المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم - أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل التمهيديبيان ماهية الاختلاف

- ‌المبحث الأولالاختلاف لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الأولتعريف الاختلاف لغة

- ‌المطلب الثانيتعريف الاختلاف اصطلاحاً

- ‌المبحث الثانيالفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف

- ‌المبحث الثالثأنواع الاختلاف

- ‌المبحث الرابعأسباب الاختلاف

- ‌أولاً. الوهم والخطأ:

- ‌ثانياً. ظروف طارئة

- ‌ثالثاً. الاختلاط:

- ‌رابعاً. ذهاب البصر:

- ‌خامساً. ذهاب الكتب:

- ‌سادساً. عدم الضبط:

- ‌سابعاً. التدليس

- ‌الأول: تدليس الإسناد:

- ‌الثاني: تدليس الشيوخ:

- ‌الثالث: تدليس التسوية

- ‌الرابع: تدليس العطف:

- ‌الخامس: تدليس السكوت:

- ‌السادس: تدليس القطع:

- ‌السابع: تدليس صيغ الأداء:

- ‌ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث:

- ‌أ. ولاية القضاء:

- ‌ب. الاشتغال بالفقه:

- ‌ج. الاشتغال بالعبادة:

- ‌المبحث الخامسمعرفة الاختلاف ودخوله في علم العلل

- ‌المبحث السادسأهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

- ‌المبحث السابعالكشف عن الاختلاف

- ‌أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة

- ‌ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة

- ‌ثالثا. جمع الأبواب

- ‌المبحث الثامنالاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح

- ‌الفصل الأولالاختلاف في السند

- ‌تمهيد

- ‌أ. تعريف السند والإسناد لغة:

- ‌أهمية الإسناد:

- ‌المبحث الأولأثر التدليس في اختلاف الحديث

- ‌أولاً: أقسام التدليس

- ‌ثانياً: حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ

- ‌ثالثاً. حكم الْحَدِيْث المدلس:

- ‌رابعاً. أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث وأثره في اختلاف الفقهاء:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (المقدار الَّذِيْ تدرك بِهِ صلاة الجمعة):

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (نظر الزوج إلى فرج زوجته أو حليلته):

- ‌النموذج الثالث:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم لبس خاتم الفضة للرجال):

- ‌المبحث الثانيأثر التَّفَرُّد في اختلاف الْحَدِيْث، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌الأول: تفرد في الطبقات المتقدمة:

- ‌الثاني: التفرد في الطبقات المتأخرة

- ‌الأول: الفرد المطلق:

- ‌الثاني: الفرد النسبي:

- ‌النموذج الأول:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان)

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (الجمع بَيْنَ الصلاتين)

- ‌نموذج آخر للتفرد:

- ‌أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء (حكم المسح عَلَى الجوربين)

- ‌الفصل الثانيالاختلاف في الْمَتْن

- ‌المبحث الأولرِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى

- ‌النموذج الأول: حكم الصَّلَاة عَلَى الجنازة في المسجد

- ‌النموذج الثاني:

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم المسبوق في الصَّلَاة):

- ‌النموذج الثالث

- ‌أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثانيمخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:حكم القضاء باليمين مَعَ الشاهد

- ‌المبحث الثالثمخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ

- ‌النموذج الأول:مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة:

- ‌المبحث الرابعمخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله

- ‌النموذج الأول:اشتراط الولي في النكاح

- ‌النموذج الثاني:طهارة الإناء من ولوغ الكلب

- ‌المبحث الخامسمخالفة الْحَدِيْث للقياس

- ‌النموذج الأول: الانتفاع بالعين المرهونة

- ‌النموذج الثاني: رد الشاة المصراة

- ‌المبحث السادسمخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة

- ‌النموذج الأول: خيار المجلس

- ‌المبحث السابعمخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة في الفقه الإسلامي

- ‌أثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاءحكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان

- ‌المبحث الثامناختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار

- ‌المبحث التاسعورود حَدِيْث الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى

- ‌النموذج الأول: نقض الوضوء بمس الذكر

- ‌الفصل الثَّالِث: الاختلاف في السَّنَد والمتن

- ‌المبحث الأولالاضطراب

- ‌المطلب الأولتعريف المضطرب لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثَّانِيشرط الاضطراب

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المطلب الثَّالِثحُكْمُ الحَدِيْثِ الْمُضْطَرِبِ

- ‌المطلب الرابعأين يقع الاضطراب

- ‌القسم الأولالاضطراب في السَّنَد

- ‌النَّوع الأول: تعارض الوَصْل والإرسال

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (مَوْضِع سجود السهو)

- ‌النَّوع الثَّانِي: تعارض الوقف والرفع

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال)

- ‌نموذج آخر: وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب)

- ‌النوع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (حكم من أفطر في صيام التطوع)

- ‌النوع الرابعأن يروي الحديث قوم - مثلاً - عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهمعن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه

- ‌النوع الخامس: زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (مقدار التعزير)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النوع السادس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المسألة الأولى: إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر

- ‌المسألة الثانية: إيجاب صدقة الفطر على الفقير والغني

- ‌القسم الثانيالاضطراب في المتن

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌النموذج الثَّانِي

- ‌أثر حَدِيثي عَمَّار في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌المسألة الأولى: عدد ضربات التيمم

- ‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم

- ‌النموذج الآخر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم الشك في عدد ركعات الصَّلَاة

- ‌المبحث الثاني: الاختلاف في الزيادات

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريفها

- ‌المطلب الثَّانِي: أقسام زيادة الثِّقَة

- ‌المطلب الثَّالِث: حكم زيادة الثقة

- ‌نماذج من زيادة الثِّقَة، وأثرها في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌النموذج الأول

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم دفع صدقة الفطر عن الكافر

- ‌أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

- ‌‌‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الأولى: رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الثانية: هَلْ ترفع اليدان في مَوْضِع آخر، وَهُوَ عِنْدَ القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: رفع اليدين عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ

- ‌المسألة الرابعة: إلى أين ترفع اليدان

- ‌أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاءحكم التسمية في ابتداء الوضوء

- ‌أثر زيادة حماد في اختلاف الفقهاءهل يشترط لسجود السهو تكبيرة التحريم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء (اختلاف نية المأموم مع الإمام)

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: حكم بيع الكلب المعلم

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: كيفية الإقامة

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (موضع اليدين عند القيام في الصَّلَاة)

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (كيف تصلى نافلة النهار)

- ‌المبحث الثالثاختلاف الثقة مع الثقات، وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر رِوَايَة معمر في اختلاف الفقهاء (أكل المحرم من لحم الصيد)

- ‌المبحث الرابعاختلاف الضعيف مع الثقات وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم المسافر)

- ‌المبحث الخامس: الإدراج، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء (حكم التشهد والسلام)

- ‌النوع الثاني: أن يقع الإدراج في السند دون الْمَتْن

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌القسم الخامس:

- ‌المطلب الثالثأسباب وقوع الإدراج

- ‌المطلب الرابعطرق الكشف عن الإدراج

- ‌المطلب الخامس: حكم الإدراج

- ‌المبحث السادسالاختلاف بسبب خطأ الراوي

- ‌أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث السابع: المقلوب، وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: أنواعه

- ‌النوع الأول: القلب في المتن

- ‌الأول: أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير:

- ‌الثاني: أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ

- ‌ الثالث: أن يقع في الإسناد والمتن معاً

- ‌المطلب الثالثأسباب القلب

- ‌أثر القلب في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثامنالاختلاف بسبب التصحيف والتحريف

- ‌أقسام التصحيف

- ‌القسم الأول: التصحيف في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: التصحيف في الْمَتْن:

- ‌القسم الثالث: تصحيف البصر:

- ‌القسم الرابع: تصحيف السمع:

- ‌القسم الخامس: تصحيف اللفظ

- ‌القسم السادس: تصحيف المعنى دون اللفظ:

- ‌الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

- ‌ثبت المراجع

الفصل: ‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم

وغيرهما)) (1). وَكَذَلِكَ قَالَ الحَاكِم (2)، ومن قبلهم جميعاً أبو زرعة الرَّازِيّ (3).

وحديث عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: ((لما نزلت آية التيمم ضرب رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم بيده عَلَى الأرض فمسح بِهَا وجهه، وضرب بيده الأخرى ضربة فمسح بِهَا كفيه)).

أخرجه البزار (4)، وابن عدي (5) من حَدِيث الحريش بن الخريت، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة، بِهِ.

أقول: قَدْ تفرد بِهِ الحريش نَصَّ عَلَيْهِ البزار (6)، والحريش ضَعِيْف قَالَ الهيثمي (7):((رَواهُ البزار، وفيه الحريش بن الخريت ضعفه أبو حاتم، وأبو زرعة، والبُخَارِيّ)) (8). وهذه الأحاديث ضعّفها ابن المنذر فَقَالَ: ((أما الأخبار الثَّلاثَة الَّتِي احتج بِهَا من رأى أن التيمم ضربتين (9) ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فمعلولة كلها، لا يجوز أن يحتج بشيءٍ مِنْها)) (10).

‌المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم

اختلف الفُقَهَاء في المقدار الواجب مسحه في فرض التيمم عَلَى أقوال:

القَوْل الأول: يَجِبُ مسح اليدين إلى الإبطين، وَهُوَ مَذْهَب الإمام الزُّهْرِيّ (11)، وحجته: حَدِيث عَمَّار الأول السابق الذكر: ((تيممنا مَع رَسُوْل الله فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب)).

(1) سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 180.

(2)

المستدرك 1/ 179.

(3)

علل الحَدِيْث لابن أَبِي حاتم 1/ 54 (136).

(4)

كشف الأستار 1/ 159 (313).

(5)

في الكامل 3/ 376.

(6)

كشف الأستار 1/ 159.

(7)

هُوَ عَلِيّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، أبو الحسن المصري، صاحب التصانيف الكثيرة مِنْهَا " المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي " و " زوائد ابن ماجه عَلَى الكتب الخمسة "، توفي سنة (807 هـ).

الضوء اللامع 5/ 200، والأعلام 4/ 266 - 267.

(8)

مجمع الزوائد 1/ 263، وانظر في ترجمة الحريش، التاريخ الكبير للبخاري 3/ 114، والجرح والتعديل 3/ 293 الترجمة (1304). وتاريخ يَحْيَى برواية الدوري 2/ 106، وتهذيب الكمال 2/ 93 ترجمة (1162).

(9)

هكذا في الأصل.

(10)

الأوسط 2/ 53.

(11)

المحلى 2/ 153.

ص: 311

وَقَدْ أجاب ابن حزم عَلَى هَذَا الاستدلال بقوله: ((هَذَا أثر صَحِيْح إلا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَص ببيان أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم أمر بِذَلِكَ، فيكون ذَلِكَ حكم التيمم وفرضه، وَلَا نَص بيان بأنه عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فأقره، فيكون ذَلِكَ ندباً مستحباً)) (1).

ويجاب عَلَى قَوْل ابن حزم بأن الحَدِيْث ورد فِيهِ: ((مَعَ رَسُوْل الله)) فهذا يدل عَلَى أَنَّهُ حصل بعلم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومثل هَذَا يعدُّ من قبيل المَرْفُوْع، قَالَ ابن الصَّلاح:((قَوْل الصَّحَابيّ: ((كنا نفعل كَذَا أو كنا نقول كَذَا)) إن لَمْ يضفه إلى زمان رَسُوْل الله فَهُوَ من قبيل المَوْقُوْف، وإن أضافه إلى زمان رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، فالذي قطع بِهِ أبو عَبْد الله بن البيع (2) الحافظ، وغيره من أهل الحَدِيْث وغيرهم أن ذَلِكَ من قبيل المَرْفُوْع)) (3).

لَكِنْ سبق القَوْل عن الحَدِيْث بأن بعضهم أعله بالاضطراب، وبعضهم جعله من اجتهاد عَمَّار قَبْلَ نزول آية التيمم، والله أعلم.

القَوْل الثَّانِي: ذهب الحنفية إلى أن الواجب في التيمم المسح إلى المرفقين (4)، واحتجوا بأحاديث جابر وعائشة رضي الله عنهم وابن عُمَر، وَقَدْ سبق النقل في تضعيفها، وبيان عللها، واحتجوا كَذلِكَ. بحديث الربيع بن بدر، عن أبيه، عن جده، عن الأسلع (5)، قَالَ: أراني كَيْفَ علّمه رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم التيمم، فضرب بكفيه الأرض، ثُمَّ نفضهما، ثُمَّ مسح بِهما وجهه، ثُمَّ أَمَرَّ عَلَى لحيته، ثُمَّ أعادهُما إلى الأرض فمسح بهما الأرض، ثُمَّ دلك إحداهما بالأخرى، ثُمَّ مسح ذراعيه ظاهرهِما وباطنهما))،هَذَا لفظ إِبْرَاهِيم الحربي، وقَالَ يَحْيَى بن إسحاق (6) في حديثه: فأراني رَسُوْل الله كَيْفَ أمسح فمسحت، قَالَ:

(1) المحلى 2/ 153.

(2)

بفتح الباء وكسر الياء المشددة، بعدها عين مُهْمَلَة. ويقال لَهُ أيضاً: ابن البَيَّاع، وهذه اللفظة تقال لِمَنْ يتولى البياعة والتوسط في الخانات بَيْنَ البائع والمشتري من التجار للأمتعة، انظر: الأنساب 1/ 448، ووفيات الأعيان 4/ 281، وسير أعلام النبلاء 17/ 163، وتاج العروس 25/ 368. وقول الحَاكِم في كِتَابَه:((مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث: 22)).

(3)

مَعْرِفَة أنواع علوم الحَدِيْث:43، وطبعتنا 120. وقول الحافظ ابن الصَّلاح شرحه شرحاً بديعاً الزَّرْكَشِيّ في نكته 1/ 421 - 423، وانظر التقييد والايضاح: 66، ونكت ابن حجر 2/ 515.

(4)

المبسوط 1/ 106، وتبيين الحقائق 1/ 38، وبدائع الصنائع 1/ 46، والهداية 1/ 25، وشرح فتح القدير 1/ 86.

(5)

هُوَ: الأسلع بن شريك بن عوف الأعوجي التميمي، خادم رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب راحلته نزل البصرة. أسد الغابة 1/ 74، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 15 (188).

(6)

يَحْيَى بن إسحاق البجلي، أبو زكريا، ويقال: أبو بكر السيلحيني، ويقال: السيلخوني: صدوق، توفي سنة (210هـ). تهذيب الكمال 8/ 8 (7376)، والكاشف 2/ 361 (6127)، والتقريب (7499).

ص: 312

فضرب بكفيه الأرض، ثُمَّ رفعهما لوجهه، ثُمَّ ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه باطنهما وظاهرهُما، حَتَّى مس بيديه المرفقين)). أخرجه الطبراني (1)، والدَّارَقُطْنِيّ (2)، والبيهقي (3).

قَالَ الهيثمي: ((فِيهِ الربيع بن بدر، وَقَدْ أجمعوا عَلَى ضعفه)) (4).

قَالَ البَيْهَقِيّ: ((الربيع بن بدر ضَعِيْف إلا أَنَّهُ غَيْر مُنْفَرِد بِهِ)) (5).

وَقَدْ ردَّ عَلَيْهِ ابن دقيق العيد، فَقَالَ:((قَوْل البَيْهَقِيّ: إنه لَمْ ينفرد بِهِ، لا يكفي في الاحتجاج حَتَّى ينظر مرتبته، ومرتبة مشاركه، فليس كُلّ من يوافق مَعَ غيره في الرِّوَايَة يَكُون موجباً للقوة والاحتجاج)) (6).

واحتجوا كَذلِكَ بحديث أبي أمامة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين))، قَالَ الهيثمي:((رَواهُ الطبراني في الكبير، وفيه جَعْفَر بن الزُّبَيْر (7) قَالَ شُعْبَة فِيهِ: وضع أربع مئة حَدِيث)) (8).

وَقَد احتجوا بالقياس قَالَ السرخسي: ((التيمم بدل عن الوضوء، ثُمَّ الوضوء في اليدين إلى المرفقين؛ فالتيمم كَذلِكَ، وتقريره: أَنَّهُ سقط في التيمم عضوان أصلاً، وبقي عضوان، فيكون التيمم فِيْهَا كالوضوء في الكل، كَمَا أن الصَّلَاة في السفر سقط مِنْهُ ركعتان كَانَ الباقي مِنْها بصفة الكمال؛ ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم)) (9).

(1) المعجم الكبير (876).

(2)

سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 179.

(3)

السُّنَن الكبرى 1/ 208.

(4)

مجمع الزوائد 1/ 262، وانظر في ترجمة الربيع: التأريخ الكبير 3/ 279، والكامل 4/ 29، والكاشف 1/ 391 (1525).

(5)

السُّنَن الكبرى 1/ 208.

(6)

نصب الراية 1/ 153، وَهُوَ تحقيق جيد، وانظر: أثر علل الحَدِيْث:34 فما بعدها.

(7)

هُوَ جعفر بن الزبير الحنفي، وَقِيْلَ: الباهلي الدمشقي، نزيل البصرة: متروك الحديث، وَكَانَ صالحاً في نفسه.

الضعفاء الكبير 1/ 182، وتهذيب الكمال 1/ 460 (923)، والتقريب (939).

(8)

مجمع الزوائد 1/ 262، وَقَدْ رجعت إلى معجم الطبراني الكبير (7959) فوجدته من حَدِيث جَعْفَر بن الزُّبَيْر، عن القاسم، عن أبي أمامه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين)). فلعل مَا في معجم الطبراني تحريف إذ إَنَّهُ حجة عَلَى الحنفية لا لَهُمْ، وَقَدْ سبق النقل عن السرخسي بأنه حجة لَهُمْ ثُمَّ إن ابن حزم قَدْ ساق سند الحَدِيْث في المحلى 2/ 148 وقدم لفظه قَبْلَ صفحة وَهُوَ ((التيمم ضربتان، ضربة للوجه وأخرى للذراعين))، وأعله بالقاسم وبالإرسال، وغفل عن علته الحقيقية.

(9)

المبسوط 1/ 107.

ص: 313

أما الشافعية: فَقَدْ ذهبوا أيضاً إِلَى أن المسح إِلَى المرفقين، وإِلَى دخول المرفقين في التيمم (1). استدلالاً بقوله تَعَالَى:((وأيديكم مِنْهُ)) (2) فقالوا: إطلاق اسم اليد يتناول المنكب فدخل الذراع في عموم الاسم، ثُمَّ اقتصر في التيمم عَلَى تقييده بالوضوء بِهِ. وأخرج الشَّافِعيّ من حَدِيث الأعرج عن ابن الصِّمَّة (3)، قَالَ: إن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه (4).

إلا أن الحَدِيْث معلول بالانقطاع؛ لأن الأعرج (5) لَمْ يَسْمَع من ابن الصِّمَّة (6) ونقل أَبُو ثور، والزعفراني (7)، عن الإِمَام الشَّافِعيّ في القديم أَنَّهُ قَالَ: إِلَى الكوعين. وَقَدْ ردّ النووي هَذَا النقل (8).

القَوْل الثَّالِث: إن مسح اليدين إلى الرسغ روي هَذَا عن عَلِيّ رضي الله عنه (9)، وَهُوَ مَذْهَب الإمام أحمد (10)، والزيدية (11)، والظاهرية (12). ودليلهم هُوَ أن مسح الكفين إلى الرسغ هُوَ أقل مَا يقع عَلَيْهِ اسم اليدين، واستدلوا أيضاً بحديث عَمَّار الثَّانِي.

(1) انظر: الأم 1/ 49، والحاوي 1/ 285، والوسيط 1/ 532، والتهذيب 1/ 363، وروضة الطالبين 1/ 112، والمجموع 2/ 210.

(2)

المائدة: 6.

(3)

هُوَ أبو الجهيم، ويقال: أبو الجهم بن الحارث بن الصمة بن عَمْرو الأنصاري وَقِيْلَ اسمه: الحارث بن الصمة: صَحَابِيّ معروف، بقي إِلَى آخر خلافة معاوية رضي الله عنه.

أسد الغابة 5/ 163، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/ 156 (1819)، والإصابة 4/ 36.

(4)

الأم 1/ 48، ومن طريقة البَيْهَقِيّ في السُّنَن الكبرى 1/ 205.

(5)

هُوَ أبو داود عَبْد الرَّحْمَان بن هرمز الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث: ثقة ثبت عالم، توفي سنة (117 هـ).

الثقات 5/ 107، والكاشف 1/ 647 (3335)، والتقريب (4033).

(6)

تهذيب الكمال 4/ 485.

(7)

هُوَ الإِمَام أبو عَلِيّ الحسن بن مُحَمَّد بن الصباح البغدادي الزعفراني، قرأ عَلَى الشَّافِعِيّ كتابه القديم، توفي سنة (249 هـ)، وَقِيْلَ:(260 هـ).

اللباب 2/ 69، ووفيات الأعيان 2/ 73 - 74، وسير أعلام النبلاء 12/ 262.

(8)

المجموع 2/ 210، وانظر الحاوي 1/ 285 والتعليق عَلَيْهِ.

(9)

مصنف عَبْد الرزاق (824)، وَفِي الأوسط لابن المنذر 2/ 50، ويراجع الحاوي الكبير 1/ 285 لذكر الروايات عن الصَّحَابَة والتابعين في هَذَا المذهب.

(10)

مسائل عَبْد الله 1/ 138، ومسائل ابن هانئ 1/ 11، والهداية: الورقة 10، والمغني 1/ 258 - 259، والمحرر 1/ 21، والإنصاف 1/ 301.

(11)

السيل الجرار 1/ 134.

(12)

المحلى 2/ 154.

ص: 314