الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسا: قيامه بالدعوة
طلب موسى من ربه أن يجعل معه أخاه هارون وزيرا يعينه، ويشد أزره، فاستجاب الله له، وأمده بما طلب، وقام موسى بواجب التبليغ لفرعون وقومه، يدعوهم إلى التوحيد، وطاعة الله، ويطلب من فرعون أن يترك الإسرائيليين لشأنهم، وأن يرسلهم أحرارا إلى موسى عليه السلام ليعيدهم إلى التوحيد الخالص الذي تعلموه من أنبيائهم، ويعيدهم إلى الأرض المقدسة، كما قام موسى عليه السلام بالدعوة في قومه أيضا....
ولقي مشقة وعنتا، من هؤلاء، وهؤلاء، فقابلها ومعه هارون بصبر النبوة، وخلق الرسل، والثقة في عون الله وقدرته، وأيده الله بالمعجزات العديدة، في مواجهته للمصريين، وللإسرائيليين سواء بسواء.
ويبدو أن غلبة الجانب المادي، والجدل الكلامي سمة مصريي هذا الزمان؛ ولذلك كانت معجزات موسى لهم حسية، وكثر الحوار والجدل مع موسى بلا نتيج.
وكان الإسرائيليون يعيشون عبيدا للفراعنة، ولذلك لم يجادلوا موسى، وهم في مصر، وأظهروا له الطاعة والامتثال، ودائما كانوا يشكون له ما لقوه من فرعون، يصور الله تعالى شكاياتهم، فيقول سبحانه:{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} 1، فلما نجوا من ذل فرعون، وانتقلوا إلى برية سيناء، ظهروا على حقيقتهم، وبان من مواقفهم مع موسى وهارون عليهما السلام ما في طباعهم من خصائص.
فلقد جُبلوا على المادية، وألفوها، وتعلقوا بها؛ ولذلك طلبوا من موسى عليه السلام أن يصنع لهم صنما يعبدونه، ويلازمونه، ويرونه وهم يعبدون، وطلبوا أن يروا
1 سورة الأعراف آية: 129.
الله جهرة
…
وعبدوا العجل الذي صنعه السامريّ.
وفي طبعهم مخالفة من يعيشون معه، ولو إلى الأسوأ، فلقد طلبوا من موسى عليه السلام أن يطعمهم البصل، والثوم، وغيرهما بدل المن والسلوى.
وفيهم الجبن والخوف، فلقد استضعفوا هارون حين غاب عنهم موسى عليه السلام فكفروا، وعبدوا العجل، فلما جاءهم موسى خافوا، ورجعوا إلى الدين مرة أخرى.
ولما أمرهم موسى عليه السلام أن يدخلوا بيت المقدس، رفضوا لأن فيها قوما جبارين.
ولما طلب منهم موسى عليه السلام أخذ الألواح بعزيمة وقوة، ترددوا، فلما هددهم بظلة الجبل، وخوفهم من سقوطها عليهم امتثلوا.
ومن طبعهم نقض العهد والميثاق، فلقد أخذ الله عليهم الميثاق فنقضوه، ولم يلتزموا.
ومن طباعهم أنهم أمام الضعفاء جبابرة، وأمام الأقوياء خاضعون، انظر إليهم كيف استهانوا بهارون عليه السلام لطيب خلقه، ولينه، وعفوه، وكادوا أن يقتلوه
…
فلما جاءهم موسى عليه السلام اعتذروا بأن تصرفهم كان خارج طاقتهم، وأنهم خدعوا.
تعامل موسى عليه السلام مع كل هذا، واستمر في الدعوة لدين الله تعالى بالحسنى، وبالخلق.
وقد حاول مع قومه أن يدخل بيت المقدس، لكنهم جبنوا، فقضى الله عليهم أن يتيهوا في سيناء أربعين عاما.
إنها لرحلة طويلة، وشاقة عاشها موسى عليه السلام في مصر، وعند شعيب، وفي سيناء، رحلة لا يتحملها إلا رسول ذو عزم وقوة، وقد أثنى الله تعالى على موسى عليه السلام في القرآن الكريم، ومن ثناء الله تعالى قوله سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا، وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ