/ 68، والحاوي الكبير 5/ 248، والوسيط 2/ 1267، والتهذيب 3/ 267، وروضة الطالبين 3/ 103، والمجموع 8/ 153.
(5)
الهداية، للكلواذاني ل101، والمقنع: 80، والهادي: 68، والمغني 3/ 449 - 450، والمحرر 1/ 247، والشرح الكبير 3/ 452.
(6)
هُوَ أبو سليمان داود بن عَبْد الرحمان العطار المكي: ثقة، توفي سنة (174 هـ).
الجرح والتعديل 3/ 417، والثقات 6/ 286، وتهذيب الكمال 2/ 419 (1756).
(7)
التعديل على الإبهام كما إذا قال المحدّث: حدَّثني الثقة، ونحو ذلك من غير أن يسميه لا يكتفى به في التوثيق كما ذكره الخطيب البغدادي، والفقيه أبو بكر الصيرفي، وأبو نصر بن الصباغ،
=
هشام، عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله)) (1).
قال البيهقي: ((كأن الشافعي - يرحمه الله - أخذه من أبي معاوية الضرير، وقد رواه أبو معاوية موصولاً)) (2).
=
والشاشي، وأبو الطيب الطبري، وأبو إسحاق الشيرازي، والماوردي والروياني، ورجّحه الحافظ العراقي؛ لأنه وإن كان ثقة عنده، فربما لو سمّاه لكان ممن جرحه غيره بجرح قادح، بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع تردداً في القلب.
انظر: الكفاية (155 ت، 92 هـ)، والبحر المحيط 4/ 291، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 346 طبعتنا مَعَ التعليق عليه.
والشافعي رحمه الله يريد في الغالب الأعم: يحيى بن حسان التنيسي، وهو ثقة. تهذيب الكمال 8/ 25. ونقل الحافظ العراقي عن بعض أهل المعرفة بالحديث:((إذا قال الشافعي في كتبه: أخبرنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة، وإذا قال: أخبرنا الثقة، عن الأوزاعي، فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال: اخبرنا الثقة، عن ابن جريج، فهو مسلم بن خالد، وإذا قال: أخبرنا الثقة، عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن أبي يحيى)). شرح التبصرة 1/ 317 - 319، وفي طبعتنا 1/ 348 - 349، وهذا نقله الزركشي في البحر 4/ 292، عن أبي حاتم.
وقيل: أراد بمن يثق به إبراهيم بن إسماعيل وبمن لا يتهم يحيى بن حسان.
وقيل: أراد أحمد بن حنبل.
وَقِيْلَ: سعيد بن سالم القداح.
وقيل: يريد مالكاً.
وقيل: عبد الله بن وهب.
وقيل: الزهري.
وقيل: أراد إسماعيل بن علية، وفي بعضه حماد بن أسامة وفي بعضه عبد العزيز بن محمد، وفي بعضه هشام ابن يوسف الصنعاني.
وانظر: البحر المحيط 4/ 292 - 293، ونكت الزركشي 3/ 362 - 367، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 289، والمقنع 1/ 254، وشرح التبصرة 1/ 315 - 319، وفي طبعتنا 1/ 347 وما بعدها، والنكت الوفية 206/أ، وفتح المغيث 1/ 288، والباعث الحثيث 1/ 290، وجامع التحصيل: 76، والشافي العي 2/أ-ب، وقواعد التحديث: 196، وحاشية الرسالة: 129، وأسباب اختلاف المحدثين 1/ 101 - 105، وتعليقنا على مسند الشافعي (2).
(1)
الأم 2/ 213، وتصدير الشافعي بالحديث المرسل ثم سياقة الحديث موصولاً مبني على مذهبه في تقوى المرسل بالموصول (انظر: مناقب الشافعي، للبيهقي 2/ 31، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 176) ولكن الحال هنا ليس كذلك، فالحديث مداره واحد، وهو هشام ورواية الوصل لا تقوي الرواية المرسلة؛ إذ إنّ المرسلة محفوظة والموصولة شاذة.
(2)
السنن الكبرى 5/ 133.
أقول: لا شك في أن الشافعي إنما أخذه من أبي معاوية، فهو الذي تفرد بوصله هكذا، وقد ذكر العلماء الحمل عليه فيه.
وقد شرح الطحاوي استنباط الشافعي من حديث أبي معاوية فقال: ((فاحتج الشافعي كما حكى لنا المزني عنه بهذا الحديث، وَقَالَ: فيه ما قَدْ دل على أنه صلى الله عليه وسلم قَدْ أباحها أن تنفر من جمعٍ، قبل طلوع الفجر؛ لأنه لا يمكن أن يكون ذلك منها مع موافاتها مكة ضحىً إلا وقد خرجت من جمع قبل طلوع الفجر لبعد ما بين مكة وجمعٍ، وفي ذلك ما قَدْ دل على أنها قَدْ كانت رمت الجمرة قبل طلوع الفجر.
قال أبو جعفر: وهذا قول لم نعلم أحداً من أهل العلم سواه قاله (1)، ولا ذهب إليه، فكلهم على خلافه فيه، وعلى أنه ليس لأحد من الحاج أن يرمي جمرة العقبة في الليل قبل طلوع الفجر، فتأملنا هذا الحديث، فوجدناه إنما دار بهذا المعنى على أبي معاوية. ووجدنا أبا معاوية قَدْ اضطرب فيه
…
)) (2) ثم دلل على ذلك.
ثانياً: ما صح عن عبد الله مولى أسماء
عن أسماء، أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثُمَّ قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منْزلها، فقلت لها: هنتاه (3) ما أرانا إلا قَدْ غَلَّسْنا، قالت: يا بني، إن رسول الله أذن للظعن)) (4)
وقالوا: إن الأحاديث التي فيها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رمى بعد طلوع الشمس محمولة على الاستحباب (5).
(1) هذا تساهل من الطحاوي رحمه الله فقد سبق نقل ذلك عن غير الشافعي.
(2)
شرح مشكل الآثار 9/ 138 - 139.
(3)
أي: يا هذه. فتح الباري 3/ 528.
(4)
أخرجه الإمام أحمد 6/ 347 و 351، والبخاري 2/ 202 (1679)، ومسلم 4/ 77 (1291)(298)، والفاكهي في أخبار مكة (2814)، وابن خزيمة (2884)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 216، والطبراني في الكبير 24/ (269).
والظعن-بضم الظاء المعجمة-جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقاً. الفتح 3/ 528.
(5)
المغني 3/ 443، ونهاية المحتاج 3/ 298، وكشاف القناع 14/ 618.
القول الثاني
أول وقت الرمي في يوم النحر بعد طلوع الفجر من هذا اليوم، فلا يجوز الرمي قبل هذا الوقت والمستحب بعد طلوع الشمس، وذهب إلى هذا القول أبو حنيفة (1)، ومالك (2)، وإسحاق، وابن المنذر (3)، والزيدية (4)، وهو رواية عن أحمد (5).
واحتج أصحاب هذا المذهب بما روي عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم ضعفاء أهله بغلس، ويأمرهم، يعني: لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس (6).
وبما رواه ابن عباس، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد، ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين)) (7).
وقد وفّق أصحاب هذا المذهب بين الحديثين بأن الأول وقت الاستحباب والثاني وقت الجواز (8).
(1) انظر: المبسوط 4/ 21، وبدائع الصنائع 2/ 137، والهداية 1/ 146 - 147، وشرح فتح القدير 2/ 173 - 174، وتبيين الحقائق 2/ 31، ورد المحتار 2/ 515.
(2)
انظر: بداية المجتهد 1/ 256، والقوانين الفقهية: 132، وشرح منح الجليل 8/ 490.
(3)
المغني 3/ 449.
(4)
البحر الزخار 3/ 38 - 339، والسيل الجرار 2/ 203 - 204.
(5)
المغني 3/ 449، والشرح الكبير 3/ 452.
(6)
أخرجه: الحميدي (465)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث 1/ 128 - 129، وابن الجعد (2175)، وأحمد 1/ 234 و 311 و 343، وأبو داود (1940)، وابن ماجه (3025)، والنسائي 5/ 270، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 217، وفي شرح مشكل الآثار (3492)، وابن حبان (2872)، وطبعة الرسالة (3869)، والطبراني في الكبير (12699) و (12701) و (12702) و (12703)، والبيهقي 5/ 131 - 132، والبغوي (1942) و (1943) من طريق سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس به.
قال أبو حاتم: ((وهو منقطع لأن الحسن العرني لم يلق ابن عباس)) المراسيل: 46.
وأخرجه: أبو داود (1941)، والنسائي 5/ 272، وفي الكبرى (4071) من طريق حبيب، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وأخرجه: أحمد 1/ 326 و 344، والترمذي (893)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 217، والطبراني (12078) و (12073) من طريق الحكم، عن موسى، عن ابن عباس، به.
وأخرجه: ابن أبي شيبة (14582) من طريق سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أو عن الحسن، عن ابن عباس على الشك، به.
(7)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 216، وفي شرح المشكل (3503)، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 132.
(8)
بدائع الصنائع 2/ 137.