الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 1، وذلك أن داود عليه السلام قد أعانه الله على عمل الدروع من الحديد، وأرشده الله إلى صناعتها، وصنعة اللبوس هي صناعة الدروع، وكانت قبله تصنع من الصفيح، قطعة واحدة، فلما لان الحديد له، صنعها عليه السلام حلقا من الصلب الشديد، في هيئة رقائق متموجة لينة، والسابغات هي الدروع، وقد أمره الله تعالى بأن يقدر في السرد، بمعنى فتح الحلقة على قدر المسمار، فلا تتسع عنه، ولا تضيق عنه.
1 سورة سبأ الآيات: 10، 11.
2-
تأويب الجبال والطير معه:
يقول الله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} 1، ويقول تعالى:{مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} 2، وذلك أن الله تعالى وهبه حلاوة الصوت، وجمال النطق، فكان عليه السلام إذا قرأ شيئا من كتابه "الزبور" يقف الطير في الهواء، يرجع بترجيعه، ويسبح بتسبيحه، وكانت الجبال تجيبه، وتسبح معه، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أبا موسى الأشعري رضي الله عنه يقرأ القرآن، فقال له:"لقد أُوتيتَ أبا موسى مزمارا من مزامير داود"3.
والآية تصور فضل داود عليه السلام وأنه قد بلغ من الشفافية والتجرد لله حدا انزاحت الحجب أمامه، فالتقت معه الكائنات، وانمحت الفواصل بين المخلوقات، وسبح الطير والجبل معه، وأخذ كل منهم يتصل بالآخر في التسبيح، والحمد، والدعاء، يسمع، ويفهم، ويرجع، ويعيد، وتلك درجة لا ينالها إلا المقربون.
1 سورة ص الآيات: 17-19.
2 سورة سبأ آية: 10.
3 صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تحسين الصوت ج9 ص92.
وقد تميز داود عليه السلام بعدد من الخصائص:
الأولى: العبادة الدائمة
يقول تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} 1، يقول ابن عباس:{ذَا الْأَيْدِ} أي: صاحب القوة في الطاعة، وقال قتادة: أعطي قوة في العبادة، فكان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر. وعن وهيب بن الورد أن داود عليه السلام جعل ليله كله نوبا عليه، وعلى أهل بيته، لا تمر ساعة من الليل إلا وفي بيته مصلٍّ لله2.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كان داود أعبد البشر" 3، ويقول صلى الله عليه وسلم:"أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما"4.
الثانية: الشجاعة والقوة
تميز داود عليه السلام منذ صغره بالشجاعة، فلقد اشترك في شبابه مع طالوت والقوم يفرون، وتمكن من قتل جالوت، وساهم مع المنتصرين في إعادة الكرامة لشعب إسرائيل المطرود.
ومكن الله له من صناعة الدروع، وألان له الحديد؛ ليستفيد به في صناعات عديدة عسكرية، وعمرانية، وزراعية، وغيرها.
ولما بعثه الله نبيا، وجعله ملكا، مكن له من البأس والقوة، يقول تعالى:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} 5.
1 سورة ص آية: 17.
2 تفسير القرطبي ج11 ص319.
3 رواه الترمذي وحسنه، انظر بصائر ذوي التمييز ج6 ص84.
4 صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الأنبياء، باب صلاة داود ج6 ص455.
5 سورة ص آية: 20.
الثالثة: الحكم والقضاء
تميز داود بالحكمة والقضاء بين المتخاصمين، ويقصده المتخاصمون لشدة عدله، ودقته في فهم الموضوع، وتناول أطرافه جميعا، حتى إنه عليه السلام اعتبر نفسه ظالما، يوم أن حكم على صاحب الغنم قبل أن يناقش حجته الحقيقية:{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} 1.
ويمكننا من خلال الآيات التي تحدثت عن معجزات داود عليه السلام ومزاياه، أن نحدد ملامح دعوته فيما يلي:
1-
دعا قومه إلى التوحيد، وجدد لهم دعوة موسى عليه السلام وكان الوحي ينزل عليه بتعاليم الله، وقد أبقاه لقومه في كتابه المقدس "الزبور".
2 -
دعاهم إلى الشريعة، والعمل الصالح، قال تعالى:{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 2، وطلب منهم ضرورة الطاعة لشكر الله، يقول تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} 3، ويقول تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} 4.
3-
كان شديد الإنكار على كل مخالف لحكم الله، معتدٍ على حدوده
1 سورة ص الآيات: 24، 25.
2 سورة سبأ آية: 11.
3 سورة الأنبياء آية: 80.
4 سورة سبأ آية: 13.