الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دسائس إبليس، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} 1، والآيات والأحاديث كثيرة توضح للمؤمنين منهج مقاومة إبليس، والتغلب عليه، والنجاة من دهائه، وحقده
…
إنه عدو لئيم لآدم، وللإنسانية كلها.
1 سورة الأعراف الآيات:200، 201.
"
النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة
"
أسكن الله آدم وحواء الجنة، وأباح لهما التمتع بخيراتها، وثمرها حيثما شاءا، وكيفما شاءا، وحدد لهما شجرة منعهما من الأكل منها بصورة قاطعة واضحة، قال الله تعالى:{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} 1.
فتعينت الشجرة بأل المفيدة للعهد، وباسم الإشارة منعا للجهالة، وقطعا للمعذرة عن الخطأ.
ويلاحظ أن الله تعالى علق النهي بالقرب من الشجرة، مع أن المقصود هو النهي عن الأكل منها؛ ليعلم آدم أن القرب من الشجرة مقدمة للأكل منها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والبعيد عن العين بعيد عن القلب، والقرب من مصدر الخطأ ينسي الصواب، ويلهي القلب، والمؤمن الجادّ يبتعد دائما عن الخطأ ودواعيه.
واستقر آدم وزوجته في الجنة، إلا أن عدوهما إبليس لم يرتض هذا الخير لهما،
1 سورة الأعراف آية: 19.
فتحايل حتى دخل الجنة1، وأخذ في تنفيذ مهمته، وتحقيق غاياته، بوسائل خبيثة، فأكثر من لقائه بآدم حتى أنس إليه، وأكثر من التحدث معه حتى تصوره عاقلا أمينا، ثم أخذ يوسوس لهما بإلقاء حب الشجرة في قلوبهما، وتزيين الأكل منها بصورة مستترة مكررة، والوسوسة الإبليسية يدركها المسلم في حديث نفسه الخفي، وهي تأمره بمعصية، أو تنهاه عن طاعة، إنه حديث يتكرر، وكلما صرفه العقل عاد
…
هذا الوسواس لجأ إليه إبليس مع آدم -أولا- لكن آدم لم يخضع له، ولم يستمع لوساوسه، واستمر في بعده عن الأكل من الشجرة.
فلجأ -ثانيا- إلى إيقاظ شهوة النفس الكامنة في غريزة حب الخلود، وغريزة الملك، وقال:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} 2، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} 3.
فهم آدم وزوجه من كلام إبليس أن الآكل من الشجرة يجعلهم ملوكا خالدين، وبالرغم من رغبتهما في هذه الأماني إلا أنهما رفضا الأكل من الشجرة طاعة لله تعالى
1 قيل: إن إبليس دخل الجنة متخفيا في بطن حية، وقيل: إنه لم يدخل، وإنما اتصل بآدم بواسطة قوته التي جعلها الله له، وقيل: حدثهما لقرب كل منهم من باب الجنة، وقيل: كانت الجنة بعض جنات الأرض، وهذه أقوال فصّلها الرازي في تفسيره، والله أعلم.
2 سورة طه آية: 120.
3 سورة الأعراف آية: 20.
فلجأ -ثالثا- إلى اليمين، قال تعالى:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} 1، وضمن يمينه بمؤكدات تبين صدقه في النصح، وأمانته في الحديث، قال قتادة:"حلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما"2، وتصور آدم أن أحدا لا يقسم بالله كذبا فأطاعه، وأكل من الشجرة، وبذلك تمكن إبليس بخداعه من إنزالهما من طاعة الله إلى معصيته، ودلاهما بغرور حتى صارا في مرتبة العصاة الظالمين.
وحينئذ كشف الله سترهما، وظهرت عورتهما، وأخذا يسترانها بورق شجر الجنة، قال تعالى:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3، فغفر الله لهما وقبل توبتهما، قال تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 4، وبعد ذلك أمر الله آدم وحواء أن يخرجا من الجنة، ويعيشا في الأرض حيث الكدح، والعمل، والمواجهة المستمرة مع إبليس وجنوده، مسيرة الحياة الدنيا بما فيها من خير وشر، وبما يتخللها من صراع ونزاع، وليحمل آدم عليه السلام مسئولية الخلافة في الأرض، وهي المسئولية التي خلق الله لها الإنسان، يتوارثها جيلا بعد جيل.
1 سورة الأعراف آية: 21.
2 تفسير ابن كثير ج2، ص206.
3 سورة الأعراف آية: 23.
4 سورة البقرة آية: 37.