الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادثة الثانية: ولادة يحيى
كانت زوجة زكريا عليه السلام عقيما لا تلد، وكبر زكريا، ولم يرزق بولد، ونظر حوله فرأى أن الموالى ليسوا بأمناء على دين الله تعالى: فتمنى في نفسه ولدا من صلبه يرث النبوة، ويكون امتدادا لآل يعقوب عليه السلام، ويكون محل توفيق الله، ورضاه.
ولم يجد إلا الله يحقق له هذه الأمنية، وبخاصة أنه رأى مريم تتمتع بالرزق الوفير من غير عمل، أو جهد، يأتيها من الله تعالى، القادر العظيم، حينما رأى فضل الله على مريم اتجه إلى الله بالدعاء، وطلب منه الولد، يقول الله تعالى:{كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا، إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا، قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} 1.
والآيات واضحة في أن الله أنزل رحمته بزكريا عليه السلام، حين دعاه وحيدا، لا يسمعه إلا الله، وطلب منه أن يرزقه وليا، يرثه مع كبر سنه، وعقم زوجته، فليس هناك مستحيل على قدرة الله تعالى، وتمنى زكريا أن يكون ولده محل رضى الله وقبوله، يقول تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} 2، ويقول سبحانه:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} 3.
1 سورة مريم الآيات "1-6".
2 سورة آل عمران آية "38".
3 سورة الأنبياء آية "89".
يقول قتادة: إن الله يعلم القلب النقي، ويسمع الصوت الحفي، وقد قام زكريا من الليل ينادي، نداء لا يسمعه أحد، ومعنى وهن العظم مني: ضعف العظم بسبب الكبر وظهر الكبر على الشعر فابيض واشتعل شيبا.
والمراد بالإرث: النبوة؛ لأن الأنبياء لا يورث لهم مال، والدنيا كلها لا تستحق أن يهتم بها نبي، ولذلك تمنى زكريا عليه السلام إرث النبوة، ودعا بذلك.
استمع الله لزكريا، وأجاب دعاءه، قال تعالى:{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا، قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} 1، ويقول سبحانه:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} 2، ويقول سبحانه:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} 3.
1 سورة مريم الآيات "7-10".
2 سورة آل عمران الآيات "38-41".
3 سورة الأنبياء آية "90".
ومن مجمل الآيات ندرك أن الله استجاب دعاء زكريا، وبشره بغلام، يسمى باسم لم يسبق به هو "يحيى" وأصلح الله زوجته للحمل، وذهب عقمها، وحاضت.
طلب زكريا من الله آية وعلامة يعرف بها وقت حمل زوجته بهذا الولد، قال الله له آيتك أن يعتريك صمت وسكوت لمدة ثلاث أيام، لا تستطيع أن تتحدث خلالها إلا بالرمز، ولما جاء وقت الحمل كان زكريا يقرأ، ويسبح، ولا يستطيع التكلم مع أحد، ويولد له يحيى، سيدا وحصورا1، ونبيا من الصالحين، وعاش زكريا حتى لقي ربه عليه السلام وقيل إنه مات مقتولا، قتله اليهود.
1 الحصور الذي يكف عن النساء، ولا يقربهن، مع القدرة، ويمكن أن يكون المعنى الحابس نفسه عن المعاصي "تفسير القرطبي ج4 ص78، 79".