الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السابع: إذا أورد الرَّاوِي الْحَدِيْث قاصداً الاحتجاج أو الفتوى جاز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى، وإن أورده بقصد الرِّوَايَة لَمْ يَجُزْ لَهُ إلا أداؤه بلفظه، وبه قَالَ ابن حزم (1).
الثامن: جواز الرِّوَايَة بالمعنى للصحابة حصراً، ولا تجوز لغيرهم (2)، وإليه مال القرطبي (3).
التاسع: تجوز الرِّوَايَة بالمعنى للصحابة والتابعين دُوْنَ غيرهم (4). وبه قَالَ أبو بكر الحفيد في كتابه "أدب الرِّوَايَة"(5).
العاشر: تجوز الرِّوَايَة بالمعنى فِيْمَا يوجب العِلْم، ولا تجوز فِيْمَا يوجب العمل، وَهُوَ وجه للشافعية (6).
الحادي عشر: تجوز الرِّوَايَة بالمعنى في الأحاديث الطوال، ولا تجوز في القصار، حكاه بعضهم عن الْقَاضِي عَبْد الوهاب (7) المالكي (8).
الثاني عشر: قَالَ جمهور الْعُلَمَاء من الفقهاء والمحدّثين وأهل الأصول بجواز الرِّوَايَة بالمعنى بشروط وضعوها لِذَلِكَ (9)، وهذا هُوَ القول الراجح - إن شاء الله -.
وبناءً عَلَى ذَلِكَ فإن بَعْض الرُّوَاة قَدْ يسوّغ لنفسه رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى عَلَى وجه يظن أنَّهُ أدى المطلوب مِنْهُ، وَلَكِنْ بمقارنة روايات غَيْره يظهر قصوره في تأدية المعنى.
النموذج الأول: حكم الصَّلَاة عَلَى الجنازة في المسجد
اختلف الفقهاء في حكم الصَّلَاة عَلَى الجنازة في المسجد عَلَى أربعة مذاهب:
الأول: الصَّلَاة عَلَى الميت داخل المسجد الَّذِي تقام فِيْهِ الجماعة مكروهة كراهة
(1) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 86.
(2)
نكت الزركشي 3/ 610.
(3)
البحر المحيط 4/ 359.
(4)
توجيه النظر: 2/ 689.
(5)
نكت الزركشي 3/ 610.
(6)
قواطع الأدلة 1/ 329.
(7)
هُوَ الْقَاضِي شيخ المالكية، أبو مُحَمَّد عَبْد الوهاب بن عَلِيّ بن نصر التغلبي العراقي، لَهُ مصنفات في المذهب المالكي منها:" التلقين " و " الْمَعْرِفَة "، توفي سنة (422 هـ).
المنتظم 8/ 61، وسير اعلام النبلاء 7/ 429 و 432، والعبر 3/ 149.
(8)
البحر المحيط 4/ 361.
(9)
انظرها في: البحر المحيط 4/ 356 - 357، ومنهج النقد في علوم الْحَدِيْث: 227 - 228، ومناهج المحدّثين في رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى: 74 - 76.
تحريم سواء كَانَ الميت والمصلين في المسجد، أو كَانَ الميت خارج المسجد والقوم داخله، أو كَانَ الميت داخل المسجد والقوم خارجه، وبه قَالَ الحنفية (1).
وَقَالَ بَعْض فقهائهم: الكراهة للتنزيه (2).
واستثنى أبو يوسف رحمه الله المسجد الَّذِي بني أصلاً للصلاة عَلَى الجنائز، فَلَا تكره الصَّلَاة فِيْهِ (3).
ولهم رِوَايَة: أن الميت إذا كَانَ خارج المسجد لَمْ تكره، وهذا راجع لاختلافهم في تعيين علة الكراهية، هل هِيَ خوف تلويث المسجد أم أن المساجد وجدت لصلاة المكتوبات (4)؟
فمن قَالَ بالثانية -وهم جمهور فقهاء الحنفية- أبقى الكراهة في كُلّ الأحوال، ومن جعل العلة خوف تلوث المسجد نفى الكراهة، إذا كَانَ الميت خارج المسجد، وعلى هَذَا تُخَرَّج هَذِهِ الرِّوَايَة، وإليه مال في المبسوط (5) والمحيط، قَالَ ابن عابدين (6):((وَعَلَيْهِ العمل وَهُوَ المختار)) (7). وبه قَالَ أيضاً: مالك (8) وابن أبي ذئب (9) والهادوية من الزيدية (10).
الثاني: أن الكراهة للتنزيه، ولا بأس في أن يصلي عَلَى الجنازة من في المسجد إذا كَانَ الميت خارجه بصلاة الإمام، وكذا إذا ضاق خارج المسجد بأهله، وبه قَالَ مالك في المَشْهُوْر عَنْهُ (11).
(1) شرح فتح القدير 1/ 463، وتبيين الحقائق 1/ 242، ورد المحتار 2/ 225، والفتاوى الهندية 1/ 162.
(2)
تبيين الحقائق 1/ 242.
(3)
شرح معاني الآثار 2/ 493، وانظر: حاشية ابن عابدين 1/ 619.
(4)
تبيين الحقائق 1/ 242 - 243، وانظر: شرح فتح القدير 1/ 464.
(5)
المبسوط للسرخسي 2/ 68.
(6)
هُوَ الإِمَام مُحَمَّد أمين بن عمر بن عَبْد العزيز بن عابدين الدمشقي، ولد سنة (1198هـ)، من مصنفاته "رد المحتار عَلَى الدر المختار"و"حاشية عَلَى المطول"و"الرحيق المختوم"، توفي سنة (1252هـ). الأعلام 6/ 42.
(7)
حاشية ابن عابدين 2/ 244 - 245.
(8)
بداية المجتهد 1/ 176.
(9)
هُوَ الإِمَام مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام ين شعبة، أبو الحارث القرشي العامري، توفي سنة (158 هـ)، وَقِيْلَ:(159 هـ).
وفيات الأعيان 4/ 183، وسير أعلام النبلاء 7/ 139 و 148، وتذكرة الحفاظ 1/ 191.
(10)
نيل الأوطار 4/ 68 - 69.
(11)
المدونة 1/ 177، وبداية المجتهد 1/ 234، والقوانين الفقهية: 95، والشرح الصغير 1/ 568،
=
الثالث: تسن الصَّلَاة عَلَى الميت داخل المسجد وَهُوَ الأفضل، إذا أمن تلويثه، فإن خيف حرمت. وبه قَالَ الشافعية (1)، والظاهرية (2).
الرابع: إباحة الصَّلَاة عَلَى الميت في المسجد عِنْدَ أمن المحذور وَهُوَ تلوث المسجد، وبه قَالَ الحنابلة (3)، والإمامية (4)، وَهُوَ رِوَايَة المدنيين عن مالك، وبه قَالَ ابن حبيب (5) المالكي (6).
واستدل أصحاب المذهبين الأولين بِمَا روي من طريق ابن أبي ذئب، عن صالح بن نبهان (7) مولى التوأمة، عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً:((من صلى عَلَى جنازة في المسجد فَلَا شيء لَهُ)).
واختلف عَلَى ابن أبي ذئب في لفظه، فرواه:
أبو داود الطيالسي (8) ومعمر (9) وسفيان الثوري (10) وحفص بن غياث (11) وعلي
ابن الجعد (12)، ومعن (13) بن
=
وانظر: الاستذكار 2/ 570 - 572، والقبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2/ 447.
(1)
الحاوي الكبير 3/ 218، والتهذيب 2/ 433، والمجموع 5/ 213، وروضة الطالبين 2/ 131، وشرح الْقَاضِي زكريا عَلَى المنهج وحاشية الجمل 2/ 184، ومغني المحتاج 1/ 361، ونهاية المحتاج 3/ 25.
(2)
المحلى 5/ 162.
(3)
المقنع: 48، والشرح الكبير 2/ 358، والمحرر 1/ 193.
(4)
من لا يحضره الفقيه 1/ 174.
(5)
هُوَ الإِمَام أبو مروان عَبْد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي، لَهُ تصانيف كثيرة مِنْهَا:" الواضحة " و " فضائل الصَّحَابَة " و " تفسير الموطأ "، ولد في حياة الإِمَام مالك بَعْدَ السبعين ومئة، وتوفي سنة (238 هـ).
تذكرة الحفاظ 2/ 537 و 538، وسير أعلام النبلاء 12/ 102 و 103 و 107، ومرآة الجنان 2/ 91.
(6)
الاستذكار 2/ 571.
(7)
هُوَ صالح بن نبهان المدني، مولى التوأمة: صدوق اختلط بأخرة، توفي سنة (125 هـ).
تهذيب الكمال3/ 438و439 (2828)، وميزان الاعتدال2/ 302 - 304 (3833)، والتقريب (2892).
(8)
في مسنده (2310).
(9)
عِنْدَ عَبْد الرزاق (6579).
(10)
أخرجها عَبْد الرزاق (6579)، وأبو نُعَيْم في الحلية 7/ 93.
(11)
وروايته أخرجها ابن أبي شيبة (11971).
(12)
في الجعديات (2846)، ومن طريقه ابن حبان في المجروحين 1/ 465 (ط السلفي)، والبغوي في شرح السنة (1493)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (696).
(13)
هُوَ أَبُو يَحْيَى المدني القزاز، معن بن عيسى بن يَحْيَى الأشجعي مولاهم: ثقة ثبت، توفي سنة (198هـ).
=