الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسكن آدم وزوجته الجنة، وجاءه أول تكليف من ربه، حيث قال الله له:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} 1 وسعد آدم بهذا التكليف، وأخذ ينعم بحياته في الجنة، يتلقى الوحي، ويتعامل مع المخلوقات الموجودة معه.
1 سورة البقرة آية: 35.
"
النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس
"
عاش آدم وزوجته في الجنة متمتعا بعطاء الله الواسع، يأكل من ثمرها، ويشرب من مائها، ويتلذذ بكل ما طاب له فيها، تاركا الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها، مطمئنا إلى وعد الله الحق الذي يضمن له أساسيات الحياة الطيبة، حيث يقول تعالى:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} 1، وهكذا بلا كلفة ولا مشقة، يصون ظاهره بالكساء والسكنى، ويصون باطنه بالشبع والري، وبتحقق هذه النواحي الأربع للإنسان تتحقق الكرامة، والأمان.
لم يرتض إبليس أن يعلو آدم عنه، وتملكه الحقد والحسد، فلما أمره الله بالسجود لآدم {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} 2، نعم كان من الكافرين
1 سورة طه الآيات: 118، 119.
2 سورة البقرة آية: 34.
برفضه أمر ربه، وأصابه الكبر والغرور، بتصوره أنه يتميز عن آدم، حيث تصور تميز النار التي خلق منها على الطين الذي خلق منه آدم، وقال ما حكاه الله عنه بقوله تعالى:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} 1، وتساءل منكرا متكبرا:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 2.
وتصور إبليس شرف النار على الطين باطل، فإن الطين يتميز بالرزانة، والثبات، والنمو، والأناة، أما النار ففيها الطيش، والخفة، والإحراق، والسرعة، وفي الطين استمرارية وخضوع، وفي النار فناء واستعلاء.
ويكفي آدم شرفا على إبليس إن الله خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وهل مع النص اجتهاد؟؟؟
لم يرتض إبليس بمقام آدم، فأبى واستكبر، فأخرجه الله من الجنة قائلا له:{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} 3.
خرج إبليس من الجنة ذليلا، طريدا، يتملكه الحقد، وتقوده العداوة لآدم وذريته؛ ولذا طلب من ربه أن يؤجل عقوبته إلى يوم القيامة؛ ليعمل طاقته في الإضرار والإفساد حيث قال:{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} 4.
ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى أجاب طلبه، وقال له:{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} 5.
1 سورة الأعراف آية: 12.
2 سورة الإسراء آية: 61.
3 سورة الأعراف آية: 13.
4 سورة الحجر آية: 36.
5 سورة الحجر الآيات: 37، 38.
وقطعا لأعذار الآدميين، وضح الله تعالى الحقائق التالية:
أ- عرف آدم بعداوة إبليس، وحدده له، حيث قال تعالى:{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} 1.
ب- حذر الآدميين عموما من ألاعيب إبليس وجنوده، يقول الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} 2، ويقول تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} 3.
ج- وضح لآدم وبنيه وسائل إبليس في الإضلال، وهي عديدة منها:
- التركيز على إبعاد الناس عن الحق والصواب، حيث قال:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 4.
- شمول إضلاله كل ما يحيط بالإنسان، يقول تعالى:{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 5.
- بذل كامل طاقته في الإضلال، يقول تعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} 6.
1 سورة طه آية: 117.
2 سورة الأعراف آية: 27.
3 سورة فاطر آية: 6.
4 سورة الأعراف آية: 16.
5 سورة الأعراف آية: 17.
6 سورة الإسراء: 64.
- تلوين التوجه في الإضلال؛ فأحيانا يحسن القبيح، أو يقبح الحسن، وأحيانا يوقظ الغرائز المادية السيئة، وأحيانا يهمس إلى النفس الأمارة بالسوء، وأحيانا ييئسه من النجاح والخير
…
وهكذا.
د- حدد الهدف الرئيسي لإبليس وجنوده وهو إخراج آدم من الجنة، وحرمان ذريته من دخولها مرة أخرى؛ ولذلك حذر الله آدم وزوجه قائلا لهما:{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} 1.
هـ- عرف الله آدم وذريته بأن إبليس وأبناءه مستمرون في مهمتهم، بلا كلل أو يأس، ولن ينتهوا إلا بقيام الساعة حيث أنظرهم الله تعالى، وقد أقسم إبليس على هذه الاستمرارية حيث قال لله:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} ، و {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، وهو في عمله يترصد للإنسان كما يترصد المحارب لعدوه رجاء أن يقضي عليه بالفساد، ومن أيمانه ما حكاه الله تعالى:{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} أي: لأفسدنهم بالأماني والشهوات، ولأستولين عليهم وأحتوينهم، وأجعلهم في قبضتي، أصرف أمرهم وشئونهم.
و عرف الله آدم وبنيه أنه لا سبيل لإبليس على العبد المخلص في إيمانه، المطيع لربه، يقول الله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} 2.
وشأن المؤمن دائما أن يلجأ إلى الله، ويتوكل عليه؛ ولذلك ينقذه الله من
1 سورة طه آية: 17.
2 سورة الحجر آية: 42.