الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهما)) (1). وَكَذَلِكَ قَالَ الحَاكِم (2)، ومن قبلهم جميعاً أبو زرعة الرَّازِيّ (3).
وحديث عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: ((لما نزلت آية التيمم ضرب رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم بيده عَلَى الأرض فمسح بِهَا وجهه، وضرب بيده الأخرى ضربة فمسح بِهَا كفيه)).
أخرجه البزار (4)، وابن عدي (5) من حَدِيث الحريش بن الخريت، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة، بِهِ.
أقول: قَدْ تفرد بِهِ الحريش نَصَّ عَلَيْهِ البزار (6)، والحريش ضَعِيْف قَالَ الهيثمي (7):((رَواهُ البزار، وفيه الحريش بن الخريت ضعفه أبو حاتم، وأبو زرعة، والبُخَارِيّ)) (8). وهذه الأحاديث ضعّفها ابن المنذر فَقَالَ: ((أما الأخبار الثَّلاثَة الَّتِي احتج بِهَا من رأى أن التيمم ضربتين (9) ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فمعلولة كلها، لا يجوز أن يحتج بشيءٍ مِنْها)) (10).
المسألة الثانية: المقدار الواجب مسحه في التيمم
اختلف الفُقَهَاء في المقدار الواجب مسحه في فرض التيمم عَلَى أقوال:
القَوْل الأول: يَجِبُ مسح اليدين إلى الإبطين، وَهُوَ مَذْهَب الإمام الزُّهْرِيّ (11)، وحجته: حَدِيث عَمَّار الأول السابق الذكر: ((تيممنا مَع رَسُوْل الله فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب)).
(1) سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 180.
(2)
المستدرك 1/ 179.
(3)
علل الحَدِيْث لابن أَبِي حاتم 1/ 54 (136).
(4)
كشف الأستار 1/ 159 (313).
(5)
في الكامل 3/ 376.
(6)
كشف الأستار 1/ 159.
(7)
هُوَ عَلِيّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، أبو الحسن المصري، صاحب التصانيف الكثيرة مِنْهَا " المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي " و " زوائد ابن ماجه عَلَى الكتب الخمسة "، توفي سنة (807 هـ).
الضوء اللامع 5/ 200، والأعلام 4/ 266 - 267.
(8)
مجمع الزوائد 1/ 263، وانظر في ترجمة الحريش، التاريخ الكبير للبخاري 3/ 114، والجرح والتعديل 3/ 293 الترجمة (1304). وتاريخ يَحْيَى برواية الدوري 2/ 106، وتهذيب الكمال 2/ 93 ترجمة (1162).
(9)
هكذا في الأصل.
(10)
الأوسط 2/ 53.
(11)
المحلى 2/ 153.
وَقَدْ أجاب ابن حزم عَلَى هَذَا الاستدلال بقوله: ((هَذَا أثر صَحِيْح إلا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَص ببيان أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم أمر بِذَلِكَ، فيكون ذَلِكَ حكم التيمم وفرضه، وَلَا نَص بيان بأنه عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فأقره، فيكون ذَلِكَ ندباً مستحباً)) (1).
ويجاب عَلَى قَوْل ابن حزم بأن الحَدِيْث ورد فِيهِ: ((مَعَ رَسُوْل الله)) فهذا يدل عَلَى أَنَّهُ حصل بعلم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومثل هَذَا يعدُّ من قبيل المَرْفُوْع، قَالَ ابن الصَّلاح:((قَوْل الصَّحَابيّ: ((كنا نفعل كَذَا أو كنا نقول كَذَا)) إن لَمْ يضفه إلى زمان رَسُوْل الله فَهُوَ من قبيل المَوْقُوْف، وإن أضافه إلى زمان رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، فالذي قطع بِهِ أبو عَبْد الله بن البيع (2) الحافظ، وغيره من أهل الحَدِيْث وغيرهم أن ذَلِكَ من قبيل المَرْفُوْع)) (3).
لَكِنْ سبق القَوْل عن الحَدِيْث بأن بعضهم أعله بالاضطراب، وبعضهم جعله من اجتهاد عَمَّار قَبْلَ نزول آية التيمم، والله أعلم.
القَوْل الثَّانِي: ذهب الحنفية إلى أن الواجب في التيمم المسح إلى المرفقين (4)، واحتجوا بأحاديث جابر وعائشة رضي الله عنهم وابن عُمَر، وَقَدْ سبق النقل في تضعيفها، وبيان عللها، واحتجوا كَذلِكَ. بحديث الربيع بن بدر، عن أبيه، عن جده، عن الأسلع (5)، قَالَ: أراني كَيْفَ علّمه رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم التيمم، فضرب بكفيه الأرض، ثُمَّ نفضهما، ثُمَّ مسح بِهما وجهه، ثُمَّ أَمَرَّ عَلَى لحيته، ثُمَّ أعادهُما إلى الأرض فمسح بهما الأرض، ثُمَّ دلك إحداهما بالأخرى، ثُمَّ مسح ذراعيه ظاهرهِما وباطنهما))،هَذَا لفظ إِبْرَاهِيم الحربي، وقَالَ يَحْيَى بن إسحاق (6) في حديثه: فأراني رَسُوْل الله كَيْفَ أمسح فمسحت، قَالَ:
(1) المحلى 2/ 153.
(2)
بفتح الباء وكسر الياء المشددة، بعدها عين مُهْمَلَة. ويقال لَهُ أيضاً: ابن البَيَّاع، وهذه اللفظة تقال لِمَنْ يتولى البياعة والتوسط في الخانات بَيْنَ البائع والمشتري من التجار للأمتعة، انظر: الأنساب 1/ 448، ووفيات الأعيان 4/ 281، وسير أعلام النبلاء 17/ 163، وتاج العروس 25/ 368. وقول الحَاكِم في كِتَابَه:((مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث: 22)).
(3)
مَعْرِفَة أنواع علوم الحَدِيْث:43، وطبعتنا 120. وقول الحافظ ابن الصَّلاح شرحه شرحاً بديعاً الزَّرْكَشِيّ في نكته 1/ 421 - 423، وانظر التقييد والايضاح: 66، ونكت ابن حجر 2/ 515.
(4)
المبسوط 1/ 106، وتبيين الحقائق 1/ 38، وبدائع الصنائع 1/ 46، والهداية 1/ 25، وشرح فتح القدير 1/ 86.
(5)
هُوَ: الأسلع بن شريك بن عوف الأعوجي التميمي، خادم رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب راحلته نزل البصرة. أسد الغابة 1/ 74، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/ 15 (188).
(6)
يَحْيَى بن إسحاق البجلي، أبو زكريا، ويقال: أبو بكر السيلحيني، ويقال: السيلخوني: صدوق، توفي سنة (210هـ). تهذيب الكمال 8/ 8 (7376)، والكاشف 2/ 361 (6127)، والتقريب (7499).
فضرب بكفيه الأرض، ثُمَّ رفعهما لوجهه، ثُمَّ ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه باطنهما وظاهرهُما، حَتَّى مس بيديه المرفقين)). أخرجه الطبراني (1)، والدَّارَقُطْنِيّ (2)، والبيهقي (3).
قَالَ الهيثمي: ((فِيهِ الربيع بن بدر، وَقَدْ أجمعوا عَلَى ضعفه)) (4).
قَالَ البَيْهَقِيّ: ((الربيع بن بدر ضَعِيْف إلا أَنَّهُ غَيْر مُنْفَرِد بِهِ)) (5).
وَقَدْ ردَّ عَلَيْهِ ابن دقيق العيد، فَقَالَ:((قَوْل البَيْهَقِيّ: إنه لَمْ ينفرد بِهِ، لا يكفي في الاحتجاج حَتَّى ينظر مرتبته، ومرتبة مشاركه، فليس كُلّ من يوافق مَعَ غيره في الرِّوَايَة يَكُون موجباً للقوة والاحتجاج)) (6).
واحتجوا كَذلِكَ بحديث أبي أمامة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين))، قَالَ الهيثمي:((رَواهُ الطبراني في الكبير، وفيه جَعْفَر بن الزُّبَيْر (7) قَالَ شُعْبَة فِيهِ: وضع أربع مئة حَدِيث)) (8).
وَقَد احتجوا بالقياس قَالَ السرخسي: ((التيمم بدل عن الوضوء، ثُمَّ الوضوء في اليدين إلى المرفقين؛ فالتيمم كَذلِكَ، وتقريره: أَنَّهُ سقط في التيمم عضوان أصلاً، وبقي عضوان، فيكون التيمم فِيْهَا كالوضوء في الكل، كَمَا أن الصَّلَاة في السفر سقط مِنْهُ ركعتان كَانَ الباقي مِنْها بصفة الكمال؛ ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم)) (9).
(1) المعجم الكبير (876).
(2)
سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ 1/ 179.
(3)
السُّنَن الكبرى 1/ 208.
(4)
مجمع الزوائد 1/ 262، وانظر في ترجمة الربيع: التأريخ الكبير 3/ 279، والكامل 4/ 29، والكاشف 1/ 391 (1525).
(5)
السُّنَن الكبرى 1/ 208.
(6)
نصب الراية 1/ 153، وَهُوَ تحقيق جيد، وانظر: أثر علل الحَدِيْث:34 فما بعدها.
(7)
هُوَ جعفر بن الزبير الحنفي، وَقِيْلَ: الباهلي الدمشقي، نزيل البصرة: متروك الحديث، وَكَانَ صالحاً في نفسه.
الضعفاء الكبير 1/ 182، وتهذيب الكمال 1/ 460 (923)، والتقريب (939).
(8)
مجمع الزوائد 1/ 262، وَقَدْ رجعت إلى معجم الطبراني الكبير (7959) فوجدته من حَدِيث جَعْفَر بن الزُّبَيْر، عن القاسم، عن أبي أمامه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين)). فلعل مَا في معجم الطبراني تحريف إذ إَنَّهُ حجة عَلَى الحنفية لا لَهُمْ، وَقَدْ سبق النقل عن السرخسي بأنه حجة لَهُمْ ثُمَّ إن ابن حزم قَدْ ساق سند الحَدِيْث في المحلى 2/ 148 وقدم لفظه قَبْلَ صفحة وَهُوَ ((التيمم ضربتان، ضربة للوجه وأخرى للذراعين))، وأعله بالقاسم وبالإرسال، وغفل عن علته الحقيقية.
(9)
المبسوط 1/ 107.
أما الشافعية: فَقَدْ ذهبوا أيضاً إِلَى أن المسح إِلَى المرفقين، وإِلَى دخول المرفقين في التيمم (1). استدلالاً بقوله تَعَالَى:((وأيديكم مِنْهُ)) (2) فقالوا: إطلاق اسم اليد يتناول المنكب فدخل الذراع في عموم الاسم، ثُمَّ اقتصر في التيمم عَلَى تقييده بالوضوء بِهِ. وأخرج الشَّافِعيّ من حَدِيث الأعرج عن ابن الصِّمَّة (3)، قَالَ: إن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه (4).
إلا أن الحَدِيْث معلول بالانقطاع؛ لأن الأعرج (5) لَمْ يَسْمَع من ابن الصِّمَّة (6) ونقل أَبُو ثور، والزعفراني (7)، عن الإِمَام الشَّافِعيّ في القديم أَنَّهُ قَالَ: إِلَى الكوعين. وَقَدْ ردّ النووي هَذَا النقل (8).
القَوْل الثَّالِث: إن مسح اليدين إلى الرسغ روي هَذَا عن عَلِيّ رضي الله عنه (9)، وَهُوَ مَذْهَب الإمام أحمد (10)، والزيدية (11)، والظاهرية (12). ودليلهم هُوَ أن مسح الكفين إلى الرسغ هُوَ أقل مَا يقع عَلَيْهِ اسم اليدين، واستدلوا أيضاً بحديث عَمَّار الثَّانِي.
(1) انظر: الأم 1/ 49، والحاوي 1/ 285، والوسيط 1/ 532، والتهذيب 1/ 363، وروضة الطالبين 1/ 112، والمجموع 2/ 210.
(2)
المائدة: 6.
(3)
هُوَ أبو الجهيم، ويقال: أبو الجهم بن الحارث بن الصمة بن عَمْرو الأنصاري وَقِيْلَ اسمه: الحارث بن الصمة: صَحَابِيّ معروف، بقي إِلَى آخر خلافة معاوية رضي الله عنه.
أسد الغابة 5/ 163، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/ 156 (1819)، والإصابة 4/ 36.
(4)
الأم 1/ 48، ومن طريقة البَيْهَقِيّ في السُّنَن الكبرى 1/ 205.
(5)
هُوَ أبو داود عَبْد الرَّحْمَان بن هرمز الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث: ثقة ثبت عالم، توفي سنة (117 هـ).
الثقات 5/ 107، والكاشف 1/ 647 (3335)، والتقريب (4033).
(6)
تهذيب الكمال 4/ 485.
(7)
هُوَ الإِمَام أبو عَلِيّ الحسن بن مُحَمَّد بن الصباح البغدادي الزعفراني، قرأ عَلَى الشَّافِعِيّ كتابه القديم، توفي سنة (249 هـ)، وَقِيْلَ:(260 هـ).
اللباب 2/ 69، ووفيات الأعيان 2/ 73 - 74، وسير أعلام النبلاء 12/ 262.
(8)
المجموع 2/ 210، وانظر الحاوي 1/ 285 والتعليق عَلَيْهِ.
(9)
مصنف عَبْد الرزاق (824)، وَفِي الأوسط لابن المنذر 2/ 50، ويراجع الحاوي الكبير 1/ 285 لذكر الروايات عن الصَّحَابَة والتابعين في هَذَا المذهب.
(10)
مسائل عَبْد الله 1/ 138، ومسائل ابن هانئ 1/ 11، والهداية: الورقة 10، والمغني 1/ 258 - 259، والمحرر 1/ 21، والإنصاف 1/ 301.
(11)
السيل الجرار 1/ 134.
(12)
المحلى 2/ 154.